سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
الإسلام السياسي ليس بديلا حتميا في مطالب الشعوب بالديمقراطية الربيع العربي ينتج حكومات إسلامية ماعدا في ليبيا، وإصلاحات الجزائر تؤدي إلى تراجع الاسلاميين
ما يزال العديد من المتتبعين للمشهد العربي في نسخته المسماة »الربيع العربي«، يتساءلون عن أسباب وعوامل توقف المد الاسلاماوي على الحدود الليبية، تماما كما هو الشأن في الجزائر بعد انتخابات وصفت بمفتاح الإصلاحات. فلماذا تراجع الإسلاميون في الجزائر وليبيا ولم يتأثر المواطن في هذين البلدين بصعود الاسلاميين في تونس والمغرب ومصر بدعم خليجي ومباركة غربية؟ . أدت انتفاضات شعوب عربية خاصة في كل من تونس ومصر وليبيا ضد أنظمة الحكم إلى، حدوث انقلاب في الحياة السياسية من خلال بروز تيارات سياسية واختفاء أخرى ظلت فاعلة في المشهد السياسي والاجتماعي، ففي تونس التي كانت أول محطة لانطلاق ثورات »الربيع العربي«، أو »ثورة الياسمين« كما يحلو للبعض تسميتها، وتمكنت من إسقاط الرئيس المخلوع زين العابدين بن علي بعد 23 سنة من الحكم الشمولي الديكتاتوري القمعي، برز الإسلاميون كطرف فاعل على الساحة السياسية وتصدر واجهة الأحداث بعد أن ظل وجود هذا التيار ينحصر على الجانب الاجتماعي، تفاعلا وتأثيرا .
تونس: التوازن والاعتدال أسباب النجاح والواقع أن التيار الإسلامي في تونس لعب دورا كبيرا في الإطاحة بنظام زين العابدين بن علي إلى جانب الحركات اليسارية والقوى العلمانية، لكن حركة النهضة بقيادة الغنوشي تمكنت بعد سقوط النظام من التموقع في الساحة التونسية كواحدة من ابرز القوى السياسية، تنظيما وهيكلة وتمويلا، وأيضا خبرة في العمل السياسي ولو في السرية . هذا الدور الذي لعبته قيادات حركة النهضة في تاطير الأحداث ضد نظام بن علي من جهة واستفادتهم من التنظيم من جهة أخرى، فضلا على توجيه خطاب مطمئن ومعتدل للتوانسة الذين اظهروا تعطشهم للحرية، لكن من دون التفريط في قيم الحداثة العصرنة التي تطبع سلوكات التوانسة، خاصة في جانبها المتعلق بحرية المرأة وانفتاحها، ولعل هذا الخطاب علاوة على نضال الاسلاميين في تونس إلى جانب القوى الليبرالية واليسارية ضد نظام بن علي، دفع الشعب التونسي إلى تزكية حركة النهضة في أول انتخابات تأسيسية، إلى جانب حزب المؤتمر اليساري وحزب بن جعفر، ورغم نتائج الانتخابات التي كانت في صالح حركة النهضة إلا إن تحالفها مع حزبين مختلفين معها من حيت المرجعية الفكرية زاد من اطمئنان الرأي العام التونسي بخصوص عدم المساس بقيم الحداثة والعصرنة ومظاهر تحرر المرأة، ويعتقد بعض المحللين في تونس أن الانتخابات المقبلة، قد تؤدي إلى تغيير المعادلة السياسية في البلاد بعد تجربة المرحلة الانتقالية، أي في إشارة إلى تراجع متوقع لحركة النهضة بسبب عدم قدرتها على حلحلة الأزمة الاقتصادية . وغير بعيد على دول الحراك العربي، شهدت المملكة المغربية تظاهرات سلمية قادتها تيارات إسلامية ويسارية خاصة حركة 20 فبراير التي قادت اعتصامات واحتجاجات كبيرة مطالبة بإصلاحات سياسية، وهو ما استجاب له الملك محمد السادس الذي أجرى تعديلات دستورية وافق عليها البرلمان وتم تنظيم انتخابات تشريعية، فاز فيها التيار الإسلامي بقيادة جبهة العدالة والتنمية، وبفضل التعديلات الدستورية التي تتيح تشكيل الحكومة من الأغلبية النيابية، أصبح عبد الإله بن كيران رئيس العدالة والتنمية أول رئيس حكومة إسلامي في المغرب، تحت مظلة النظام الملكي وحسب الدارسين للمشهد السياسي في المغرب فان الاسلاميين يشكلون قوة اجتماعية كبيرة رغم فعالية التيارات الأخرى سيما اليساريين والعلمانيين. وفي نفس السياق سارت الأمور في مصر، فقد وجد الإخوان المسلمون أنفسهم القوة الأكثر تنظيما وبالتالي الأكثر ترشيحا للفوز بالانتخابات بعد سقوط نظام مبارك، وهو ما برز من خلال أول انتخابات تعددية ديمقراطية، حيث فازت جماعة الإخوان المسلمين من خلال درعها السياسي العدالة والحرية بأغلب مقاعد مجلس الشعب الذي حله العسكر فيما بعد ثم الانتخابات الرئاسية التي أوصلت الأمين العام للحزب محمد مرسي إلى سدة الحكم خلفا لمبارك المسجون. وكان وصول الإسلاميين إلى الحكم في مصر متوقعا بالنظر إلى تاريخ الجماعة في النضال وتمركز اغلب رموز ومنظري الجماعات الدينية النشطة في المجال السياسي بالقاهرة، إضافة إلى الهيكلة والتنظيم القوي مقارنة بباقي التيارات السياسية والفكرية الأخرى .
الجزائر: الإسلاميون غير مرغوب فيهم والواقع أن تطورات المشهد العربي في زمن ما تعرف بالثورات، ووصول الاسلاميين إلى الحكم في عديد البلدان، جعل الكثير من المحللين يوجهون اهتمامهم نحو الجزائر وليبيا، لرصد التحولات الجارية هناك وما إذا كان للإسلاميين نفس التأثير القائم في بلدان الربيع العربي، وهل يمكن للمال الخليجي والتزكية الغربية أن تعيد صياغة النمط السياسي في هذين البلدين رغم اختلاف الظروف الداخلية لكل منهما. صحيح أن الجزائر أعلنت عن إصلاحات سياسية استباقية لما يعرف بالربيع العربي، وتم خلال تلك الإصلاحات تعديل ما يقارب 8 قوانين لها علاقة بالعملية السياسية، الانتخاب وتنظيمه وموقع المرأة فيه وحالات التنافي والانفتاح الإعلامي وغيرها، وجرت انتخابات تعددية، شارك فيها أزيد من 40 حزبا سياسيا وعشرات القوائم الحرة، وبالنسبة للتيار الإسلامي فقد شارك بنحو 6 أحزاب سياسية، بعضها تكتل في قوائم واحدة، وجرت الانتخابات بإشراف قضائي وبمراقبة دولية وإقليمية، وتوجت بهزيمة نكراء للإسلاميين مقابل فوز ساحق لحزب جبهة التحرير الوطني رغم تصنيفه كحزب السلطة وهو الذي يرفع شعار الاستمرارية من اجل الاستقرار. وقد شكلت هزيمة الاسلاميين خيبة أمل لرموز التيار الإسلامي في الجزائر وحتى لدى العواصم المشرقية وبالتحديد الخليجية التي كانت تراهن على الوزن الاقتصادي والسياسي والدبلوماسي للجزائر لاستكمال مخطط »أسلمة« السلطات في العالم العربي. فالانتخابات التشريعية التي زكتها العواصمالغربية والعربية، أبرزت أن المجتمع الجزائري لم يعد يلهث وراء الخطاب الاسلاماوي بقدر ما يبحث عن الاستقرار وحل لمشاكله اليومية، كما أن الشعب وقف للمرة الألف عن حقيقة الأحزاب الإسلامية ورموزها من خلال سلوكاتهم أثناء ممارستهم للحكم سواء في المناصب التنفيذية، في الحكومة والوزارات والمؤسسات الكبرى أو في المجالس المحلية والولائية، فالإسلاميون بنظر الجزائريين لا يمثلون الخلاص وإنما مجرد سياسيين يعدون ولا يوفون، متورطون في الكثير من قضايا الفساد مثل باقي البشر، لكنهم أيضا أكثر تمسكا بالسلطة وامتيازاتها، ومن هنا فلا غرابة أن يتخلى الجزائريون على هذا الخطاب ورموزه ويختار جبهة التحرير باعتبارها مصدر امن وآمان للبلد والشعب على حد سواء. ليبيا: حسابات سياسية خاطئة ورهانات بعيدة المنال رغم توقع الكثيرين أن انهيار نظام العقيد معمر القدافي سيؤدي حتما إلى بروز التيار الإسلامي كبديل في ليبيا، بالنظر إلى كون المجتمع الليبي محافظ ومتدين، إلا أن الانتخابات الأخيرة للمجلس الوطني، أثبتت انم الاسلاميين في ليبيا من خلال حزب العدالة والبناء و احزاب أخرى بعيدون كثيرا عن التأثير على المواطن الليبي رغم حداثة الجميع بالعمل السياسي في هذا البلد، فقد تمكن محمود جبريل من الفوز في الانتخابات ووضع بذلك كل حسابات ورهانات دول خليجية في سلة المهملات، وفي هذا الإطار يقول المحلل الليبي عصام محمد الزبير في تدخل عبر الجزيرة في وقت سابق إلى أن التيار الذي يقوده محمود جبريل استغل بقوة -في خطابه السياسي- حصاد الفترة التي وجد فيها على رأس حكومة ما بعد الثورة، علما بأن الانطباع السائد بين الليبيين أن جبريل كان عراب الاعتراف الخارجي بثورتهم، وساهم بقوة في جلب الاحتضان الدولي لها في وقت حساس من تاريخها، وهو ما جلب له الكثير من الحظ وخصوصا على مستوى عامة الناس. مما جعل الدعوات ذات الطبيعة الإسلامية لا تجد لها مكانا بينهم لأن الجميع يحمل نفس الراية ويتقاسم نفس الدعوة.