يبدو أن حلول شهر نوفمبر بالنسبة لمسلمي سلوفينيا، العضو في الاتحاد الأوروبي، أمر مرتقب بفارغ الصبر كي تبدأ عملية بناء أول مسجد في البلاد، لأنه ينهي بوضع حجر الأساس له بواسطة إلينكا براتوسك، رئيسة الوزراء ومن المرجو أن يُفتتح في عام 2016 انتظار المسلمين الذي يعود لأربعة عقود من قبل المسلمين. من جانبها، قالت براتوسك، خلال وضعها حجر أساس المسجد في موقع صناعي سابق في ليوبليانا بحضور الآلاف بينهم رئيس بلدية ليوبليانا زوران يانكوفيتش والعضو المسلم في الرئاسة البوسنية الجماعية بكر عزت بيجوفيتش (إن هذا الإنجاز يعتبر انتصارا رمزيا على كل أشكال التعصب الديني)، مشيرة إلى أن (أوروبا لم تكن حصلت هذا الزخم الثقافي بدون الإسلام). جدير بالإشارة أنه خلال إقامة حفل وضع حجر أساس المسجد، شاركت عدة نساء ترتدين الحجاب وسط الحشود الغفيرة الموجودة، حيث قال المفتي، ندزاد جرابوس، في كلمته بمراسم الحفل (نحن سعداء لبدء هذا المشروع الحضاري في ليوبليانا التي ستصبح مدينة أكثر شهرة وأكثر تعددية)، تعرف ليوبليانا أو لوبلانا بأنها عاصمة سلوفينيا وأكبر مدنها، ويبلغ عدد سكانها 278.638 نسمة، والتي تقع في الجزء الأوسط من البلاد، كما تعد المركز الثقافي لسلوفينيا، وتحتضن جامعة ليوبليانا ومتاحف كثيرة. أما ممثل الكنيسة الكاثوليكية، بيشوي أندري جلافان فقد أشار إلى (أن هذا المركز يُمثل رمزا للاحترام المتبادل والحوار والتعاون والأخوة بين الأجيال القادمة)، وقد قوبلت كلمة ممثل الكنيسة بالترحاب والتصفيق الحاد من الجمهور، حيث جاءت هذه المشاركة الرمزية لتفتح صفحة جديدة في العلاقة بين المسيحيين الكاثوليك الذين يمثلون قرابة 60 % من تعداد سكان سلوفينيا الذي يقارب 2.5 مليون نسمة وشركائهم في الوطن المسلمين الذين يقدر عددهم ب 100 ألف مواطن تعود أغلب جذورهم العميقة للبوسنة والهرسك. جدير بالذكر أن مشروع المسجد يضم مركزًا ثقافيًا ومكتبة وعدد من قاعات الدراسة، كما جاء هذا الحدث ثمرة انتظار لأكثر من أربعة عقود منذ تقديم أول طلب رسمي من المسلمين لبناء المسجد في سلوفينيا التي يبلغ عدد سكانها مليوني نسمة أغلبهم من الكاثوليك وبينهم نحو 47 ألف مسلم. يشار أن أول مسجد تم تشييده في شمال غرب سلوفينيا في مدينة (لوغ بود مانغارتوم) في عام 1916، إلا أنه هُجر ودُمر بعد الحرب العالمية الأولى، كما تعطل اقتراح بناء مسجد من جانب مسؤولين محليين مترددين حاول بعضهم إجراء استفتاء على الموضوع في عام 2004، وبرغم توقيع نحو 12 ألف شخص التماسا يُطالب بإجراء استفتاء عام لكن المحكمة الدستورية في سلوفينيا قضت بأن ذلك لن يكون دستوريا من ناحية الحرية الدينية. ومن المزمع أن يتم الانتهاء من أعمال بناء المسجد في عام 2016، خاصة أنها ستبدأ في الشهر الجاري بتكلفة تقديرية تبلغ 12 مليون يورو (15.9 مليون دولار)، وستتكفل الجالية الإسلامية معظم التكاليف بفضل التبرعات الكبيرة إلى جانب العطايا المتوقعة من عدة دول عربية والتي تقدر بتغطية نسبة 70 بالمائة من تكاليف المشروع. لا شك أن وضع حجر الأساس للمركز الثقافي الإسلامي بعد قرابة القرن من تواجد المسلمين في هذا البلد العريق، وعقب 44 عاما تقريبا من تقديمهم الطلب للسلطات المحلية للترخيص لبناء بيت للعبادة ومركزا ثقافيا يمثل رمزا لهويتهم الثقافية وجسرا للتواصل مع الأجيال الصاعدة وخطوة مهمة لتعزيز اندماجهم الوطني، يعد حدثا تاريخيا لا يمكن مروره بشكل عادي. ولأنه حدث غير عادي فقد شهد هذا الحفل الكبير أكثر من 10 آلاف مواطن من الرجال والنساء، والشباب والأطفال، والذين قدموا منذ الصباح الباكر من مختلف زوايا المدينة إلى 18 شارع كيرنيسكا ليشهدوا لحظة تاريخية، ليس فقط في التاريخ الشخصي للمسلمين هنا بل في تاريخ التعايش الحضاري لمكونات المجتمع السلوفيني الإثنية والدينية والفكرية، فضلا عن أنها تقدم درسا للعالم الذي لم يسمع بعد إن بالحب وبالصبر والحكمة الحسنة نبني المساجد والأوطان وليس بالعنف والكراهية. من المؤكد أن مسلمي سلوفينيا وقياداتهم الروحية قدموا في هذه الخطوة وعلى مدى تاريخهم الطويل درسًا عظيما في كسب الآخرين وإشراك الجميع في تحقيق أهدافهم ومطالبهم بالصبر والتأني والحرص على التوازن وعدم استعداء أي طرف، حيث صبروا قُرابة نصف قرن واستعملوا كل الوسائل السلمية والمنظمة لتحقيق هدفهم المشروع في الحصول على مكان لممارسة عقائدهم حتى بات الجميع حلفاء لهم.