لا يزال الزواج من الأجانب يطرح العديد من الإشكاليات بالجزائر خاصة في غياب قوانين تحمي الجزائريين في حال وقوع أي مشاكل تعترض هذا النوع من الروابط المقدسة، خاصة وأن عدد كبير من الجزائريين يجهلون القوانين التي تحكم وتنظم الزواج من الأجانب، وما يترتب عنه من حقوق وواجبات، قضية الجزائرية أشلي لمياء البالغة من العمر 40 سنة والتي كانت مقيمة بليبيا تضاف إلى قضايا عديدة من هذا القبيل، معاناتها بدأت بعد أن اكتشفت أن زواجها من الرعية الليبي غير معترف به وأن أبنائها أصبحوا لا ينتمون إلى أي بلد. في سطور مأسوية تروي السيدة أشلي لمياء قصتها ل "صوت الأحرار"، بعد أن ضاقت بها سبل العدالة وطرقت أبواب المحامين وسعت إلى إخطار كل السلطات المعنية في البلاد، معاناتها كبيرة وهي أم لثلاثة أطفال من زواج جمعها بأحد الليبيين الذي كان متواجدا بالجزائر، عقد القران تم سنة 1997 عند أحد الموثقين بالعاصمة ولم يسجل دلى المصالح الإدارية، وبعد مرور قرابة ثلاثة أشهر انتقلت هذه السيدة للعيش مع زوجها في بلده الأصلي بليبيا. كل الأمور كانت على ما يرام وطيلة 11 سنة لم تكن هناك أي شكوك أو قرائن تفيد بوجود خلل معين أو مشكل ما، خاصة وأن هذه السيدة الجزائرية استقرت بالبيت ولم تكن تكاد تخرج منه، زوجها كان يشرف على تسيير كل الأمور ويتكفل بكل صغيرة وكبيرة، لم يكن من المسوح لها أن تتدخل في أي أمر كان، لتتواصل علاقتهما الزوجية طيلة 11 سنة، تلك الفترة التي تخللتها زيارات متقطعة إلى الجزائر، خاصة في فصل الصيف مما يوحي أن كل شيء كان على ما يرام. وفي صائفة 2007 وبعد قدومها إلى الجزائر أين كانت برفقة أبنائها الثلاثة تكتشف أشلي لمياء أن زواجها من الرعية الليبية غير معترف به قانونيا لأنه لم يسجل في البلدية من طرف الموثق بعد عقد القران ولم يتم احترام مسار التسجيل الذي يفرض تسجيل العقد في وزارة الخارجية الجزائرية التي تقوم بدورها بتحويل العقد إلى قنصلية الجزائر بليبيا ومن ثم إعلان الزواج في البلدين بما يضمن كل الحقوق والواجبات المترتبة عن هذا الزواج. وما حدث هو أن الرعية الليبية تكتمت على زواجها من السيدة أشلي لأن هذا الرجل كان متزوجا من امرأة ليبية وأراد أن يتزوج مرة أخرى دون إعلام زوجته التي يضطره القانون لأن يحصل على موافقتها من أجل الزواج مع امرأة أخرى، وعندما علمت زوجته الليبية بالأمر بلغت عنه في المحكمة الليبية ولكن القضاء الليبي برأه لأنه لم يتمكن من إثبات زواجه بالجزائرية أشلي لمياء لأن زواجهما لم يكن مسجلا بالجزائر ولا بليبيا. أطفال من أم جزائرية بدون هوية ولا يدرسون أما فيما يتعلق بتمدرس الأطفال فقد اكتفى المدعو مصطفى محمد الفراح بتسجيلهم في مدرسة خاصة بليبيا وهي "المدرسة الأولمبية للتعليم التشاركي الحر" لأن الأمر كان سينكشف في حال تسجيلهم بمدرسة عمومية، وبالتالي قضى هؤلاء الأطفال المولودين بالتوالي سنة 1998، 1999، 2001 سنوات في الخفاء، لا ينتمون إلى الجزائر ولا إلى ليبيا. معاناتهم حقيقية خاصة وأنهم متواجدون على التراب الجزائري بصفة دائمة لأكثر من سنتين، لا يذهبون إلى المدرسة، ليس لديهم أي وثائق تثبت هويتهم، لا في الجزائر ولا في ليبيا، ليبقى صراع والدتهم قويا من اجل توثيق حالتهم المدنية وإثبات انتمائهم إما إلى الجزائر أو إلى ليبيا. عقد الزواج عند الموثق أصبح زواجا عرفيا لا تعترف به العدالة الجزائرية أشلي لمياء وبعد أن اكتشفت خطورة الأمر رفضت العودة إلى ليبيا وطالبت من زوجها الليبي المدعو مصطفى محمد الفراح تسوية وضعية أبنائها الثلاثة الذين لا يملكون شهادات ميلاد رسمية مدونة في الدفتر العائلي، خاصة بعد أن تأكد أن كل وثائقهم مزورة انطلاقا من شهادة الميلاد، جوازات السفر. ولعل الغريب في الأمر هو أن الرعية الليبية تمكنت من خداع كل هؤلاء الأفراد وكذلك الاحتيال حتى على السلطات الجزائرية والليبية والعدالة من خلال إخفاء زواجه من هذه المواطنة الجزائرية وعدم التصريح بالعقد، حيث قام بتزوير كل وثائق الأطفال انطلاقا من الحالة المدنية بليبيا ثم باستخراج جوازات سفر مزورة للأطفال، مع العلم أن زوجته كانت تحمل تأشيرة في جواز سفرها الجزائري للدخول إلى ليبيا في وقت يعلم فيه الجميع أن التنقل بين البلدين لا يتطلب الحصول على تأشيرة. السيدة لمياء وحين استخرجت شهادة ميلادها الأصلية من البلدية وجدت نفسها عزباء بما يؤكد أن زواجها من الرعية الليبية لم يصرح به واكتشفت مجددا أن الموثق لم يقم بعمله القانوني وفق ما كان مطلوبا منه لأنه لم يحترم كل مراحل تسجيل الزواج وبالتالي فإن الزواج أصبح عرفيا وغير معترف به من طرف السلطات الجزائرية. وتستغرب أشلي لمياء لكونها كانت تحمل بطاقة خضراء بليبيا تتضمن صيغة "زوجة المواطن مصطفى محمد الفراح" لضمان إقامتها بليبيا، بالإضافة إلى امتلاكها إلى بطاقة حصر أجنبي مزورة ورخصة سياقة ليبية مزورة كذلك أحضرها لها زوجها دون إيداع أية وثائق. وحسب تصريحات الضحية السيدة لمياء أشلي، فإن زوجها الليبي تعمد منذ الوهلة الأولى أن يكون الزواج بهذه الصيغة، وهو ما دفعه إلى التزوير واستعمال المزور، حيث أتت الضحية بجوازات سفر أطفالها الثلاثة التي تبدو وكأنها حقيقية، إلا أنه بعد التدقيق فيها تبين أن هذه الوثائق مزورة وهو ما يشير إلى أن هناك تواطؤ من الإدارة الليبية التي منحته جوازات السفر المزورة، باعتبار هذه الوثيقة رسمية ولا يمكن تزويرها. الرعية الليبية يريد استرجاع الأطفال ويرفض الاعتراف بالزواج من جهته رفض الرعية الليبية المدعو مصطفى محمد الفراح الاعتراف بالزواج ببلديه الأصلي بليبيا واكتفى بمحاولات غير منقطعة لاسترجاع الأطفال الثلاثة وحرمان الأم من أبنائها، حيث أنه طلب منها العودة وبصيغة الأمر القاطع إلى ليبيا، وهو ما رفضته، وقد طالب منها أن ترسل بالأبناء إلى ليبيا وأن تبقى هي إن شاءت في الجزائر. وبعد تعنت أشلي لمياء التي أكدت على ضرورة تسوية الوضع خاصة بالنسبة لأبنائها، قام المدعو مصطفى بتهديدها واتصل بالأمن الحضري لدرارية القريب من مقر سكناها ليرسل لها بشرطيين اثنين في طلبها، حيث تفاجأت عائلة أشلي عندما طلب منها الشرطيين تسليم الأبناء لوالدهم الليبي، بدورها قنصلية ليبيا في الجزائر هددت العائلة وقال لهم القنصل الليبي أنهم احتجزوا أطفالا ليبيين، في الوقت الذي لا يحمل هؤلاء الأطفال أي جنسية وليست لديهم وثائق في المصالح الإدارية الليبية والجزائرية. وأمام هذه المعطيات رفع الرعية الليبية دعوى قضائية ضد زوجته يطالبها بالطلاق بدل إثبات الزواج نفسه، وإثر ذلك صدر حكم يقضي بالرجوع إلى البيت الزوجي في شهر جانفي 2008 ويقضي بمنح نفقة بقيمة 4 آلاف دينار جزائري للأطفال حتى يعودوا إلى ليبيا، أما المحامي الذي وكلته عائلة أشلي فقد اغتنم الفرصة للتحالف مع الرعية الليبية ودفع بالعائلة على طلب الخلع واستفاد من أتعاب تتجاوز 60 مليون سنتيم ليحصل على خلع من زواج كان يعلم أنه غير معترف به من طرف الإدارة الجزائرية على اعتبار أنه تم عند الموثق ولم يسجل في المصالح الإدارية الجزائرية، حيث أصدرت المحكمة حكما بالطلاق بتاريخ 24 جوان 2008. قضية كلها ثغرات وتدعو إلى الريبة والشك، في وقت لجأ فيه الرعية الليبية إلى الاستعانة برئيس محكمة طرابلس محمود عويسي الذي حضر إلى الجزائر مرفوقا بدبلوماسيين ليبيين، بالإضافة إلى المحامي مؤنس لخضاري، هؤلاء الأشخاص طرقوا باب عائلة أشلي وحاولوا الحصول على الأبناء وترحيلهم إلى ليبيا وساوموا العائلة بالمال، لكن العائلة رفضت تسليمهم وتمسكت بمطالبها. الغرابة في ما حدث هو أن الرعية الليبية وبعد صدور حكم الخلع رفع دعوى لتطليق السيدة لمياء على مستوى محكمة الشراقة، ليتفاجأ القاضي بوجود وثيقة خلع على زواج يبقى أنه عرفي وغير معترف به. بعد ذلك رفع الرعية الليبية دعوى قضائية ضد أشلي لمياء للحصول على حضانة الأبناء بحجة أن والدتهم تمنعه من رؤيتهم وقام بتسجيل المحاكمة عن طريق هاتف نقال دون أن يتمكن أحد من منعه وكانت المحامية بن براهم التي وكلت في حق عائلة أشلي قد شدت انتباه القاضية خلال الجلسة لكن دون جدوى. وكيل الجمهورية التمس 6 أشهر حبسا نافذا في حق أم الأطفال ولكن المحكمة برأت ساحتها بتاريخ 28 فيفري 2009، ليستأنف وكيل الجمهورية الحكم وتحدد جلسة أخرى يوم 5 أكتوبر المقبل. "أين العدالة الجزائرية لترد لي حقوقي وحقوق أبنائي؟" لم تثبط عزيمة عائلة أشلي التي وقفت إلى جانب ابنتها لمياء وراهنت على كل ما كانت تملكه لإنقاذها من ورطتها وقررت تغيير محامي وكان أن وقع الاختيار على الأستاذة فاطمة الزهراء بن براهم التي خاضت بدورها معركة قانونية من أجل إثبات الزواج وإلحاق النسب وبالفعل كان ذلك، حيث صدر حكم في 13 أفريل 2009. وفي وسط كل ما حدث تتساءل أشلي لمياء عن دور القانون وعن تلك الرابطة التي تجعلها تنتمي إلى بلد ودولة مطالبة بتوفير الحماية لمواطنيها ليس في بلدهم فحسب بل حيثما وجودوا وفي كل أنحاء العالم، لمياء وبعد أن صدت كل الأبواب في وجهها، خسرت كل شيء دفاعا عن أبنائها الذين يحاول والدهم الليبي أن يسترجعهم دون تسجيلهم في سجل الحالة المدنية وترسيم الزواج الذي جمعه بأمهم، فلذات أكبادها، في صراع مرير وحرب ضروس من أجل إعلاء كلمة الحق ورد المظالم إلى أهلها، أشلي لمياء كسبت معركة إثبات الزواج وإلحاق النسب على مستوى المحكمة وهي لا تزال تنظر الصيغة التنفيذية لإضفاء المصداقية على عقد الزواج الصادر عن المحكمة وتمكين هؤلاء الأطفال من ممارسة حقهم كجزائريين وفق ما يضمنه لهم القانون الجزائري، تمكينهم من الحق في الحصول على الجنسية الجزائرية وإشهار زواج والدتهم من هذا الرجل بليبيا كما هو معمول به، ومن ثم سيكون لهم الخيار إما البقاء في الجزائر أو العودة إلى ليبيا ومزاولة دراستهم كأي كان.