الأمين العام للهيئة التنفيذية لحزب جبهة التحرير الوطني، أعلن بمناسبة تنصيبه للجنة الوطنية لتحضير المؤتمر التاسع، عن ضرورة مراجعة مرجعيات جبهة التحرير الوطني وفرزها، حتى تصبح متميزة ظاهرة متفردة لا التباس ولا شبهة ولا شية فيها، بحجة أن كثيرا من الأحزاب الناشطة في الساحة الوطنية، تشترك مع الجبهة في العديد من المسائل والقضايا، ولا ينبغي حسبه، أن يستمر هذا اللبس، أو يتواصل هذا الخلط. حسب معلوماتي، أن كثيرا من أعضاء القيادة لم يستوعبوا أبعاد ومقاصد الأمين العام، هل هدفه بلورة وتجذير وتعميق مرجعيات جبهة التحرير الوطني، أم إدخال تعديلات وتغييرات عليها، ورغم محاولته في العديد من المناسبات، توضيح الأمر إلا أن الضبابية لا تزال تكتنف هذا الموضوع. لا أحد يخالجه أدنى شك في أن المرجعية الأساسية لجبهة التحرير الوطني، تتجسد في بيان أول نوفمبر الخالد، وأن مضمون هذا البيان ومحتواه تضمن أيديولوجية حزب الشعب وأدبيات الحركة الوطنية، بدءا من نجم شمال إفريقيا إلى حركة الانتصار للحريات الديمقراطية، بالإضافة إلى تأكيده بصراحة على طبيعة الدولة الجزائرية، التي تعتزم الجبهة إقامتها بعد استرجاع الاستقلال المغتصب، بأنها دولة ديمقراطية اجتماعية في إطار المبادئ الإسلامية. إذن واضح من خلال قراءة بيان أول نوفمبر الأغر، أن الأهداف الكبرى لمؤسسي جبهة التحرير الوطني هي: استرجاع الاستقلال الوطني، وبعث الدولة الجزائرية التي وضع حدا لها الاستدمار الفرنسي، بعد غزوة 1830 ، وتحقيق وحدة الشمال الإفريقي ضمن إطارها الطبيعي العربي الإسلامي. لقد ظل بيان أول نوفمبر يشكل الإطار المرجعي لكل أدبيات ومواثيق جبهة التحرير الوطني في جميع مراحلها بدءا من اجتماع الصومام، إلى مؤتمر طرابلس في ربيع 1962 ومؤتمر الجزائر في أفريل 1964، إلى باقي المؤتمرات. لقد حاول معدو أرضية الصومام القفز على أحد أهم المبادئ المكرسة في بيان أول نوفمبر وهو "إقامة الدولة الديمقراطية الاجتماعية في إطار المبادئ الإسلامية" بحذف المبادئ الإسلامية وتكريس أولوية الداخل على الخارج والسياسي على العسكري، لكن عملهم هذا لم يمر بسلام أو بدون لفت الانتباه، بدليل أنه لم يكد يحول الحول، حتى انعقد اجتماع المجلس الوطني للثورة الجزائرية بالقاهرة في أوت 1957 وكان أول قرار يتخذه هو تكريس من جديد لقاعدة "إقامة الدولة...، في إطار المبادئ الإسلامية، وحذف أولوية السياسي على العسكري والداخل على الخارج"، وهكذا ظل البعد الاجتماعي للدولة الجزائرية ثابتا من الثوابت الراسخة في أولويات جبهة التحرير الوطني، كما ظل الملمح الإسلامي يشكل الطابع المميز لإطار هذه الدولة . إن جميع القيادات التي توالت على جبهة التحرير الوطني، لم تحاول المس بالمبادئ الكبرى، المكرسة في بيان أول نوفمبر، حتى في أدق المراحل التي مر بها الحزب وأحرجها، وهي المرحلة التي تمكن فيها التيار الشيوعي من التسلل إلى مراكز جد حساسة في قيادة الحزب، وظل هناك شبه إجماع داخل العائلة الكبرى للجبهة على سلامة وأصالة إن لم اقل قدسية تلك المبادئ ،التي ينبغي أن تبقى فوق الخلافات والتشكيك. إن الكثير من المناضلين يتساءلون عن خلفيات رغبة بلخادم في إعادة النظر في مرجعيات الجبهة وتوضيحها. إن السؤال الذي يطرح نفسه، هل هناك غموض ولبوس، تلف بهذه المرجعية وتضفي عليها إبهاما وضبابية، أم أن الأمر يتعلق فقط بمزاحمة الجبهة من طرف خصوم سياسيين حول هذه المرجعيات؟ أعتقد أن مشاركة الجبهة من طرف أحزاب أخرى في هذه المرجعيات، لا تشكل بأي حال من الأحوال مبررا جادا، أو مسوغا كافيا تجعل منظري جبهة التحرير الوطني، يعيدون النظر في أدبيات حزبهم، إرضاء لرغبة التفرد والتميز. إنه لا يضير الجبهة، ولا يشينها، تهافت باقي الأحزاب على تبني أدبياتها وبرامجها، طالما أن لا أحد منهم تجرأ على ادعاء حق التأليف لهذه المرجعيات،بل أن ذلك يزين الجبهة، ويرفع من قيمتها ويعلي من قدرها، لأن الحركات السياسية الكبرى في العالم، لا يتوقف إشعاعها وتأثيرها في نطاق إقليمي معين، بل يمتد وينتشر ليأخذ أبعادا إنسانية وعالمية. قد أكون مخطئا في قراءتي وفهمي لتصريح السيد الأمين العام للحزب، فإذا كان يقصد المراجعة بغرض التعديل فأنا من المخالفين لرأيه، أما إذا كان قصده بلورة وتعميق وتجذير مرجعية الجبهة بما ييسر فهمها ويسهل استيعابها، فلا تثريب ولا جناح عليه في ذلك. أرجو أن تكون خربشتي هذه ، فرصة لإطارات جبهة التحرير الوطني للإدلاء بدلوهم ،بفتح نقاش فكري يوضح الغرض و يجلي الهدف من الخوض في مرجعيات جبهة التحرير الوطني، عشية انعقاد مؤتمرها التاسع . وعلى الله قصد السبيل.