بقلم: عبد الناصر فروانة للمرة الأولى تغني فرقة العاشقين في قطاع غزة، وهي المرة الأولى التي أرى فيها أعضاء الفرقة الفنية وجها لوجه، حينما حضرت حفلاً غنائياً وطنياً أحيته مساء يوم السبت الماضي الموافق الخامس من جانفي الجاري في قاعة فندق المتحف على شاطئ بحر غزة بمناسبة انطلاقة الثورة الفلسطينية المعاصرة التي فجرت شرارتها الأولى حركة فتح في الأول من جانفي عام 1965، وذلك بحضور شخصيات وقيادات من الفصائل الوطنية والمجتمع المدني بجانب قيادات وأعضاء وأنصار حركة (فتح). حقاً كان الحفل رائعاً بروعتها وروعة كلمات أغانيها التي أعادت بنا بالذاكرة للوراء عقودا من الزمن حينما غنت للمقاومة ولبيروت الصمود (اشهد يا عالم علينا وعلى بيروت).. تلك الأغنية التي اشتهرت بها وألقت من خلال كلماتها التي لا زالت محفورة في أذهاننا الضوء على أسطورة الصمود الفلسطيني أبان اجتياح لبنان 1982. (العاشقين) اسم لفرقة فنية فلسطينية حفر في أذهاننا واستحوذت على مكانة متقدمة في أفئدتنا، وارتبطت بمختلف المراحل التي عشناها وعاشها شعبنا الفلسطيني منذ تأسيسها عام 1977، وترسخت أكثر في وجداننا وعقولنا بعدما غنت للمقاومة الفلسطينية المسلحة في لبنان ومن ثم للأسرى ولانتفاضة الحجارة في فلسطينالمحتلة عام 1987. وبالرغم من أن كافة أعضائها يقيمون خارج حدود فلسطين، إلا أنها في قلوبنا ساكنة، فلقد عرفناها بأغانيها التي نحفظها عن ظهر قلب، وترددها الأجيال بعزة وكبرياء، تلك الأغاني التي اشتهرت بها ولا يمكن للذاكرة الفلسطينية أن تمحوها من سجلاتها لأنها ارتبطت بالصمود والمقاومة والفداء، وأخيرا غنت للدبلوماسية الفلسطينية وانتصارها في الأممالمتحدة من خلال أغنيتها الشهيرة (اعلنها يا شعبي أعلنها دولة فلسطين أعلنها وبعلمك زينها). وعودة على بدء، فمع بدء الحفل الوطني رحب د.نبيل شعت عضو اللجنة المركزية لحركة فتح بالفرقة وبالحضور كافة، ولكن ما لفت انتباهي هو حينما خص الترحيب بالوفد الجزائري الشقيق الذي حضر لغزة للمشاركة في احتفالات حركة (فتح) بانطلاقتها. وقد عبر د.نبيل شعت عن إعجابه بالوفد وبإصراره على القدوم لغزة، وأثنى على مواقف الشقيقة (الجزائر) ومواقفها الداعمة والمساندة للقضية الفلسطينية، كما وأشاد بنضالات الشعب الجزائري الشقيق وثورته العظيمة ضد الاستعمار. وكان الوفد الجزائري الذي يمثل منظمات المجتمع المدني الجزائرية قد وصل إلى قطاع غزة عبر معبر رفح الحدودي جنوب قطاع غزة مساء يوم السبت وقبل الحفل بسويعات قليلة، وهو الوفد العربي الوحيد الذي لبى الدعوة وأصر على الحضور والمشاركة في احتفالات الانطلاقة رغم كل الصعاب التي واجهوها. ومن المشاهد المؤثرة تلك التي حملتها وسجلتها الدقائق الأولى لوصول الوفد الجزائري لأرض غزة، حيث عبروا عن فرحتهم بكلمات تعكس أصالتهم، وتعبر عن عمق العلاقات الأخوية ما بين الشعبين، بل وانهمرت دموع بعضهم، ورددوا كلمات الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة (ان استقلال الجزائر ناقص بدون استقلال فلسطين). فللجزائر مواقف تاريخية نعتز بها كفلسطينيين، فهي من احتضنت ثورتنا، ودعمت قضية شعبنا، واستضافت قادتنا، وهي أول الدول العربية التي استجابت لندائنا ولكسر حصار قيادتنا وأوفت بوعدها قبل أيام وقدمت دعمها المادي للسلطة الفلسطينية قبل موعد استحقاقها. ومما سمعته وقرأته وتناقلته وسائل الإعلام الفلسطينية من تصريحات صدرت عن بعض أعضاء الوفد إنما عبرت عن سعادتهم بوصولهم لغزة، وعلى مواقف الشعب الجزائري الثابتة والداعمة والمناصرة لشعبنا الفلسطيني وقضيته العادلة، وأكدت جميعها على عمق العلاقة التاريخية التي كانت ولا زالت وستبقى متينة ما بين شعبينا. ونحن صدقاً كذلك نفخر دوماً بالجزائر وثورتها ونتعلم من تجاربها ودروسها، وحينما تطأ أقدامنا أرض الجزائر الشقيقة، بلد المليون ونصف المليون شهيد، نشعر بسعادة باهرة وبارتياح كبير وبالدفء العربي الحنون، وكلما غادرناها تمنينا العودة لها من جديد. لأننا كفلسطينيين نَحِنُ لجزائر الثورة ونعتز بعنفوان ثوارها، ونعشق ترابها وبطولات صناع أمجادها، ونفخر بشعبها ونقدر عالياً اهتمامها ودعمها الرسمي والشعبي لشعبنا وقضيتنا الفلسطينية.. وما بين العاشقين للوطن فلسطين والعاشقين لجزائر الثورة... علاقة تاريخية لا يدرك معناها وقيمتها ومتانتها سوى من قاوم الاحتلال هنا في فلسطين ومن شارك في الثورة ضد الاستعمار هناك في الجزائر الشقيق.. وصدق من قال: (من الأوراس إلى الكرمل.. الثورة مستمرة). فللعاشقين منا سلام وللجزائريين كل احترام.. * أسير فلسطيني سابق وباحث مختص في شؤون الأسرى