عرض مسرحية "الخيط الأحمر" بالجزائر العاصمة    مجلس الوزراء : المجلس يدرس إمكانية استيراد مواشي    وزير الداخلية الأسبق دحمون رهن الحبس المؤقت    تم فتح 15 نقطة بيع للأسماك مباشرة بوهران    استشهاد 24 صحافية فلسطينية خلال حرب الإبادة الصهيونية    ثورة ثورة حتى النصر..؟!    أضرار أكل المخللات في رمضان    جزائريون يدمنون على أنواع من الخبز في رمضان    الحوادث المنزلية تهدّد الأطفال في رمضان    مزيان يشرف على حفل تكريمي للعاملات والإطارات    الوزير الأول يشرف على حفل تكريم عدد من النساء الجزائريات    تعميق الممارسة الديمقراطية    رئيس الجمهورية حريص على الارتقاء بمكانة المرأة    "البيام" و"الباك" التجريبيان ما بين 18 و22 ماي    مائدة إفطار على شرف أفراد الجالية بالسعودية    تخصيص فضاء لهواة جمع الطوابع بالبريد المركزي    112 مسجد قيد الإنجاز    مطالبة المنتظم الدولي بإرسال بعثة دولية لحماية الصحراويين    مسعودي لطيفة.. من مستثمرة فلاحية إلى التصدير    "حلف الشيطان" يتآمر لزعزعة استقرار المنطقة    الأولوية للمعدّات وقطع الغيار المحلية قبل الاستيراد    ارتفاع صادرات النفط الجزائري ب31%    18صورة تعكس جمال وثراء الأعماق    "الحريرة".. "المعقودة" و"طاجين الحلو" زينة مائدة رمضان    لاعب المنتخب الوطني، أمين غويري    بلايلي يعود إلى "الخضر" من الباب الواسع    "الفاف" تستغرب رفض عمر رفيق اللعب مع الجزائر    "بنات المحروسة" الأوّل ب 4,1 مليون مشاهدة    "القوال".. استثمار في الفن الشعبي وتعريف الناشئة به    عيد الأضحى: رئيس الجمهورية يأمر بإطلاق استشارة دولية لاستيراد مليون رأس من الماشية    التجديد النصفي لأعضاء مجلس الأمة : اختتام العملية الانتخابية على مستوى المجالس الشعبية الولائية    مجالس رمضانية في فضل الصيام    تسليم 320 ألف دفتر عقاري خلال 2024    نحو استيراد مليون رأس من الماشية    الأسرة المسلمة في رمضان.. وصايا ومواعظ    دعاء : من أجمل ما دعي به في رمضان    قويدري يشيد بدور المرأة    رغم تراجع مستواه..بطل ألمانيا «عينه» على إبراهيم مازا    اليوم العالمي للمرأة : بللو يشيد بجهود المرأة الجزائرية في بناء وإثراء المشهد الثقافي الوطني    مدربه السابق يكشف سرّ توهجه في ألمانيا.. عمورة يواصل التألق ويسجل هدفه العاشر    الجزائر العاصمة : زروقي يقف على عملية إعادة تأهيل مبنى البريد المركزي    حساني شريف : مواقف الجزائر تزعج الأعداء    كرة القدم داخل القاعة (دورة الصحافة): لقاء وكالة الانباء الجزائرية-الشروق نيوز, مقابلة الفرصة الاخيرة للفريقين من أجل التأهل    اليوم العالمي للمرأة: جبهة البوليساريو تشيد بالدور الريادي للمرأة الصحراوية في الكفاح من أجل الحرية    صناعة صيدلانية: قويدري يشيد بدور المرأة المحوري في ترقية القطاع    كأس إفريقيا للاعبين المحليين:مقابلات السد: المنتخب الوطني يواجه غامبيا في الدور الثاني    انطلاق الطبعة 5 للمهرجان الولائي للأنشودة الدينية للشباب    الجزائر تدعو لموقف إسلامي رافض لتهجير الفلسطينيين    سنصل إلى توزيع الماء يومياً يومي بكامل وهران    تنظيم الطبعة الثانية لأولمبياد الجزائر للرياضيات    سنوسي في ذمة الله    إنْ لم نقرأ ختمة أو نسمعها في شّهر القرآن.. فمتى؟!    تنظيم الطبعة ال11 يومي 10 و11 ماي بالعاصمة    انطلاق مسابقة تاج القرآن بالعاصمة    برنامج تأهيلي للحجاج    تجديد النّظر في القضايا الفقهية للمرأة من منطلق فقهي رصين    الإنتاج المحلي يغطّي 76 % من احتياجات الجزائر    اجتماع تنسيقي لتطوير آليات خدمة الحجاج والمعتمرين    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



"أوروبا والعالم الإسلامي".. كتاب جديد ونظرة جديدة
نشر في أخبار اليوم يوم 31 - 01 - 2014

إذا نظرنا إلى مادة الكتاب، أي علاقات المشرق الإسلامي بالغرب منذ صدر الإسلام إلى أيامنا هذه، نقول: إنه من الضرورة الملحة، من منظور علمي محض، إعادة قراءة تاريخ تلك العلاقة، وما قد ينتج عنها من استنتاجات تناقض بعض الآراء والأحكام السائدة في المشرق والغرب.
العنوان: أوروبا والعالم الإسلامي.. تاريخ، المؤلف: جون تولان، غيلز فاينشتاين، هنري لورنس.
وهذه هي المهمة التي وضعها مؤلفو الكتاب نصب أعينهم، معتمدين فيها على كثير من المراجع الأصلية والوثائق العلنية وتلك التي أزيحت عنها صفة السرية أخيرا.
ليس بالضرورة أن يتفق القارئ العربي مع كل ما يرد في الكتاب من آراء واستنتاجات، لكن من المفيد قراءته بعقل منفتح قابل للاستماع للرأي الآخر، ومناقشته، وقبوله أو نقضه كليا أو جزئيا بعد ذلك.
لا شك في أن العلاقات بين دار الإسلام والغرب، الفرنجة، سادتها صورة مختزلة تتلخص في معادلات الشرق المؤمن، دار الإسلام/ الغرب الكافر، دار الكفر-دار الحرب، الحروب الصليبية/ الجهاد الذي يرمي إلى غزو دار الكفر وفرض الإسلام على سكانها أو إجبارهم على دفع الفدية، ومحاولة فتح فيينا، وما إلى ذلك من الصور النمطية التي تتسيد الخطاب السائد بخصوص العلاقة بين الجانبين، يقول الكتاب.
ما لا شك فيه أن الأطماع التوسعية لدول أوروبا الاستعمارية، وهي ليست جميعها استعمارية أو ذات طموحات استعمارية، ساهمت إلى حد كبير في سيادة النظرة السلبية في الوقت الحالي إلى العلاقات الحالية بين الطرفين، واختزلت تاريخا طويلا معقدا يحوي فصولا مضيئة عديدة إن لم نقل: كثيرة.
إن استعمار فرنسا وبريطانيا للعديد من البلاد العربية في المشرق والمغرب العربيين، واغتصاب فلسطين وتسليمها للحركة الصهيونية وطرد أهلها منها، إضافة إلى اتفاقيات سايكس بيكو واحتلال العراق وغيرها من المؤامرات الكثيرة على ديار العرب وشعوبها، ساهمت إلى حد كبير في رسم صورة نمطية سلبية عن الغرب غطت على التعاون والتثاقف الذي جرى بين الطرفين عبر العصور، والإعجاب الكبير الذي أبداه بعض المصلحين العرب بالنظام في بعض الدول الأوروبية في القرن التاسع عشر مما أدى إلى اختزال تاريخ طويل متعرج، شهد تعاونا بين الطرفين، أسهب الكتاب في الحديث عنه.
هذا من منظور بعض المشرق، ومن منظور الغرب أو بعضه، تسيدت ذلك التاريخ الذي شهد العديد من المنعطفات، مصطلحات تستفز المواطن الغربي، ومنها على سبيل المثال: الجهاد، رهاب الإسلام، ساهمت في تذكيتها عمليات مثل هجمات 11 سبتمبر ومدريد ولندن وغيرها من الأعمال الأخرى، فردية الطابع، ومنها على سبيل المثال اغتيال المخرج الهولندي والانفعالات المنفلتة التي أعقبت نشر الرسوم المسيئة للنبي الأعظم.
الغرب من ناحيته -يشير الكتاب- وقع في فخ الصور النمطية التي رسمتها بعض المؤلفات المعادية للشرق مثل مقالة صمويل هنتنغتن (المصيدة)، وفق تعبير أحد المشاركين في المؤلَّف، (صراع الحضارات وإعادة تركيب النظام العالمي)، الذي يعد قدس أقداس المراجع عن الشرق والإسلام لدى قوى نافذة ومؤثرة في الغرب وسياساته الداخلية، وبالتالي، الخارجية، وتدعوا إلى القضاء على المشرق وإخضاعه، (أكثر مما هو خاضع أصلا!).
يشدد المؤلفون، الذي قسموا بحوثهم إلى ثلاثة أجزاء رئيسة هي: العرب والفرنجة-المنافسة والمحاكاة والتقارب، ويتعامل مع الكيفية التي نظر فيها الجغرافيون العرب والأوروبيون إلى العالم من عام 630 إلى القرن الخامس عشر.
الجزء الثاني، تركيا الكبرى، أو الدولة العثمانية وأوروبا، يتعامل مع تاريخية العلاقة بين الطرفين من القرن الخامس عشر إلى القرن الثامن عشر.
أما الجزء الثالث، أوروبا والعالم الإسلامي في المرحلة المعاصرة، فيتناول بالبحث والتحليل المنعطف الذي شهدته العلاقات بين الطرفين بدءا من القرن الثامن عشر إلى الحرب العالمية الأولى، إضافة إلى القضايا المعاصرة.
انطلاقا مما سبق يعمل الكتاب على اكتشاف تاريخ العلاقة بين المشرق والغرب، بين (دار الإسلام) و(الفرنجة).
المؤلفون يقولون إن تلك العلاقات كانت معقدة ومتنوعة: حروب وغزوات وفتوحات وحروب مضادة ودبلوماسية وتحالفات وتجارة وزواج وتجارة عبيد ورقيق وترجمات وتبادل للخبرات والمعارف التقنية والتقليد والابتكار في مجالات التبادل الثقافي والفني، والتي تشكل، جميعها، جزءا لا يتجزأ من تاريخ العلاقة بين الطرفين، أو الأطراف أحيانا. والمؤلف وقف عند تلك المحطات.
لقد نشأت في ديار الإسلام مراكز ثقافية وعلمية وحضارية مثل القاهرة وبغداد وقرطبة وباليرمو ونيسابور، حيث تمت عمليات الترجمة من اللغات القديمة إلى العربية، مع إبداعات جديدة مستقلة تتلخص في أسماء عظام الشخصيات التي أبدعت في مختلف المجالات العلمية الإنسانية والطبيعية مثل الفلسفة والطب والكيمياء.. على يد قامات علمية عالمية مثل الفارابي وابن سينا وابن رشد والبيروني والغزالي.
انطلاقا من تلك الحقائق، البديهية، يرى الكتّاب في مؤلَّفهم المهم القطب المضاد للمقولات العدوانية مثل رهاب الإسلام والحرب على الإرهاب المهيمنة على الخطاب السائد في العلاقات بين الطرفين والتي تشكل في حال تسيدها الدائم خطرا داهما على الغرب والحياة فيه.
الكتاب، دوما بحسب المؤلفين، يوفر فرصة لإلقاء نظرة نقدية لتاريخ العلاقة بين الأطراف ذات العلاقة، في مواجهة النظرات السائدة الخطيرة التي تهمل مراحل تاريخية سادت فيها بين الطرفين علاقات التعاون في كافة المجالات العلمية والتجارية والثقافية وغيرها.
الكتاب يحوي مجموعة من النقاط التي عادة ما تغيب عن كتب أخرى تناولت الموضوع ذاته. فعلى سبيل المثال، يشير المؤلف إلى أن (الأوروبيين) نادرا ما أضفوا على أنفسهم هذه الصفة، وحتى الجغرافيين العرب لم يطلقوا على (أوروبا) هذا الاسم حيث كانوا يشيرون إلى بلاد الروم، أي بيزنطة، والفرنجة والسلاف وغيرهم.
أما (الأوروبيون) فلم يعتبروا أنفسهم مسيحيين بالدرجة الأولى حيث إن كثيرا من الكتاب اللاتينيين كانوا يعدون أتباع بابا روما فقط مسيحيين، أما البقية فكانوا، من منظورهم، هراطقة.
ومن الأمور الأخرى الملفتة للانتباه أن المصطلح (إسلام/ مسلم) استخدم في اللغة الفرنسية بدءا من عام 1697، وهو زمن متأخر للغاية، وفي بريطانيا بدءا من عام 1818، وكان وقتها يشار إلى الطبيعة الإثنية مثل: العرب، الترك، المغاربة، الفرس.. إلخ.
من النقاط الأخرى التي وردت في الكتاب والجديرة بالالتفات إليها أن العلاقات التي قامت لم تكن بين دول وإنما بين مدن، مثلا بين البندقية وبيزا وجنوا وبرشلونة من جهة وقرطبة وإشبيلية والقاهرة وبغداد وحلب من جهة أخرى، بين التوانسة وجنوا، وبين السكندريين والقسطنطينيين، وبين القطلونيون والمغاربة.
الكتاب، دوما وفق المؤلفين ليس بيانا سياسيا، ولا محاولة لنفي مقولة هنتنغتن وغيره أو تأكيدها التي تشدد على أن العلاقة بين الطرفين كانت قائمة على الحروب وصراع الحضارات، ولا هو بيان لتأكيد قول المؤرخ الأميركي المحاضر في جامعة كولومبيا بالولايات المتحدة أن الطرفين شكلا فرعين لحضارة إسلامية مسيحية واحدة، جذورها ضاربة في عمق الديانة الإبراهيمية الواحدة، وتعتمد على إرث حضاري مشترك هو الهلنستي.. إلخ، بما يلغي مقولة صراع الحضارات من الأساس.
ختاما، الكتاب -بمجمله- بما يحوي من حقائق كثيرة، ورغم بعض الأغلاط والتأويلات غير العلمية، مهم لأنه يعرض الحقائق التاريخية كما هي، ويترك للقارئ الوصول إلى الاستنتاجات المدعومة علميا، ويفتح آفاق حوار حضاري عصري يرتكز إلى تاريخ حقيقي من التعاون والتثاقف، إن رغبت إليه الأطراف ذات العلاقة، بما في مصلحة شعوبها، والعالم.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.