ارتأت (أخبار اليوم) أن تجري حوارا مع مختصّة في علم الاجتماع، ويتعلّق الأمر بالدكتورة سامية فطوش أستاذة محاضرة في جامعة بوزريعة، من أجل إعطاء قراءة في الحرب التي تستهدف مبادئ وقيم الجزائر التي هي على المحك بقدوم التيار الغربي الذي يسعى بكلّ ما أوتي من قوة إلى طمس هوِية شباب الجزائر وجعلهم شبابا منساقين وراء الرذيلة والملذّات والأشياء التي لا تمتّ إلينا بصلة، سواء من ديننا الحنيف أو من عادات وتقاليد أم من تاريخ نعتزّ به كجزائريين.. حاورتها: عبلة عيساتي * بما أنك دكتورة مختصّة في علم الاجتماع نريد معرفة تحليلك للقضية الرّائجة والمخفية عن الأنظار في الوقت الرّاهن ألا وهي طمس الهوِية الجزائرية، أو بمعنى أصح الحرب المعنوية التي تحاك ضد مبادئ وقيم الهوِية الجزائرية، والتي تعتمد على عدّة نقاط في مقدّمتها الإساءة إلى اللّغة العربية، خاصّة وأننا نلاحظ رواج اللّغات الأجنبية في أوساط الشباب الجزائري، إلى ماذا راجع هذا؟ وما هي سلبياته على المجتمع في المستقبل القريب؟ ** نحن نعلم بأن اللّغة العربية أمّ الرّموز، ويتّفق جميعنا على أن اللّغة تتضمن التعرّف على ثقافة أيّ مجتمع والكشف على عناصره الثقافية، واللّغة هي واحد من العناصر البارزة والفاعلة بامتياز في هندسة النّسيج الثقافي أو الاجتماعي لأيّ مجتمع، لذلك نرى أن من يريد اختراق أو استعمار أيّ مجتمع يراهن ويعوّل كثيرا على طمس هذا العنصر الثقافي المهمّ ألا وهو (اللّغة)، فهي لا تمثّل آلية اتّصال فحسب وإنما هي حاملة وحارسة القيم كذلك، وهو نفسه الأمر الذي عوّل عليه الاستعمار الفرنسي عندما راهن على اللّغة الفرنسية من أجل جعل الجزائر فرنسية. واليوم من بين الأشياء التي أصبحت تسيء إلى الهوِية الجزائرية هذا المزجّ اللّغوي الغريب الذي ينخر جسد هويتنا لأنه يعبّر عن ثقافتنا، فكلام الشباب فيه مزيج من العربية والفرنسية وأضافوا إلى ذلك الإنجليزية، وإذا أتينا إلى تحليل ذلك فهي في الحقيقة عديدة قد يكون أوّلها مرتبط بعقدة النقص التي لازال الشباب حبيسا فيها من منطلق المقولة الخلدونية (المغلوب مولع بتقليد الغالب)، وهي إرث لازلنا ندفع ثمنه منذ الاستعمار، ضف إلى ذلك زمن العولمة الذي أعاد قولبة الصيغ الكلامية وأعطى أبعادا تقنية في استعمالات اللّغة مرتبطة بثقافة البلدان المصدّرة لتقنيات التكنولوجيات الحديثة للاتّصال كغرف الدردشة عبر الأنترنت مثل (الفايس بوك) وغيرها باعتبارها ترويجا لاستعمال الفرنسية، وسلبيات تداخل اللّغات الأجنبية في أوساط شباب الجزائر هو التملّص من الهوِية الجزائرية باعتبارأنها حارستها الوحيدة. * لاحظنا في الآونة الأخيرة تحريفا للتاريخ الجزائري وتلقّي شبابنا تاريخا منقوصا ومغلوطا بخصوص ما عاشته الجزائر، ما تحليلك لهذه النقطة؟ ** أجل تحريف التاريخ لأيّ دولة يساهم في طمس هويتها، وهو راجع إلى عدم الاهتمام بالمادة كوحدة مدرسية، للأسف إنه لا تجسد عبر منظومتنا التربوية فكرة أن التاريخ من المفترض أن يكون جسر التواصل بين المدرس والتلميذ لأنه دائما وأبدا سيظلّ ذاكرة الشعوب في بلادنا التي لم ترق بعد إلى الاعتراف بأهمّية التجارب التاريخية في الحفاظ على ملامح هويتنا الوطنية، ومؤسف أن نقول إن شبابنا ليسوا مولعين بقراءة تاريخهم لأنهم لم يشبّوا على ذلك وأن ما شبّ عليه شاب حتما على حبّه. * نلاحظ في الآونة الأخيرة إغراق السوق الجزائرية بماركات عالمية تحمل أسماء وإشارات لها دلالة يهودية وماسونية مسيئة إلى الدين كالنّجمة السداسية اليهودية التي توجد على الملابس ولفظ الجلالة (اللّه) الموجود على الأحذية وغيرها، ما رأيك في هذا الموضوع؟ ** هذه إساءة إلى الدين الحنيف، وأعتقد أنه لازال يمكننا الحديث عن نظرية المؤامرة التي تحاك حول المجتمعات الإسلامية، هذه النّظرية التي تنسج خططها عبر آليات غير مباشرة وكأنها استعمار مقنّع لا يحمل السلاح المادي وإنما يتفنّن في صناعة آليات الاختراق الثقافي لأنه يعلم يقينا بأن استعمار المجتمعات إنما يكون بطمس هويتها. ولعلّ هذه التفاصيل التي تبدو صغيرة ك (الدعاية لملابس ماسونية ويهودية في الجزائر) هي بالنّسبة للمستعمر كبيرة جدّا بالنّظر إلى الوقع الذي تحدثه في عقول ووجدان الشباب، لكننا مع ذلك نعي في شبابنا ضعف الوعي ونقص الثقافة التي من المفترض أنها تزيد في ثقافته ونضجه بشكل يجعله يفقه أن هذه الممارسات هي الخطوات الأولى لمسافة الألف ميل لاستعمار. * لاحظنا في الثلاث سنوات الماضية حادثة سابقة من نوعها في المنظومة التربوية ألا وهي بتر النشيد الوطني، وبالضبط الجزء الخامس (يا فرنسا) وهذا له دلالة الإساءة إلى الجزائر والتاريخ الجزائري، ما هو تعليقك على عمل كهذا؟ وما هي سلبياته على الطفل الجزائري الذي يتلقّى نشيدا مبتورا؟ ** أنا صراحة أعتقد أنه لا يوجد من لا يقرأ ويستمتع بهذا الجزء بالذات، ومن الضروري أن يتلى هذا المقطع كغيره من المقاطع الأخرى دون أن يكون لجزائري فينا شعور بأيّ ذنب. ففرنسا استعمرت فعلا الجزائر ولا أحد ينكر ذلك، وفرنسا لازال تاريخها سيّئ في الجزائر وفي العالم ولا أحد يختلف في ذلك، لست أرى سببا يجعلنا نقتطع هذا البيت، بل على العكس من ذلك أرى أنه لابد أن يشبّ أبناإنا على سماع وإنشاد ومعرفة النشيد الوطني كاملا لأن ما فعلته فرنسابالجزائر لا يستحقّ أيّ مجاملة، فالتاريخ هو القاضي الأوّل والأخير والنشيد الوطني بالذات خلّد التاريخ الوطني وليس من المنطق أن نبتر بيتا واحدا منه لأننا نحن دعاة سلام، أي نعم، قد نتناسى ونطوي الأوراق لكننا دائما يجب أبدا ألا ننسى وهذا أدنى حقّ لشعب يريد أن يحفظ تاريخه. * ماذا عن الظاهرة المشينة التي حدثت في ولاية تيزي وزو في أواخر شهر رمضان وانتهاك حرمات الشهر الفضيل أمام الملأ في وضح النّهار؟ هل تعتبرين أن هذا العمل اللاّ أخلاقي له علاقة بطمس هوِية الشعب الجزائري من قِبل التيار الغربي الذي يزحف على الجزائر ونحن لا ندري من خلال ما سلف ذكره؟ ** من وجهة نظر سوسيولوجية إذا تحدّثنا عن هذه الممارسات الشنيعة فهي يمكن أن تكون موجودة في بعض وكثير من المناطق بالجزائر، وهو موقف لم نعتد عليه في الجزائر والشيء الجديد هو (المجاهرة) بعمل السوء وانتهاك الشهر الفضيل. والمجاهرة بالمعاصي بغض النّظر عن الجانب الشرعي هي ممارسات لم تكن أبدا من شيم الجزائريين، بل كان يقوم بها بعض المنحرفين إن صحّت تسميتهم هكذا خفية وخشية غضب المجتمع الجزائري وذلك احتراما للعرف والتقاليد وحتى الدين الإسلامي الحنيف رغم أنهم لا يطبّقونه، وكذا الأصول الاجتماعية، بل أصبحت اللاّ مبالاة بالقواعد الدينية ضربا من (الجنون) إن كانت حوادث عارضة فقد أصبحت توظّف لأغراض وأطماع أخرى.