استطاع الجيش الوطني الشعبين أن يحطم ذلك الحاجز الذي طالما كان يفصل بينه وبين عامة المواطنين، بالنظر إلى الصورة الخاطئة التي قد يرسمها البعض عن المؤسسة العسكرية، حيث ساهم المعرض الذي نظمته المؤسسة العسكرية بقصر المعارض بمناسبة الذكرى الخمسين تحت عنوان »ذاكرة وإنجازات« في تقريب الجيش من المواطن، عن طريق استقبال المواطنين وتقديم الشروحات اللازمة لهم حول مختلف الأجنحة والمديرية وغيرها من المدارس والتخصصات العسكرية. صنع الجيش الحدث بقصر المعارض وربما في مبادرة تعد الأولى من نوعها، فبعد الأيام المفتوحة التي تعودت المدارس العسكرية إقامتها بين الحين والآخر وفي مناسبات معينة، لاستقبال المواطنين والطلبة خصوصا في فترة التسجيلات الجامعية، ها هي اليوم المديريات والمدارس بمختلف مشاربها تجتمع في معرض ضخم لعرض أخر ما جادت به قريحة المؤسسة العسكرية. ومن هذا المنطلق تم تجنيد مئات العسكريين بمختلف رتبهم، إضافة إل الشبه عسكريين وغيرهم من القائمين على هذا المعرض لتقديم الشروحات اللازمة للمواطنين، فتجد المقدم فلان يتكفل بشاب يريد الاستفسار عن التجنيد، ومن جهة أخرى يقف جنرال لتوضيح الرؤية أمام عائلة جاءت للاستعلام عن إمكانيات الجيش وطريقة عمل الدبابة، حيث تحول المعرض إلى فضاء تعايش بين العسكريين والمدنيين. وبالرغم من تحفظ بعض المسؤولين العسكريين في تقديم بعض المعلومات للصحافة الوطنية بحكم احترام الهرمية أو التخوف من عدم التحكم في الأخبار والمعلومات لا سيما مع النظرة التي صنعها البعض عن الإعلاميين والتخوف من الصحافة ككل، فتجد بعض المسؤولين يترهبون من الرد على بعض الأجوبة خاصة عندما يتعلق بأمور حساسة كتقليص مدة الخدمة الوطنية وغيرها من المواضيع وهو أمر طبيعي إلى حد ما، إلا أن المعلومات كانت مستفيضة على العموم سواء تلك المقدمة للإعلاميين أو للمواطنين وذلك في حدود الممكن وبعيدا عن كشف الأسرار العسكرية. العنصر النسوي في المؤسسة العسكرية كان متواجدا بقوة، هن جميلات ببذلتهن وإصرارهن على تأدية الواجب الوطني، فقد كن حاضرات بقوة لاستقبال المواطنين والمواطنات، وتوجيه الإعلاميين، بهدف إنجاح هذا المعرض المميز. دحمان شاب يبلغ من العمر 24 سنة متحصل على شهادة الماستير في الأوتوماتيك، كان حاضرا في المعرض رفقة صديقه أمنين البالغ من العمر 22 سنة، ولم يتردد دحمان في التعبير عن انطباعاته بكل صراحة عن معرض الجيش وعهن تصوره للمؤسسة العسكرية ككل، حيث قال إنه يرى بأن هذا المعرض كان ناجحا وان الجيش استطاع أن يكسر الحواجز بينه وبين الشارع، فطالما ارتسمت صورة الجيش بالإبهام والسرية والغموض، وبالتالي فغنها خطوة ايجابية يثمنها الشاب دحمان فهو يؤكد أن الأدوات والإمكانيات التقنية المتوفرة لدى المؤسسة العسكرية أفضل من تلك التي يجدها في الجامعة ومن هذا المنطلق فقد جاء يبحث عن ضالته في ميدان الطاقات المتجددة. من جهته أمين، طالب يدرس في التكنولوجيا، عبر عن رغبته في الالتحاق بصفوف الجيش والتجند في مسار مهني طويل المدى، وبالمقابل وفي حالة عدم تمكنه منن ذلك فهو مضطر ككل الشباب لتأدية الخدمة الوطنية والتي ير مثله مثل صديقه دحمان بضرورة تقليصها حتى لا ينفر منها الشباب وتبق صورة الجيش ايجابية في أذهان الجميع لان سنة ونصف سنة من الخدمة الوطنية كثير بالنسبة لهؤلاء الشباب. التقينا خلال جولتنا في معرض الجيش، بزوج من الشباب، حيث عبرت السيدة عن إعجابها بأجنحة الجيش التي قالت إنها رائعة، لا سيما مع الشروحات التي استفادت منها بفضل ما قدمه لها مختلف المسؤولين العسكريين في جولتها داخل المعرض، وهو الرأي الذي ذهب إليه زوجها الذي أكد من جهته أن المعرض استطاع بالفعل أن يحطم صورة »الغول« التي التصقت بالجيش الوطني الشعبي طيلة العقود الفارطة. »معرض رائع ومبادرة إيجابية، لقد أخذنا فكرة على التجند وأمور كثيرة لم نكن نعرفها، من المنطقي أن يقدم الجيش على مثل هذه المبادرات التي تقربه من الشعب«، بهذه العبارات فضل كل من رشيد 22 سنة طالب في تخصص الهيدروليك، ومحمد أمين طالب بهندسة ميكانيكية في العشرين من عمره، التحدث عن معرض الجيش، وبالرغم من استعدادهم العميق في التجند في حال توفر الظروف الملائمة بطبيعة الحال، إلا أنهم يرون بضرورة تقليص الخدمة الوطنية إلى 6 أشهر أو إلغائها كلية منه اجل بناء جيش احترافي أساسه المتعاقدين من الشباب. وبالنسبة لعبد الجليل الدارس بكلية الحقوق والبالغ من العمر 21 سنة، ما هي إلا أيام معدودة ليصبح عنصرا فاعلا في الجيش الوطني الشعبي، لأنه سيلتحق بصف المجندين ابتداء من سبتمبر المقبل، هو ير بان الجيش مدرسة حقيقية للتكوين، كما عبر عن إعجابه بالمعرض الذي تمكن في اعتقاده من تصليح تلك الصورة الخاطئة التي قد يرسمها البعض عن المؤسسة العسكرية، محمد 19 سنة ويوسف 18 سنة يدرسان بالثانوية ويؤديان فكرة تقليص مدة الخدمة الوطنية حتى لا تبقى بمثابة كابوس في حياة الشباب الجزائري. أما عائلة سي محمد القادمة من ولاية المسيلة ومن بوسعادة بالتحديد، فقد أكدت إعجابها بهذا المعرض الذي لم تتوان في زيارته مباشرة بعد أن رأته في نشرة الثامنة. ويبقى أن هذه اللقاءات التي تجمع العسكريين بالمدنين هي بمثابة جسر لمد التواصل بين عالمين مختلفين، فتجد الحديث عن تقليص مدة الخدمة الوطنية على سبيل المثال بالنسبة لأي مسؤول عسكري أمر غير معقول لأنها واجب وطني ولا يطرح للنقاش، بينما التهرب منها هو أمر طبيعي لشاب لا يعرف الثكنة العسكرية وهو بعيد كل البعد عن الحياة العسكرية، وعلى هذا الأساس فإن تقريب المفاهيم وإيجاد نقاط التلاقي أمر ضروري، قد يساهم معرض انجازات وذاكرة ولو بخطوة نحو الأمام في إرساءه. مواطنون يقبلون على الحرس الجمهوري وآخرون يستفسرون حول الصحة العسكرية أو الصحة الحيوانية من خلال الاستماع إلى شروحات حول فرق السينوفيل المختصة في تدريب الكلاب، أجنحة خاصة بالرياضة العسكرية فتحت المجال أمام الزوار لإطلاق السهام وإطلاق الرصاصات نحوز أهداف معينة، بالإضافة إلى عرض ملابس الغواصين وأجهزة الفرسان ومختلف الرياضيين. أشبال الأمة، المدرسة الوطنية التحضيرية لدراسات مهندس، المدرسة الوطنية المتعددة التقنيات، المدرسة العليا للعتاد، وغيرها من المؤسسات العسكرية التي شدت انتباه الفائزين الجدد بشهادة البكالوريا، خاصة وأن مديرية الإيصال والإعلام والتوجيه نصبت شاشة عملاقة بمدخل المعرض تسمح لهؤلاء الطلبة التسجيل مباشرة من المعرض في المدارس التي يرغبون الالتحاق بها، عشرات بل مئات أو آلاف الزوار الذين جاؤوا بين فضوليين أو مجرد زائرين للتنزه، لكنهم عبروا بقوة عن إعجابهم بمبادرة الجيش الخاصة بالتفتح على المدنيين، فتحولت ساحات قصر المعارض إلى فرجة مفتوحة على الهواء، ترى من خلالها المواطنين وهم يتلقطون صورا داخل دبابة أو طائرة عسكرية، وغيرها من المظاهر التي حطمت بالفعل تلك الصورة المبهمة عن الجيش. ويشار إلى أن فعاليات معرض الجيش الوطني الشعبي التي انطلقت يوم 7 جويلية الجاري تتواصل إل غاية 19 من نفس الشهر، حيث يعكف القائمون على المعرض من أجل توفير كل سبل الراحة للزائرين، هم يعملون على قدم وساق لإطلاع أكبر عدد ممكن من المواطنين على مختلف الأجنحة التابعة للجيش في مبادرة يتمنى الكثيرون أن لا تكون الأخيرة من نوعها بالنظر إلى النجاح الذي حققته.