عكف أعضاء المجلس التأسيسي التونسي يوم الخميس على تدارس مشروع القانون المتعلق ب "التحصين السياسي للثورة" الذي يرمي إلى"عزل" رموز النظام السابق عن الممارسة السياسية لمدة سبع سنوات وفق ما أبرزته مصادر برلمانية. وكانت خمس كتل برلمانية تونسية وفي مقدمتها حركة"النهضة الإسلامية" التي تقود الحكومة المؤقتة قد تقدمت بمشروع هذا القانون الهادف إلى "فرض العزل السياسي" ضد رموز النظام السابق لمدة سبع سنوات وإبعادهم عن خوض الاستحقاقات المقبلة مما خلف تداعيات واسعة في أوساط قوى المعارضة التي وصفت الإجراء ب" الخرق الصارخ لقواعد الديمقراطية". وتميزت المناقشات العامة بإبداء الآراء حول محتويات الوثيقة وذلك قبل اتخاذ قرار بالأغلبية المطلقة ( 109 صوتا) بالتخلي نهائيا عن هذه الوثيقة أو تحديد موعد لمناقشتها فصلا فصلا قبل التصويت عليها. وأثار مقترح القانون المتعلق بالتحصين السياسي للثورة جدلا واسعا في البلاد وداخل المجلس التأسيسي بين مؤيدين لمشروع القانون الذين يعتبرونه "ضروريا" لتحقيق أهداف الثورة من ديمقراطية ومكافحة الفساد وبين معارضين له والذين يعتبرونه "عقابا سياسيا جماعيا مخالفا لمعاهدات حقوق الإنسان الدولية". ---العزل السياسي لتحصين الثورة بين مؤيد ومعارض--- وعشية انطلاق هذه الجلسات البرلمانية أعلن الشيخ راشد الغنوشي رئيس حركة النهضة الإسلامية التي تقود الإئتلاف الحاكم في تونس عن" تمسك" حزبه بمشروع قانون العزل السياسي أو تحصين ا لثورة مؤكدا" سحبه " للمقترح المتعلق بتقديم رموز النظام السابق اعتذارهم للشعب التونسي مقابل عدم استبعادهم عن النشاطات السياسية. وأرجع هذا الموقف الذي جاء قبل يوم واحد من شروع المجلس التأسيسي في مناقشة مشروع القانون إلى عاملين أساسيين أولهما أن عددا من مسؤولي النظام السابق الذين قد يشملهم قانون العزل السياسي رأوا في "الإعتذار" إساءة لهم. أما العامل الثاني فيتعلق بتزايد الخلافات داخل حركة النهضة الإسلامية الحاكمة بشأن هذا الموضوع علما بأن مجلس الشورى التابع لهذا الحزب الإسلامي سبق له أن أقر ضرورة تمرير قانون العزل السياسي على المجلس الوطني التأسيسي للمصادقة عليه. وبالمقابل انتقدت قوى المعارضة من ضمنها حركة "نداء تونس" و "حزب المسار" و"الحزب الجمهوري" مشروع القانون الذي وصفته بالاجرء "المنافي لقواعد الديمقراطية" داعية إلى " تحقيق المصالحة والوحدة الوطنية الجادة القائمة على أساس برامج واضحة دون إقصاء إي طرف ". واعتبر الباجي قائد السبسي رئيس حركة "نداء تونس" المعارضة ان الحكومة والمجلس التأسيسي" فشلا في الإيفاء بوعودهما السياسية المتمثلة في صياغة الدستور في غضون سنة وإجراء انتخابات تنهى المسار الانتقالي". ويرى ان هناك ثلاث دول فقط تبنت مثل هذا القانون ومارست الإقصاء والعزل السياسي وهى ألمانيا النازية والنظام العنصري في جنوب إفريقيا وإسرائيل لتصبح تونس هى الدولة الرابعة وفق تعبيره. وسبق لمنظمة (هيومن رايتس ووتش) الحقوقية الدولية أن انتقدت مشروع قانون "العزل السياسي" في تونس ولفتت إلى انه يشكل "خرقا" للمعايير الدولية كونه "سيحرم ألاف" المواطنين من احد حقوقهم الأساسية. ودعت هذه المنظمة إلى "السماح" لجميع المواطنين بالمشاركة في إدارة الشؤون العمومية بشكل مباشر أو من خلال ممثلين يختارون في كنف الحرية دون تمييز أو قيود. --- قانون تحصين الثورة يتزامن مع الاستحقاقات الانتخابية--- ويرى المراقبون أن مشروع قانون "تحصين الثورة" أو "العزل السياسي" جاء "ليسد الطريق أمام" أقطاب المعارضة كونها تشكل جبهات انتخابية ذات "وزن سياسي هام" ضمن الخريطة السياسية الجديدة للبلاد مما سيجعل دورها "فاعلا ومؤثرا" خلال الاستحقاقات المقبلة (الانتخابات الرئاسية والبرلمانية)التي من المزمع تنظيمها مع نهاية السنة الجارية 2013 . واعتبر المتتبعون للشأن التونسي ان واقع الخريطة السياسية المنبثقة عن انتخابات 23 أكتوبر 2011 فرض على مكونات قوى المعارضة التحالف ضمن أقطاب وائتلافات حتى تتفادى إخفاقها في الانتخابات المقبلة. ويشمل مشروع القانون كل من تقلد مسؤوليات مثل وزير أول ووزير وكاتب دولة في الفترة الممتدة من افريل 1989 تاريخ إجراء أول انتخابات إبان النظام السابق إلى غاية 14 يناير 2011 تاريخ الإطاحة بالرئيس السابق زين العابدين بن علي. كما يشمل القانون كل الأشخاص الذين تقلدوا خلال هذه الفترة مسؤوليات في حزب التجمع الدستوري الديمقراطي المنحل والحاكم سابقا.