عادت الجزائر مجددا من خلال تصريحات وزير المالية كريم جودي إلى اعتماد »سياسة التقشف«، كضرورة لمواجهة الانعكاسات المالية لتراجع أسعار البترول، لاسيما بعد مراجعة ملفي التعويضات والأجور، مما يستلزم على الحكومة وضع إستراتيجية للتعامل مع المعطيات الجديدة في ظل التوقعات باستمرار ركود الاقتصاد العالمي وتراجع أسعار النفط. انخفاض سعر البرميل من البترول من 120 دولار إلى 100 دولار جعل وزير المالية كريم جودي يصرح قبل أيام من الآن أن الجزائر تفكر في التقشف، ذلك من خلال تقليص من نفقات التسيير وإعادة النظر في ميزانية المخطط الخماسي، كحل مؤقت للانخفاض المفاجئ لأسعار النفط، لكن يبدو أن تصريحات الوزير جاءت جد متأخرة في ظل المعطيات الجديدة التي طالت الإقتصاد العالمي، فالمفروض أن تقرر الدولة هذه السياسة قبل أن يحدث انهيار الأسعار، خاصة بعد معالجة مخلفات الأجور والنظام التعويضي، والتي حتما ستنعكس بالسلب على الاستثمار والتشغيل في السنوات المقبلة. وبهذا تكون الحكومة، يقول الخبراء، اليوم أمام امتحان صعب، مما يستلزم عليها التغيير من إستراتيجيتها في إدارة عجلة التنمية الاقتصادية، بدءا بإعداد مخطط إنمائي إنتاجي وطني على المدى المتوسط يعتمد على الكفاءات المحلية المدعمة بالخبرة الأجنبية خاصة في قطاع الصناعة الزراعية، الصناعة التحويلية، إعادة إحياء الصناعة الميكانيكية، وكذا تطوير الصناعة الالكترونية. وبما أن الجزائر تعتمد على منتوج واحد كصادرات لها وهو البترول، يجب على الحكومة -يقول الخبراء- ترك الحلول الترقيعية وتعمل على استدراك ما فاتها لأننا لسنا بمنأى عن الدخول في أزمة اقتصادية تنعكس سلبيا على المستهلك بالدرجة الأولى، باعتبار أن هذا الأخير سيعيش في كنف التضخم الاقتصادي الذي سيطفو على السطح نتيجة العرض الكبير والطلب القليل، خاصة وأن تصريحات وزير الطاقة والمناجم يوسف يوسفي أكدت بأن الجزائر قد تخسر عشرين مليار دولار من مداخيلها خلال سنة إذا ما استمر هذا التقهقر في أسعار النفط، بالرغم من التعامل مع معالجة ارتفاع نسبة التضخم، وتنويع الجباية العادية، لتعويض تراجع الجباية النفطية. وبالرغم من تطمينات وزير المالية للمواطنين بخصوص أن التسيير الاحترازي للنفقات العمومية الذي تحدثت عنه الحكومة، لن يمس الأجور والتحويلات الإجتماعية ودعم الأسعار، إلا أن المتتبعين للشؤون الإقتصادية يتوقعون أن هذه الإجراء سيحدث فوضى، مما يفرض على الحكومة احتواء غضب الشارع والإسراع في وضع إستراتيجية وفق المعطيات الجديدة.