فيما اعتبره البعض مقصلة لتحييد المعارضة مناقشة "مشروع العزل" تفجر الخلافات بين التونسيين بدأ المجلس الوطني التأسيسي في تونس مناقشة مشروع قانون العزل السياسي لرموز النظام السابق، وسط تباين بين أطراف تصرّ على تمريره بدعوى أنه يقطع الطريق أمام عودة منظومة الاستبداد السابقة، وأطراف أخرى ترى فيه محاولة لاجتثاث خصوم سياسيين لهم وزنهم قبل الانتخابات. وانطلقت أول أمس جلسات النقاش حول مشروع القانون الذي يهدف لإقصاء كلّ رموز النظام السابق الذين تقلّدوا مسؤوليات بالدولة أو الحزب الحاكم السابق الذي ينتسب إليه الرئيس المخلوع زين العابدين بن علي، ومنعهم من المشاركة في الحياة السياسية والترشّح للانتخابات لمدّة تصل إلى سبعة أعوام. مشروع القانون، الذي شرع المجلس في مناقشته فصلا فصلا، هو محلّ جدل كبير وألقى بظلاله على الشارع، حيث شهد تحركات عدة لروابط حماية الثورة التي دخلت في اعتصام مفتوح أمام المجلس التأسيسي للمطالبة بعزل المسؤولين السابقين، بينما نزلت أحزاب معارضة بثقلها إلى الشارع أمس للاحتجاج ضدّ المشروع. ويلقى مشروع العزل السياسي دعما قويّا من حركة النهضة التي تمتلك أغلب مقاعد المجلس التأسيسي (89 من جملة 217) وحزب المؤتمر حليف الحركة في الائتلاف الحاكم وحزب حركة وفاء، المتكوّن من منشقين عن حزب المؤتمر ونواب آخرين، بينما يواجه اعتراضا كبيرا في أوساط المعارضة. ويؤكد رئيس المكتب السياسي لحركة النهضة النائب عامر العريض أنّ مشروع القانون (لن يشمل إلا عددا محدودا من الذين أمعنوا في مساندة النظام السابق)، نافيا ما تتداوله المعارضة بأنه (عقاب جماعي) سيشمل آلاف الأشخاص. ويقول العريض إنّ هناك (مفارقة عجيبة) لأنّ الذين سيشملهم مشروع القانون أقلّ بكثير من الذين تعرضوا للتعذيب والاعتقال السياسي في ظلّ النظام السابق، موضحا أنّ مشروع قانون العزل لا يهدف إلى محاكمتهم خارج أطر القضاء، وإنما يسعى لإبعادهم من المشاركة في تسيير دواليب الدولة لمدّة وجيزة فحسب. غير أنّ خميس قسيلة، النائب والقيادي بحركة نداء تونس الغريم السياسي لحركة النهضة، يقول إنّ الهدف من تمرير مشروع قانون تحصين الثورة قبل أشهر قليلة من تنظيم الانتخابات هدفه (تحصين إدامة بقاء بعض الأطراف في السلطة)، في إشارة لحركة النهضة وحزب المؤتمر حليفها بالائتلاف الحاكم. وشدد على أنّ الانتخابات السابقة فوّضت للمجلس التأسيسي كتابة دستور جديد فحسب، وليس سن مشروع قانون العزل السياسي أو محاسبة رموز النظام السابق، مشيرا إلى أنه لا يمكن محاسبة المسؤولين السابقين دون قضاء مستقل وفي غياب محكمة دستورية أو هيئة وقتية للقضاء. ويرى قسيلة أنّ هناك (نية مبيتة) من وراء مشروع قانون العزل السياسي (الجائر) لاجتثاث خصوم سياسيين (بارزين) قبل الانتخابات، في إشارة إلى حزبه حركة نداء تونس الذي تظهره استطلاعات للرأي متقدما على حركة النهضة، بينما تطعن الأخيرة في نزاهة نتائج سبر الآراء. من جهته يقول النائب منجي الرحوي، وهو قيادي بالجبهة الشعبية التي تضم أحزابا يسارية، إنّ مشروع قانون العزل السياسي (صيغ بمقاس) حركة النهضة لتفريغ الساحة من المنافسين السياسيين لها والتغلغل في مفاصل الدولة، وهو ما تنفيه الحركة.