لباسي في الشّتاء من صوفٍ، وطعامي من لحم الخروف.. هكذا صوّر أحد الشعراء بعض معالم منطقته بالجنوب الجزائري.. ولأنّ الكلمات حديثة فربما أمكن تصنيفها في خانة مبالغات الشعراء لأنّ لحم الخروف تحوّل إلى نيران ملتهبة في كل مناطق الجزائر، وهكذا لا أتمالك نفسي من الضحك وأنا أستمع إلى الأغنية التي يحبّها أطفالي، وأمزح مع أكبرهم قائلا: أبحث لي عن هذا الشاعر لأسأله عن مصدر هذا اللحم الرخيص الذي يأكله دائما. الحديث عن اللحم، ولحم الخروف على وجه الخصوص، عاد إلى الواجهة مع اقتراب شهر رمضان المبارك، والجديد المفيد هذا العام هو مبادرة الفيدرالية الوطنية لحماية المستهلك بالدعوة إلى مقاطعة شراء اللحوم بمختلف أنواعها وعبر كامل التراب الوطني خلال هذا الشهر الفضيل. والحقيقة أن مسألة ارتفاع أسعار اللحوم، والبطاطا كما حدث قبل فترة، وغيرها، هي مثالب وطامّات في حقّنا جميعا، شعبا وحكومة، خاصة ونحن نعيش أجواء فرحة مرور خمسين سنة على الاستقلال، وما يفترض من سقف عالٍ من الاستقرار الاجتماعي والاقتصادي والأخلاقي. المواد الأساسية في بلادنا تتحول من حين إلى آخر إلى كابوس يؤرق المواطن العادي بسبب الأضرار الحادّة التي تلحقها بميزانيته المحدودة، وتؤرّق المسؤول أيضا بسبب تلك القفزات التي تحققها على مستوى ترتيب الأولويات الحكومية، فبدلا من أن تكون هذه القضايا من الروتين الاقتصادي الذي تنشط فيه المؤسسات الاقتصادية الرسمية والخاصة؛ تتحول إلى قضية (أمن قومي) بامتياز لأنّها تهدد بانفجار عام قد يعرف صانعوه معالم انطلاقته، لكنه يغرق الجميع بعد ذلك في تفاصيله وتشعّباته وتداعياته وانتقاله من مرحلة إلى أخرى، قد تصل إلى تدخّل جهات خارجية تحسن الصيد في الوقت المناسب. أصابع الاتهام تتجه خلال الأزمات الغذائية وغلاء الأسعار إلى لوبيات ورجال أعمال وتجّار كبار وتحالفات تتداخل فيها السياسة مع الاقتصاد، لكنّ الأزمة تمرّ في الغالب، كما حدث في نماذج سابقة، دون أن تتحول الاتهامات إلى خطوات عملية تدين هذا الطرف أو ذاك أو تقاطعه على الأقل وتضعه في خانة (المشبوهين) بعد أن يتحالف الجميع ضدّه لحرمانه من ذلك الشّره ودفعه إلى التعافي من داء الجشع ومصّ الدماء. إن الدعوة إلى المقاطعة الشاملة هي الحلّ الأمثل لظاهرة غلاء اللحوم أو غيرها من المواد الأساسية في شهر رمضان، وحتى في غيره من شهور ومواسم العام، وما دعت إليه الفيدرالية الوطنية لحماية المستهلك هو عين الحكمة والعقل والجرأة والشجاعة في مواجهة النيران التي تحدّق بالمواطن الجزائري. لكن الأمر في حاجة إلى تكاتف جميع الأحزاب خاصة ذات الأغلبية في البرلمان لأنّ بين يديها طاقات تعبوية وتنظيمية هائلة تمكّنها من تحويل فكرة المقاطعة إلى واقع يغيّر حال الأسعار ويشفي الأسواق من جنونها. إنّ دواء السماسرة الصغار والكبار على حد سواء هو المقاطعة، حتى يتوب هؤلاء عن لعبة القطّ والفأر التي يستعملونها مع المواطن، فكلّما كثر الطلب سارعوا إلى الاحتكار ورفع الأسعار، وما زهد فيه المواطنون بادروا إلى تصريفه بأيّ ثمن وأيّ وسيلة. لا بد أن نصارح أنفسنا وغيرنا ونتساءل عن (رمضان دون لحم)، أو الأسبوع الأول منه على الأقل حيث تتسارع المضاربات وتشتدّ، وتكون شهية الجشع ومصّ الدماء في أقصى حالات انفتاحها عند قسم من التجّار والمورّدين والموّالين ومحيط نشاطهم. ماذا لو كانت مائدتي في أول أسبوع من رمضان دون لحم، ما الذي سيحدث؟.. الصيام صحيح من الناحية الشرعية، ولن يموت أحدٌ بسبب غياب اللحم عن الإفطار، وهاهي شعوب كاملة في هذه المعمورة لا تعرف اللحم بسبب الفقر، أو بسبب مذاهب غذائية ودينية تفضّل النبات على اللحم.. دعونا نخوض تجربة (النباتيين) لبعض الوقت، وسأنقل في السطور التالية بعض ما قيل عن هذا النوع من الحياة الغذائية، كما جاء في الموسوعة العربية العالمية. النباتية ممارسة الامتناع عن أكل اللحم، ويتحاشى النباتيون جميع لحوم الحيوانات، التي تشمل لحوم الأسماك والدجاج. والواقع أن النباتيين يتجنبون أكل اللحم لأسباب تتعلق بمعتقدات أخلاقية أو زهدية أو دينية. يمتنع كثير من النباتيين عن شرب الحليب وأكل البيض، إضافة إلى اللحوم في وجباتهم، لأن هذه الأطعمة تأتي من الحيوانات.. ويتعين على كل النباتيين أن يعدُّوا وجباتهم بعناية فائقة لكي يتسنّى لهم الحصول على البروتين أو على بعض المواد المغذّية الأخرى التي تحتاج إليها أجسامهم والمتوافرة بشكل أساسي في اللحوم. والواقع أن معظم نباتيي الحليب والبيض ونباتيي الحليب فقط يمكنهم إعداد وجبة مغذية بسهولة لأن الحليب والبيض مصدران جيدان لبروتينات عالية النوعية. فالحليب يزود الجسم بكميات كبيرة من الكالسيوم الذي يساعد على تقوية العظام. ويحتوي كل من الحليب والبيض على فيتامين ب 12. الذي يشارك في تكوين كريات الدم الحمراء ويساعد الأعصاب في أداء وظائفها. ويتعيّن على النباتيين الحقيقيين أن يعدوا وجباتهم بطريقة أكثر إتقانا، وذلك لعدم احتواء أي فاكهة أو خضراوات أو حبوب بمفردها على البروتين المتكامل الموجود في اللحوم والحليب والبيض. وتحتوي الفاصوليا والجوز والبازلاء وكثير من أطعمة النباتيين الأخرى على كميَّات كبيرة من البروتين. ولكي تمد هذه الأطعمة الجسم بالبروتين المتكامل، يجب أن تُتَناول هذه الأطعمة بطرق معينة. على سبيل المثال، عندما يتناول النباتي الحقيقي الفاصوليا والأرز في وجبته، يحصل جسمه على البروتين المتكامل، ولكن تناول كل منهما بمفرده لا يكفل البروتين المتكامل لجسمه. وللحصول على الكالسيوم يتحتم على النباتيين الحقيقيين تناول حبوب السمسم أو نوع من الخَضْراوات دائمة الخضرة مثل البركولي، ضرب من القنّبيط، أو السبانخ.