من الظواهر الاجتماعية المنتشرة في مجتمعنا العربي والجزائري بصورة خاصة ظاهرة قراءة الأبراج، حيث نرى الكثير من الأشخاص الذين يدمنون قراءتها وبشكل يومي، وفي الآونة الأخيرة وبازدياد عدد الصحف والمجلات وعدد القنوات والفضائيات ازداد الاهتمام بهذه الظاهرة وبشكل ملحوظ حتى أصبحت تأخذ مكانة أكثر من أي حدث لدى البعض هنا نجد أنفسنا أمام تساؤلات تطرح نفسها بشدة ما سر هذا الاهتمام بالأبراج؟ ومن هي الفئة الأكثر متابعة لهذه الظاهرة؟ وهل للضغوط النفسية والاجتماعية دخل في ذلك أم أنه هوس بات يخيم على الكثير من الناس؟ وهل يمكن أن يصل الاعتقاد بتوافق أو تنافر الأبراج بالفرد إلى درجة الاحتكام إليها قبل الإقدام على الارتباط عاطفيا أو الزواج؟ تهتم الكثير من النساء خاصة الفتيات منهن بقراءة الأبراج، حيث ترفع حسبهن من معنوياتهن خاصة إذا كانت تحمل أخبارا مثيرة عن علاقاتهن الشخصية أو العاطفية، حيث لا تكاد تخلو صفحات الجرائد والمجلات من عالم الأبراج التي تخصص العديد منها ركنا صغيرا خاصا بهذا العالم المجهول، الذي يسعى من خلاله الكثير من القراء إلى الاطلاع عليه كل صباح من باب الفضول أو من باب معرفة المستقبل والحظ ليباشروا بعدها مشوار حياتهم، متفائلين بصور تملأها الفرحة والاطمئنان أو التشاؤم والحزن من تلك الأخبار التي تثير القلق والخوف، وذلك من خلال قراءتهم بأن حظهم سيء هذه الأيام، إلى حد أنها تخلق بأذهانهم أفكارا وهمية من خيالهم بحثا عن الأمان والاطمئنان. الفتيات أكثر من يؤمن بهذه الخرافات ولمعرفة سر هوس البعض لمتابعة الأبراج ومدى انتشارها كظاهرة بين أوساط الشباب، فضلاً عن محاولة معرفة أهميتها وتأثر الشبّاب بها قامت (أخبار اليوم) بجولة استطلاعية في مختلف شوارع العاصمة، حيث تباينت آراء العديد من المواطنين حول هذا الموضوع الذي وجده البعض مهماً في حياته، بمعنى أنهم يؤمنون بما تُنبِئهم به أبراجهم التي يعتبرونها وسيلة جوهرية في معرفة الأمور العاطفية، وفي اختيار العلاقات، وفي تسيير شؤون حياتهم في الحصول على الرزق والسفر والزواج وغيرها، في وقت يرى البعض الآخر أن الأبراج لا يمكن لها أن تتكهن بما سوف يحصل، وأنها مهمة فقط في معرفة شخصية الفرد وانطباعاته ومنهم من استطرد الفكرة لكونها خرافات ومجرد ملء فراغ وكانت هذه آراؤهم. (هجيرة) طالبة بجامعة بوزريعة تقول (أنا شديدة الاهتمام بالأبراج فقد صَدَقَت معي أكثر من مرة، وأطالعها يوميا وأعتقد أن أغلب ما فيها صحيح بغض النظر عمن يكتبها أو أي تأويلات أخرى، لكن لا أستطيع أن أنكر بأنني أحاول في كل مرة تجنب التعلق بها، على أساس أنها محرمة وتفتح بابا من أبواب الشرك بالله، ولكن على سبيل حب المغامرة والاكتشاف والتسلية أجد نفسي أصدقها، لأنها تنطبق قليلا على شخصيتي ومجرى حياتي). ومن جهة أخرى يرى هاني أن هناك من الناس من يمسك الصحيفة ليبدأ صباحه بالاطلاع على فقرة (حظك اليوم)، ويغادر بعد ذلك منزله وهو ينتظر أن تصادفه مشكلة في الطريق أو في مقر العمل لأن فقرة الأبراج تنبأت له بيوم مليء بالمشاكل، أو ينطلق متفائلا لأنها أخبرته أنه سيتلقى علاوة أو ستصادفه أخبار سعيدة، مضيفا (حتى إن حدث ذلك فعلا فالأمر مجرد صدفة). وحسب رأيه الشخصي فإن تهافت الناس على مثل هذه الأمور راجع للمشاكل الكثيرة التي يعانون منها كالبطالة والفقر والأزمات العاطفية، إضافة إلى الفراغ الروحي الناتج عن ضعف الإيمان مما يجعلهم يتعلقون بأي شيء ويبحثون عن أي متنفس أو أي مخدر يقدمه لهم باعة الوهم، أما أن يصل الأمر بالإنسان إلى درجة أخذ قرار بالزواج أو عدمه بناء على توافق الأبراج أو تنافرها فتلك كارثة كبرى، إذ كيف يعقل أن نعلق علاقات مصيرية في حياتنا على تكهنات المنجمين وتحليلاتهم؟ كما أوضح هاني أن الارتباط بشخص يوافق برجك لا يعني بالضرورة حياة سعيدة خالية من المشاكل لأن الواقع بعيد عن التصورات، ولا يمكننا التنبؤ بردة فعل الشريك أمام الاختبارات والمشاكل التي قد تواجهنا في كل مرحلة عمرية نمر بها، مؤكدا أنه لا يجوز الإيمان بالأبراج فهي دجل وشرك بالله، وعلينا أن نعلم أن علم الغيب عند الله وحده لا شريك له. أما سعاد (طالبة) تقول أنا لا أؤمن ولا أثق تماما بما يقال في الأبراج ولا أقرأها لأنها خرافات وليس فيها أي شيء من الصحة، قرأتها في يوم ما ولكن من باب الفضول فقط ولم أجدها تنطبق بتاتا مع شخصيتي لأن الغيب هو من علم الله. وفي الحقيقة فإن وجود هذه الظاهرة وانتشارها واهتمام الصحف بها هي مجرد ملء فراغ، وتحرص الكثير من الفتيات على قراءتها بل وتصديقها في أغلب الأحيان لأنها تدل وتكشف عن عدة حقائق وتلجأ إليها المرأة عندما يظهر فراغ في حياتها). أما منيرة موظفة ترى أن (الفتيات أكثر الفئات تداولا على قراءة الأبراج لانشغالهن الدائم بمعرفة خبايا المستقبل، خصوصا ما تعلق بفارس الأحلام، لكن أنا شخصيا عند تصفحي للجرائد أمُر على ركن الأبراج مرور الكرام لأنها محرمة ونبذ الدين لمن يصدق ما يقال ويكتب فيها، فالمنجمون رغم أنهم علماء إلا أنهم لا يختلفون عن العرافين والمشعوذين الذين يطلعون على الغيب بمساعدة شياطينهم لخداع بعض العقول المغفلة ممن يتهافتون لمعرفة الغيب، وأعتقد أن هذا الركن أي ركن الأبراج ينبغي أن يلغى نهائيا من على صفحات الجرائد (فمن سن سنة سيئة فعليه وزرها ووزر من اتبعها إلى يوم القيامة). الضغوط اليومية وراء انتشار الظاهرة ! ولمعرفة الأسباب التي تدفع الإنسان والمرأة خاصة للجوء إلى قراءة الأبراج بشكل يومي اتصلنا بالأستاذة (أمينة بلفارس) أخصائية في علم النفس الاجتماعي التي ترى أن انتشار هذه الظاهرة راجع إلى الضغوط اليومية التي يعيشها الفرد داخل وخارج الأسرة وهذا ما يدفع البعض لقراءتها ومتابعتها وليس حكرا على المرأة بل هناك عدد من الرجال يميلون لقراءتها أيضا لكن المرأة تلجأ لها لعدم إنصاف المجتمع لها وعدم تمكنها من الحصول على حقوقها التي تريدها، وأيضا لما تواجهه من ضغوط عليها من قبل الأهل والزوج أو المجتمع، حيث أنها تحلم بغدً أفضل في ظل التغيير الحاصل في العالم والثقافة التي يشهدها المجتمع الإنساني، حيث أصبح للمرأة صوت في المجتمعات المتحضرة على حد قولها ولا يزال هذا التغيير ضعيفا في المجتمع العربي فقد بقى صوت المرأة خافتا حتى أخذت التعبير عن أمانيها من خلال بعض القنوات وإحدى هذه القنوات هو بحثها عن الطالع للتنفيس عن الطموحات والأماني، والسبب الآخر هو الخشية من المستقبل المرتبط ارتباطا وثيقا بالنفسية التي تتأثر بضغوط الحياة ونلاحظ أن هذه الظاهرة بدأت بالانتشار بدايةً بطريقة التسلية ثم تحولت فيما بعد إلى ظاهرة تعود بالأرباح على العاملين عليها، علما أنها لا تقتصر على النساء فقط بل هناك العديد من الرجال الذين يلجأون إلى قراءة الأبراج ومتابعتها ولا توجد حلول لهذا الموضوع لأن هذا كله مرتبط بالشخص نفسه ومدى اقتناعه وتصديقه لما يقرأه. وتؤكد (بلفارس) أن تسليم الشخص بفكرة الأبراج وما تقوله عن شخصيته يؤثر سلباً، واصفة إياه ب(غسيل المخ)، وتابعت: (ربما يكون الشخص جيداً ولكن صفات برجه التي كتبها أشخاص من دون الاستناد إلى علم تؤثر فيه سلباً، وأنا مؤمنة أن ليس للأبراج تأثير في حياتنا أبداً). قراءة الأبراج والتصديق بها شرك بالله وفي الأخير نعرج على الرؤية الدينية لهذه الظاهرة والتي أكدت عدم جواز متابعة قراءة الأبراج، واعتبرت أن من يصدقهم وقع في كبيرة من الكبائر وأشرك بالله، ولا تُقبل له صلاة 40 خريفاً، وذلك استنادا لحديث الرسول صلى الله عليه وسلم: (من أتى كاهناً أو عرافاً فصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم)، واستطردت: (الذي أُنزل على محمد هو أن الغيب لا يعلمه إلا الله)، معتبرة أن ذكر الصفات الشخصية لكل برج يدخل في التكهن وادعاء علم الغيب، ويجب على كل متتبعي هذه الأبراج التزام التوبة لأنها لا تجوز لهم حتى وإن كان على سبيل المتعة والترفيه. فعلم الغيب من خصائص الألوهية، حيث قال تعالى: (قل لايعلم من في السموات والأرض الغيب إلا الله)، فالغيب وهو ما سيكون في المستقبل لا يعلمه إلا الله وليس لبشر علمه ولو كان نبيا (قل لا أملك لنفسي نفعا ولا ضرا إلا ما شاء الله ولو كنت أعلم الغيب لاستكثرت من الخير وما مسني السوء). ومن صور ادعاء علم الغيب الأبراج التي يدعون فيها معرفة ما سيكون مع الإنسان في المستقبل، فتصديق هؤلاء كفر وشرك مخرج من الملة لأنه اثبات علم الغيب لغير الله، فقراءة الأبراج إثم وتصديقها كفر فليحذر الذين يتعلقون بها من هذا الخطر العظيم وليلتجئوا إلى الدعاء ليختار الله لهم الخير.