مضى نصف رمضان وصدق اللّه (أيّام معدودات)، وهكذا تنقضي الأيّام الغالية وأنا أكتب هذه الكلمات وأسال نفسي وأسألكم: هل أنتم راضون عن أنفسكم في النّصف الأوّل من رمضان؟ هل عبدنا اللّه كما كنّا نتمنّى عند بداية رمضان؟ هل قرأت القرآن فأحيى في نفسك معاني جديدة قرّرت أن تعيش بها؟ هل ذقت حلاوة القيام؟ هل أحدث الصّيام في نفسك سموا وارتفاعا عن دنايا النّفس وشهواتها؟ وهل أنت أفضل بعد انقضاء نصف رمضان؟ أبو حامد الغزالي من علماء المسلمين الكبار كانت له مقولة أيّدها وأكّدها علماء الإدارة في العصر الحديث، كان يقول إن أيّ عمل تعمله ابتغاء وجه اللّه ينبغي أن تتحقّق فيه ثلاثة شروط: أوّلا: مشارطة النّفس قبل العمل، أي الاتّفاق معها والعزم عليها. ثانا: تجديد الهِمّة وسط العمل. ثالثا: تقييم الأثر النّاتج في نهاية العمل. وأنا أقول كم نحن الآن في منتصف العمل فإن كان فاتك ولم تحسن وشغلتك الحياة وضاعت الهِمّة التي كانت عندك في أوّل رمضان فأرجوك لا تيأس فمازالت الفرصة أمامك والأيّام القادمة أهمّ وأعظم وأغلى. فليلة القدر تقترب والثواب عظيم وفرصة الفوز بالجنّة والنّجاة من النّار بين يديك، فأرجوك أرجوك لا تستسلم وابذل جهدك وابدأ من الآن وشارك نفسك من أوّل وجديد واعزم على نفسك الآن واجتهد في القرب من اللّه وعمل الخير للنّاس فإن همّتك وعزمك من اليوم قد يجعلاك تسبق من بدأ من أوّل الشهر، فسرعتك قد تكون أعظم {وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ}. إليك بعض الأحاديث النبوية الشريفة لترفع همّتك وتجدّد فيك الأمل الكبير في رضا اللّه وثوابه وجنّته وإجابته لدعائك، وقد تكون سمعت هذه الأحاديث في بداية رمضان لكنني أذكّرك بها في منتصف رمضان لنجدّد الهِمّة والنيّة: - (من صام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدّم من ذنبه). - (من قام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدّم من ذنبه). - (من قام ليلة القدر إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدّم من ذنبه). - (وللّه عتقاء من النّار في رمضان وذلك كلّ ليلة، وللصائم عند فطره دعوة لا تردّ). - (الصيام والقرآن يشفعان للعبد يوم القيامة، يقول الصّيام: أي ربّي منعته الطعام والشراب والشهوة بالنّهار ويقول القران: أي ربّي منعته النّوم باللّيل فيشفعان للعبد). ويكفيك قبل كلّ هذا (ليلة القدر خير من ألف شهر)، فثواب العبادة في هذه اللّيلة كألف شهر فيما سواها، وهي ليلة إجابة دعاء وهي ليلة تتنزّل فيها الملائكة من السماء، وهي ليلة يسالم اللّه فيها عباده، فيرحم ويغفر ويعفو (سلام هي حتى مطلع الفجر). يا من ضيّعت النّفس الأوّل من رمضان أرجوك لم ينته السباق بعد، ابدأ اليوم واذهب إلى اللّه بكلّ قلبك وبكلّ جوارك وجدّد معه العهد ومن يدري قد تسبق من بدأ. كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يكثر من هذا الدعاء: (اللّهم اجعل خير أعمالي خواتمها) وكان يعلّم الصحابة فيقول لهم: (إنما الأعمال بالخواتيم). إن الكثيرين يحسنون البداية لكن قليلين هم الذين يحسنون إتقان النّهاية، لذلك جعلت ليلة القدر في العشر الأواخر من رمضان للمجتهدين حتى النّهاية. فيا من أحسنتم البدايات الحذر، الحذر من الغفلة في النّصف الثاني من رمضان، فالخير كلّه قادم في العشر الأواخر، ويا من لم تبدأو بعد السبق، السبق فالخير كلّه قادم.