احتضنت أول أمس قاعة ابن زيدون برياض الفتح عرض فيلم المخرج المغربي نبيل عيوش "علي زاوا" الذي نقل من خلاله المخرج صورة الحياة اليومية لأطفال الشوارع بدار البيضاء المغربية ضمن مستخدما في ذلك رموزا وأحلاما فجرتها مخيلة طفولة احترقت وهي في رحلة بحث دائمة عن كرامة ضائعة، أهدرها الجوع فوق أرصفة الشوارع. الفيلم الذي عرض ضمن برنامج المهرجان الدولي للسينما بالجزائر أنتج سنة 2000 جرت أحداثه بكاملها في العاصمة الاقتصادية المغربية الدارالبيضاء ، حيث حملتنا كاميرا نبيل عيوش الى الميناء كديكور طبيعي خارجي والذي أطره المخرج من زوايا متعددة، وفي أوقات متباينة، كما أطر عدداً من الشوارع والساحات الفارغة التي يتجمهر فيها عادة أبناء الشوارع، وكذا بعض المعالم المعمارية الحديثة التي ازدانت بها مدينة الدارالبيضاء وعلى رأسها ناطحتا السحاب التوأم. لا أن حرارة موضوع "علي زاوا" وديناميكية كتابته السينمائية لا سيما من حيث لجوئه الى أطفال حقيقيين غير ممثلين استقدم بعضهم من الشارع، والبعض الآخر من جمعية تعنى بالأطفال المشردين، فكل هذا منح للفيلم مصدقية واقعية، ولمدينة الدارالبيضاء كوحش يدوس الصغار كما الكبار ممن لا سند لهم. ويعد هذا العمل السينمائي الثاني من نوعه لنفس المخرج الذي سلط الضوء في فيلمه الأول"مكتوب" على القمع ضمن سياق تجربة أخرى لها نكهة متميزة، حيث ينقل في عمله الثاني صورة الحياة اليومية لأطفال الشوارع ضمن أفق استخدم فيه رموزا وأحلاما فجرتها مخيلة طفولة احترقت في بحثها عن كرامة ضائعة، أهدرها الجوع فوق أرصفة الشوارع. يقدم المشهد ا الاول صديقين من أطفال الشوارع، يتحدث خلاله "علي زاوا" عن حلمه في أن يكون بحارا يبحث عن جزيرة تضيئها شمسان ، تتوفر فيها حياة هادئة وهنيئة، ويعيش سكانها في هدوء وسلام وكرامة. يتردد هذا الحلم أكثر من مرة في الحوار ومن خلال لوحات رسمها "زاوا" البطل الغائب الحاضر في منزل والدته قبل هروبه، وإعادة رسمه في نفق تحت رصيف الميناء مع ورفاقه الثلاثة، حيث يصبح حلمه هاجسا يدفع بهم إلى حلم أكثر واقعية في حياتهم مع نهاية الفيلم المفتوحة. يتبين أثناء حوار الصديقين أنهم أربعة أطفال ارتبطوا فيما بينهم وخرجوا على هيمنة زعيم عصابة الأطفال التي كانوا بين أفرادها؛ استجابة لموقف "علي زاوا" المتمرد دومًا بسبب حفاظه على كرامته، ورفضه أن يتقبل ما يتناقض مع فهمه لها. يكشف الخط الدرامي في الفيلم بشكل تدريجي البناء النفسي لزاوا، بعد حادثة مقتله في بداية الفيلم بحجر رماه به مساعد الزعيم الأخرس، ممثل القوة والهيمنة التي تمنع أو تمنح خيراتها لمن حولها، اعتمادا على درجة الخدمات التي تقدمها الشخصيات المحيطة. يتحول موت "زاوا" إلى مادة للبحث عن تاريخه وأساسا لإعادة بناء شخصية أصدقائه الذين أحاطوا به قبل موته، فالبطل الحاضر الغائب لجأ للشارع تاركا وراءه وضعا حياتيا مريحا، وفّرته له أمه التي تبيع جسدها، رافضا أن يتعايش مع هذا الوضع الذي يمس كرامته وكرامة أمه. ينضم إلى عصابة من أطفال الشوارع في حياته الجديدة، يغادر صفوفها عندما يحاول زعيمها الاعتداء عليه جنسيا، ويأخذ أصدقاءه معه. ويلجأ إلى فتح طريق لتحقيق حلمه في الوصول إلى جزيرته المنتظرة؛ بإقامة علاقة مع بحار عجوز يقوم بتعليمه فنون الملاحة. يصبح الهدف الذي وضعه أبطال الفيلم الثلاثة بدفن زميلهم في "بدلة بحار" هاجسا لهم، وممرا لانتقالهم إلى واقع تبني حلمه في سبيل تحقيقه، ويصبح أساسا لإعادة اكتشافهم الحياة، وطريقا لاتخاذ موقف تجاهها عن طريق الفهم والحلم والتضامن فيما بينهم لتحقيق الحماية الشخصية لهم من هيمنة زعيم العصابة، بعد أن رفضوا العودة إليها بعد مقتل صديقهم. ويظهر التحول أيضا في انتقالهم من المعاش اليومي إلى الحلم الفردي لكل منهم، من خلال الإفصاح عن رغباتهم في الحصول على البيت الدافئ والعلاقات الإنسانية ضمن إطار من الحب الذي طالما افتقدوه، يبرز هذا في حلم أحدهم بالزواج من امرأة جميلة، وحلم آخر بوجود عمه بعد أن فقد والديه يرعاه ويقوم بتوجيهه، وحلم الثالث بألا يتعرض للاغتصاب، وأن يكون رجلا له كرامته وقيمته. تجدر الشارة إلى أن الفيلم قد فاز بالعديد من الجوائز في عدة مهرجانات دولية، كان آخرها فوزه بأربعة جوائز أهمها: أفضل فيلم، وأفضل إخراج، وأفضل تمثيل، في الدورة 17 لمهرجان الإسكندرية الدولي للسينما بمصر.