قال - تبارك وتعالى -: _ خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا _ [التوبة: 103]. وعن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال: (فرض رسول الله - صلى الله عليه وسلم - زكاة الفِطْر، طُهرةً للصائم من اللغو والرفث، وطُعْمةً للمساكين، فمن أدَّاها قبل الصلاة فهي زكاة مقبولة، ومن أداها بعد الصلاة فهي صدقة من الصدقات)، رواه أبو داود وابن ماجه. روضة بِر متواصِل، ونهر خير جارٍ، قبل فوات الأوان وفي آخر أجمل اللحظات وأسعد الأوقات وأفضل الأيام، قبل خِتام الشهر أو في ختامه تأتي هذه الروضة لتُطهِّر الصائم وتُنظِّف صفحته لترتفع بيضاء نقيَّة كاللبن لونًا وصفاءً. روضة صدقة الفطر يا لروعة وقتها وتوقيتها! ويا لحُسْن معناها! ففي وقت يغلِب فيه نسيان الفقراء والانشغال بالأهل والأقرباء كان أفضل أوقات خروجها لتَعُم الفرحة الجميع، فالمسلم للمسلم، والمؤمنون إخوة، فتكون أفراحهم مشتركة موحَّدة حسًّا ومعنى، فصدقة الفطر تنقية وتصفية وتزكية؛ تنقية لما خالَط الصيام من شوائب فلا عصمة، وتصفية لما بقي في القلب من دغَلٍ وكِبْر، وتزكية لاختتام دورة الصيام بتفوُّق. يختم بها الشهر لتكون خاتمة خير، وكذا مفتاح عهد جديد مع الفقراء والمحتاجين ليتواصل العطاء والبِر بهم طوال العام إن شاء الله - تبارك وتعالى - وأهم لحظة ألا ينسوا في الأفراح. روضة صدقة الفطر: مِسْك ختام وختام مِسك، ونهاية نور ونور نهاية، وآخر الخير في شهر الخير، وخير يقود إلى الآخرة، صدقة الفِطْر روضة يَنشرِح بها صدر مَن يَملِك قوت يومه وليلته ليُعين مَن لا يَملِك، ويُنسيه في لحظات الفرح همَّ قوته وقوت عياله، ليُشارِك المسلمين أفراحهم ويشاركوه همومه، فالكل سواء، قلبهم واحد كما كان صومهم واحدًا. روضة الصدقة معركة مع النفس، لكن نفس الصائم أقوى من أن تبخَل، وقد مرَّت بشهر التربية فلا حديث عن بخل هنا وامتناعٍ، فالكل يُبادِر راغبًا محبًّا متقرِّبًا ليُكمِل سير صومه بسلام، بل بشوق وفرح وطلب القَبُول. تتجلَّى في صدقة الفِطر حقيقة ((الصدقة برهان)) على الإيمان، وعلامة على التسليم والإذعان للمَلِك الديان، والمتابعة لخير الأنام - صلى الله عليه وسلم. يعيش المجتمع في أيام ولحظات صدقة الفِطر موسمَ تكامُل وتراحُم وترابط ومحبَّة وسلام، فيرى الواقع المعبِّر عن _ إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ _ [الحجرات: 10]، والقائم على ((المسلم للمسلم كالبنيان))، ويَنعَم فيها المؤمن المتصدِّق بوجود فرصة لزيادة الأجر، وينعم المؤمن المحتاج بما يَسُد حاجته يوم فَرَحه. فيا مَن فاته الإنفاقُ في أوائل الشهر أو الوسط أو الأواخر، بقي القليل من ساعاته، وها هي فرصة صدقة الفِطر بين يديك فلا تُتْبِعها بما تقدم فيفوتك وقتها، ثم تندم ولا ينفع بعدئذ الندم، مع أن الفرق أن هذه فريضة، وتلك نافلة، فلا تُلحِق الأصل بالفرع، وكن على حذرٍ من وسواس البخل، وإن جاء بلسان النصح والحرص على المال والأهل فالواجب واجب. صدقة الفطر: صاع من طعامك على النفس ممن تعول، وإن كان وليدًا، ولتعلم وأنت تُخرجها أن من فضل الفقير عليك أن كان سببًا لطاعتك لله فيه، فخير الناس لك من كان عونًا لك على طاعة الله - تبارك وتعالى - فتنبَّه ولا تمنَّ أو تؤذِ، فأنت أحوج إلى أجرها وخيرها في الآخرة وبركتها على مالك وولدك في الدنيا، وإن كان الفقير أحوج إليها في الدنيا، فتأمَّل ماذا كسبت وماذا فقدتَ؟! تصدَّق بها قبل خروجك لصلاة العيد بعد فجر يومه، وهذا أفضل وقتها ولا بأس بتقديمها على ذلك بيوم أو يومين. فسبحان مَن خلَق السموات والأرض وما فيها! ثم يستقرِض من عبده وهو الغني، ف( مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ وَلَهُ أَجْرٌ كَرِيمٌ ) [الحديد: 11]. اللهم دلَّنا على البِر، ووفِّقنا إليه، واجعلنا من خيرة عبادك الصالحين، واقضِ حوائجنا، واجعل الخير على أيدينا. عن موقع ألوكة -بتصرف-