ولد الاختناق الذي تشهده الطرقات بصفة يومية عادات جديدة لدى الجزائريين وابتدعوا طرقا للابتعاد عن الضغط والأرق الذي يصنعه الازدحام، بعد أن تحوّلت حتى الطرق السريعة إلى طرق بطيئة مما صنع صورا على مستوى الطرقات هي غريبة وهزلية في آن واحد تبين كيفية تعامل المواطن الجزائري مع مشكل الازدحام كمشكل عويص لم يعرف طريقة للانفراج رغم الحلول المعتمدة عبر الطرقات. نسيمة خباجة الاختناق المروري الذي تشهده طرقاتنا بات الصورة السلبية التي تدمر الكل بالنظر إلى الطوابير التي تصنعها السيارات في ساعات الذهاب والرجوع من وإلى العمل لاسيما في بعض النقاط السوداء بل طالت العدوى إلى كل النواحي بنسب متفاوتة، وهي الصورة التي أدت إلى إفراز أو رسم مشاهد تبين الحلول التي انتهجها المواطنون لمواجهة المشكل ودفع الأرق والإزعاج الذي يسببه الازدحام وأوشك على إكساب السائقين أمراض مزمنة وخطيرة على غرار السكري والضغط بالنظر إلى ازدياد وتيرته عن الأول، على الرغم من الحلول المعتمدة وبناء الجسور لفك آفة الاختناق إلا أن المشكل يبقى يصادف الكل ويثير أعصابهم مما أدى بالبعض إلى إبداع حيل قد تكون غريبة أو هزلية، إلا أنها تحقق الهدف الرئيس وهو قتل الوقت ودفع القلق والتوتر الناجمين عن الازدحام. الكتاب الرفيق الدائم على طول الطريق المشهد الذي صار يقابلنا على مستوى وسائل النقل هو حمل المسافرين لقصص وكتب متنوعة، بحيث يذهبون إلى قراءتها أثناء الازدحام واستغراق الوقت في المطالعة واكتساب المعارف بدل تضييعه من غير فائدة خصوصا مع الوقت الزمني الطويل الذي صار يضيع عبر الطرقات، واختار البعض استنفاذه في توسيع المعارف والعلوم فيما مال البعض إلى قراءة الجرائد والاطلاع على آخر الأحداث، بحيث تحوّلت وسائل النقل وكأنها مكتبات متنقلة بسبب حمل أغلب الزبائن لكتب متنوعة وجرائد ومصاحف، وحتى السائقين أنفسهم لم يتوانوا على مسك مقود السيارة بيد ومسك الجرائد بيد أخرى لاستغلال الوقت في مطالعة الأخبار الوطنية والدولية خصوصا بعد أن أفرز الازدحام باعة الجرائد عبر الطرق. اغتنمنا فرصة الازدحام واقتربنا من بعض السيارات والحافلات لرصد الوضع عن قرب والوقوف على كيفية تعامل المواطن الجزائري مع الازدحام الذي أضحى الرفيق الدائم للمواطنين أينما حلوا، وصارت المسافة التي من الممكن أن تقطع في ساعة تستغرق ساعتين أو أكثر وكان كذلك الحال بمنطقة لاكوت ببئر مراد رايس كنقطة سوداء يرعب منها الكل بسبب الاختناق الذي تشهده في كل وقت. فايزة طالبة جامعية كانت تستغل الوقت لمراجعة بحثها الذي تعرضه في ذلك اليوم، وقالت إن طول المدة المستغرقة مكّنها من التحضير الجيد واستكمال مراجعتها، ورأت أن ذلك أحسن من الفراغ القاتل الذي يسببه الازدحام وانقلابه على مزاج المرء، أما أخرى فكانت تحمل كتابا للشعر القصصي فعبرت بالقول أنها تعشق المطالعة ولا تفارقها الكتب أثناء الازدحام فهي الحل بالنسبة لها الذي يخفف عنها ضيق الاختناق. وحتى السائقون أدمنوا قراءة الجرائد أثناء الازدحام بعد أن وفرها الباعة لهم عبر الطرق السريعة، ما قاله أحد المواطنين الذي أدمن على قراءة الجرائد بصفة يومية أثناء الازدحام وعادة ما يضعها على مقود السيارة ويتمكن من قراءة عدة محاور بسبب طول مدة الازدحام. النسوة بين "المانيكير" والأشغال اليدوية الصورة التي تجلب الدهشة وانتهجها الجنس اللطيف الذي راح هو الآخر يبتدع طرقا لفك محنة الازدحام والتي تراوحت بين القيام ببعض الأشغال اليدوية على غرار الكروشي ونسج الصوف أو وضع المانيكير وحتى بعض مواد التجميل على الوجوه بسبب ضيق الوقت والخروج المبكر، وكان الاختناق المروري الحل بالنسبة لبعضهن، وهي بالفعل المشاهد التي باتت متكررة فهذه تصنع الكروشي وأخرى تضع المانيكير أو طلاء الأظافر وأخرى تتزين بمواد التجميل، ووجدن أن الوقت المستغرق هو كافٍ للتجمّل والزينة، وهي بالفعل الصور التي باتت متكررة عبر طوابير الازدحام بمختلف الطرقات بالنظر إلى الوقت الكبير الذي أضحى يستغرقه الاختناق، وهو ما وضحته لنا سيدة مختصة في صناعة الكروشي، قالت إنها تمسك طلبيات وتنتهز الاختناق المروري لإنقاص صناعة بعض الموديلات ولا تجد أي حرج في ذلك، فهي تعمل بدل أن تضيع الوقت في أشياء تافهة أو سماع الموسيقى وإزعاج المسافرين الآخرين كما يفعل البعض رغم استعمالهم لسماعات الهاتف إلا أن ضجيجها يلحق للركاب. ما سردته علينا إحدى المواطنات يجلب الدهشة، إذ قالت إنها تفاجأت لإحدى النسوة والتي كانت تقود السيارة وهي تأخذ كامل وقتها في وضع طلاء الأظافر غير آبهة باحتمال تأثير انشغالها بذلك وانفلات المقود من يدها وهو الأمر الذي يفسر المجازر المرورية التي تحدث في كل يوم بعد أن أصبح وضع المانيكير يتم على المباشر في الطرقات. فيما أوضحت أخرى أنها شاهدت سيدة وهي تضع مواد الزينة على وجهها أثناء الازدحام بكل هدوء ولحسن الحظ أنها لم تكن المعنية بقيادة السيارة بل كانت تحاذيها سيدة أخرى واستغربت محدثتنا الأمر كثيرا كونه مشهدا غير مألوف وكان نتاجا للازدحام. تجارة وتسول عبر الطرق المزدحمة الاختناق المروري بالإضافة إلى تلك المشاهد التي صنعها هناك سلوكات أخرى أفرزها بعد أن تحوّلت الطرقات السريعة إلى طرقات بطيئة وتحوّلت في آن واحد إلى فضاءات تجارية، وبات التسول مشهدا آخرا يميزها بالانتقال من سيارة إلى أخرى بعد مكوثها المطول، بحيث انتشر باعة المكسرات والمناديل والجرائد إلى جانب تفشي ظاهرة التسول على مستوى الطرق السريعة، على الرغم من المخاطر المتربصة بهؤلاء الباعة والمتسولين على حد سواء لاسيما مع الانطلاق الجنوني للسيارات بعد الانفلات من الاختناق، بحيث أفرزت الطوابير الطويلة للسيارات عدة ظواهر تنوعت بين الإيجابي والسلبي وهي كلها حلول رفعها البعض لدفع محنة الاختناق التي باتت تصادف المواطنين في كل مكان.