تمكن مكتب التحقيقات الفيدرالي بالولاياتالمتحدةالأمريكية يوم الخميس الفارط (23 جويلية 2009) من إلقاء القبض على أفراد أخطر شبكة فساد تمتد أذرعها الأخطبوطية إلى إسرائيل وسويسرا وتتخذ من ولاية نيوجرسي الأمريكية مقرا لأنشطتها الإجرامية التي تشمل المتاجرة بالأعضاء البشرية وتبييض الأموال ورشوة المسؤولين والموظفين الحكوميين وتزوير ماركات عالمية والمتاجرة بها، ورغم أن هذه القضية وصفت "بالضخمة" وأثارت غضب الشعب الأمريكي فإنها مرت في وسائل الإعلام الغربية ومنها الفرنسية على سبيل المثال -بشكل خافت ويقترب إلى حالة التستر والتجاهل! المتورطون في هذه القضية الإجرامية المتشعبة النشاطات والعابرة للقارات هم حاخامات يهود من بروكلين بضاحية نيويورك وولاية نيوجرسي، ومسؤولون سياسيون ومنتخبون، وقد أطلق على هذه العصابة التي بلغ مجموع المعتقلين منها 44 شخصا إسم "المافيا اليهودية" وقال المدعي العام الفيدرالي في ولاية نيوجرسي رالف مارا في ندوة صحفية "إن رجال الدين اليهود قاموا بإخفاء نشاطاتهم الإجرامية الواسعة خلف واجهة من الاحترام، أما عن السياسيين الموقوفين في هذه القضية فقد وصفهم رالف مارا بأنهم "شخصيات مرتشية"•• وكانوا على استعداد لبيع أنفسهم•• أما ضحاياهم فهم مواطنون عاديون ورجال أعمال نزيهون في هذه الولاية (نيوجرسي) وليس لديهم فرصة في ظل ثقافة الفساد هذه"• أما المسؤول عن وحدة مكافحة الرشوة في مكتب التحقيقات الفيدرالي (أف•بي•آي) فقد قال:"إن مشكل الرشوة في نيوجرسي هو أحد أسوأ المشاكل، بل هو الأسوأ في كامل الولاياتالمتحدةالأمريكية"• والمعروف أن ولاية نيوجرسي تشكل الإطار المكاني لسلسلة تلفزيونية شهيرة في أمريكا حول نشاطات المافيا بعنوان "آل سوبرانو" وقضية المافيا اليهودية التي هزت المجتمع الأمريكي يوم الخميس الماضي تجعل الواقع أغرب من الخيال وقد دام التحقيق فيها مدة عشر سنوات وتمكنت وحدة الأف•بي•آي من فك خيوطها بعدما جندت أحد أعضاء العصابة المدعو سالمون دويك وهو ابن أحد الحاخامات اليهود في نيوجرسي وقد قام بتزوير صك بنكي بقيمة 25 مليون دولار وفضل التعاون مع محققي الأف•بي•آي إثر إلقاء القبض عليه في شهر ماي 2006• وقد اهتمت صحيفة "يديعوت أحرنوت" الاسرائيلية بشبكة المافيا اليهودية في أمريكا ونشرت مقالا يوم السبت الماضي (25 جويلية 2009) شرحت فيه كيفية تبييض الأموال بين أمريكا وإسرائيل وسويسرا وتحويل أموال الإجرام "المبيضة" إلى جمعيات خيرية يهودية في أمريكا التي تقوم بدورها بإيصالها إلى عصابة المافيا بعد اقتطاع نسبة 10% من المبلغ المبيض! وكذلك عملية المتاجرة بالأعضاء البشرية، فقد كان الحاخام ليفي إسحاق روزانبوم يشتري -على سبيل المثال- كلية من إسرائيل بمبلغ 10 آلاف دولار ويعيد بيعها في الولاياتالمتحدةالأمريكية بمبلغ 160 ألف دولار! والمهم في مقال صحيفة "يديعوت أحرنوت" الإسرائيلية أنها كشفت النقاب عن العلاقة الوطيدة بين الحاخام إلياهو بن حايم المتهم الرئيسي في قضية تبييض الأموال وبين الحاخام عوفاديا يوسف الزعيم الروحي لحركة "شاس" المتطرفة والمشاركة في الائتلاف الحكومي الإسرائيلي بقيادة زعيم الليكود بنيامين نتنياهو• وذكرت الصحيفة الإسرائيلية أن الحاخام إلياهو بن حايم بدأ قبل 6 سنوات بتجنيد الأموال لصالح مؤسسات دينية يهودية في إسرائيل التي تردد عليها طويلا، وأقام علاقات وصفت بالمتشعبة والواسعة جدا مع أثرياء الطائفة الحلبية وذلك لتشجيع قادتها على دفع الأموال لصالح عوفاديا يوسف ومؤسسات حركة "شاس"، وكانت مؤسسة " حفات دعت" التي يقف على رأسها أبناء عائلة عوفاديا يوسف وعلى وجه الخصوص نجل عوفاديا المعروف باسم الحاخام دافيد يوسف من أكثر المؤسسات انتفاعا بالأموال التي جندها الحاخام إلياهو بن حايم المتهم الرئيسي في قضية تبييض الأموال. الحاخام عوفاديا يوسف زعيم حركة "شاس" اليهودية المتطرفة وصف العرب والفلسطينيين بأنهم " أفاع، وأن الله نادم على خلقهم"• كما تصف أدبيات حركة "شاس" الموجهة لتعليم الشباب اليهود، العربي بأنه "كاذب وإرهابي متآمر"• أما زعيم الكتلة البرلمانية لحركة "شاس" المدعو إيلي يشائي والذي يشغل حاليا منصب نائب رئيس الوزراء، ووزير الداخلية في حكومة نتانياهو فقد سبق أن طلب من رئيس الحكومة الإسرائيلي السابق إيهود أولمرت "ببناء 100 شقة استيطانية في القدس ردا على كل قتيل يهودي سقط في عملية القدس التي نفذت يوم الخميس في المدرسة اليهودية مركز هراف" وكان يتحدث عن العملية الفدائية التي نفذتها حركة المقاومة الإسلامية (حماس) في القدسالغربية في 6 مارس 2008 ردا على المجازر الإسرائيلية ضد الشعب الفلسطيني في غزة والضفة الغربية واستهدفت معهدا دينيا يهوديا فقتل 8 أفراد وجرح 40 آخرين. ومن قبل الكوميديا السوداء أن زعيم حركة "شاس" الحاخام عوفاديا يوسف الذي يعتبر أحد أهم المراجع الدينية في إسرائيل كان يوجه موعظة لليهود قبل اكتشاف فضيحة المافيا اليهودية في أمريكا ببضعة أيام، وبالضبط يوم السبت 4 جويلية الجاري وقال فيها:"إن القمع الذي تعرض له اليهود على أيدي النازيين خلال الحرب العالمية الثانية بسبب الذنوب والخطايا التي ارتكبها هؤلاء والأجيال التي سبقتهم، مؤكدا أنه من الحتمي أن تحل الكوارث عندما تزداد الخطايا والذنوب! فماذا سيقول الآن بعدما تأكد للعالم أن هذا الحاخام المتشدد الذي أسس حركة "شاس" في سنة 1984 للدفاع عن قضايا اليهود الشرقيين (السفارديم) وللمحافظة على القيم والأخلاق والتوجيهات التراثية يغرف من أموال تأتي من المتاجرة بأعضاء البشر وتقديم الرشاوى والغش في المتاجرة بالماركات المقلدة.. إن اكتشاف عصابة "المافيا اليهودية" وتفكيك نشاطاتها الإجرامية في ولاية نيوجرسي وضاحية نيويورك يبدو أشبه باكتشاف قمة جبل الجليد الذي يبقى جزؤه الأكبر مدفونا تحت الماء• ففي أفريل 2007 على سبيل المثال أصدر أحد أعضاء المافيا اليهودية في أمريكا وهو المدعو رون جونن كتابا بعنوان " الدم والحجم" كشف فيه أن عصابات المافيا اليهودية يسيطرون على تجارة المخدرات في مدينة نيويورك وقال في شهادته أمام السلطات الأمريكية أن أبناء قيادات الشبكة اليهودية التي تزعمها يهودا أتياس من حي منهاتن هم الذين يديرون العمل الآن في نيويورك. ولعل النشاط الإجرامي اليهودي في أمريكا معروف منذ الثلاثينيات من خلال الجرائم التي قام بها المافيوزي السفاح اليهودي مايرلانسكي رفقة الزعيم المافيوزي الأمريكي الإيطالي الأصل "لاكي لوتشيانو" الذي صورت حول نشاطاته الإجرامية العديد من الأفلام والمسلسلات والروايات.