"لا بد أن تكون خبيرا" هي عبارة قالها لي حارس في شركة كنت قد زرتها لأطلب فيها عملا مباشرة بعد تخرجي. ربما حاول الحارس يومها أن يمازحني ليمحو شيئا من الحزن الذي علق بنفسي بعد خروجي من مكتب المسؤولة عن التوظيف، لكنه كان محقا، فقد كان علي أن أكون خبيرا لأعمل. قبلها بيومين كنت قد قرأت إعلانا على جريدة لمؤسسة تطلب عمالا، وأنها ستختار عشرة من الذين سيتقدمون إلى الترشح، فاتجهت إلى العنوان، وكلي أمل في أن أكون من بين هؤلاء العشرة المختارين. دخلت المؤسسة، وبقيت في قاعة الانتظار لساعات، او هذا ما بدا لي، فكل همي وتفكيري كان مصورا في العمل وفي التعلق بأمل الحصول عليه، قبل أن يأتي دوري لدخول مكتب التوظيف، فدخلت ووجدت أمامي امرأة، راحت بلباقة تطرح علي بعض الأسئلة، فأجبت عليها كلها دون تردد إلاّ واحدة: "هل لديك شيء من الخبرة؟" عندما قالت هذه العبارة التي كنت قد سمعتها عشرات المرات قبل تبخرت أحلامي، وأدركت أنه لا فرصة لي في نيل الوظيفة، لكن قبل أن أجيب المرأة التي لم يبدُ أنها شعرت بشيء مما كان يدور بذهني، قبل ذلك طرحت عليها بدوري سؤالا: "ألا توظفون إلاّ ذوي الخبرة؟" فأجابت أن نعم، فقلت يائسا: "لمَ لم تشيروا إلى ذلك على الإعلان الموضوع فلا تكلفوني مشقة المجيء والانتظار والأمل الكاذب؟". رغم ذلك كنت مرتاحا نوعا ما، لأنها أجابتني ولم تقل لي مثلما يقول البعض: "اذهب وسنتصل بك في وقت لاحق لنجيبك" لكن الخيبة كانت بادية على وجهي، ولهذا استطاع الحارس أن يتنبأ بنتيجة لقائي، وقال لي مبتسما حتى يخفف عني قليلا: "لا بد أن تكون خبيرا". قبل أن اعثر على ذلك الإعلان واذهب إلى تلك الشركة، كنت قد طرقت أكثر من باب، لكن الجميع كان يبحث عن تلك الخبرة، والتي لا تقل عن ثلاث سنوات. لكن من أين لخريج الجامعة او لأيّ مواطن بتلك الخبرة إن كانت شرطا أساسيا في التوظيف؟ أجل من الذي يسبق الآخر التوظيف أم الخبرة؟ سؤال ذكرني بآخر يشبهه: "من ظهر الأوّل الدجاجة أم البيضة؟ من يدري ربما سيطرح سؤال الخبرة أيضا كسؤالي وجودي ليس له حل، وسيتحول إلى إشكالية يناقشها كبار الفلاسفة والباحثين. لكن لم لا تضع المؤسسات ثقتها في الأجيال التي تحب أن تعمل بجد؟ وهل الخبرة هي مرادف للكفاءة؟ وهل يكون صاحب الخبرة حتما اقدر من فاقدها؟ لم لا تنظم مسابقات للجميع فينال الوظيفة من يستحقها، إن كان خبيرا أو إن لم يكن كذلك؟ هي الأسئلة التي دارت في راسي وأنا اخرج من تلك الشركة، وأقرر شيئا آخر غير الطرق على أبواب شركات لا توظف إلاّ أصحاب الخبرة.