تقلصت مساحة انتشار الأحزاب الإسلامية في الانتخابات المحلية المرتقبة في 29 نوفمبر القادم بشكل غير مسبوق حسب الأرقام الأولية التي كشفت عنها وزارة الداخلية والمتعلقة بحجم مشاركة كل حزب عبر الولايات والبلديات، مما يؤشر على تراجع تمثيل هذه الأحزاب في المجالس المنتخبة، ولكن أيضا من التمثيل الشعبي. فما هي أسباب ذلك؟. تُبرز المعطيات المستقاة من إحصائيات وزارة الداخلية والجماعات المحلية الجهة المنظمة للعملية الانتخابية، أن الانتخابات المحلية المقررة في التاسع والعشرين نوفمبر المقبل، قد تمهد لبروز خارطة سياسية جديدة بدأت معالمها بالإعلان عن نتائج الانتخابات التشريعية التي جرت في العاشر من ماي الماضي، ولعل أهمّ ملامح الخارطة السياسية المتوقعة هو تراجع أحزاب التيار الإسلامي من حيث التأثير الشعبي ومنه انحصار تواجدها في المجالس المنتخبة، سواء المجالس الوطنية )البرلمان بغرفتيه( أو المجالس البلدية والولائية. ففي الانتخابات التشريعية الماضية، تقلصت عدد مقاعد الأحزاب الإسلامية في المجلس الشعبي الوطني إلى مستوى فاجأ المتتبعين، فحركة مجتمع السلم والنهضة والإصلاح مجتمعة لم تتمكن من تجاوز عتبة 47 مقعدا نيابيا، وجبهة العدالة والتنمية بقيادة عبد الله جاب الله لم يتمكن من حصد سوى 7 مقاعد من أصل 462، وجبهة التغيير الإسلامية التي يتزعمها عبد المجيد مناصرة 3 مقاعد. ورغم عدم إقرار زعماء التيار الإسلامي بهزيمتهم وانخراطهم في حملة تبرير تتخذ من التزوير أطروحة دعائية لرفع معنويات مناضليهم، إلا أن مراقبين يذهبون إلى القول بأن الوعاء الانتخابي لأحزاب التيار الإسلامي شهد تقلصا كبيرا في السنوات الأخيرة تحت تأثير الأحداث التراجيدية التي عرفتها الجزائر على مدار العقدين الماضيين، فضلا على التحوّلات السريعة والعميقة التي عرفها المجتمع الجزائري اجتماعيا وثقافيا واقتصاديا وسياسيا. في حين يبرز عامل آخر ذاتي متعلق بالأحزاب الإسلامية ذاتها ولا يمكن تجاوزه أو القفز عليه في الحديث عن التقهقر الذي جرف أحزاب إسلامية ظلت تتغنى بقوة شعبيتها، ويتعلق الأمر هنا بتلك الأزمات التنظيمية والهيكلية التي هزت أركانها، فمن النهضة إلى الإصلاح إلى حمس لم تهدأ الحروب التنظيمية بين مختلف رموز التيار موضوع الحديث وهو ما أنهكها إلى درجة أن تكتل النهضة والإصلاح وحركة مجتمع السلم في انتخابات التشريعية الماضية لم يصل إلى مبتغاه بتحقيق فوز ساحق. أما الانتخابات المحلية التي تعتبر أهم مناسبة سياسية لأي حزب لإثبات تجدره وقوته الشعبية، فالمعطيات الأولية المتعلقة بمشاركة أحزاب التيار الإسلامي لا تسرّ محبي التيار الإسلامي ومناضليه، فحركة مجتمع السلم لم تتقدم إلا بأقل من 400 قائمة في مجمل بلديات الوطن، والتكتل بأحزابه الثلاث لم تتجاوز قوائم مشاركته 700 قائمة، وهو ما يعني عمليا أن التواجد المستقبلي للأحزاب الإسلامية في المجالس المحلية المنتخبة سيكون ضعيفا بالمقارنة مع حجم المشاركة وليس اعتبارا للنتائج التي سيفصل فيها الصندوق. هذا علاوة على مقاطعة كل من حزب العدالة والتنمية وجبهة التغيير. هذا التراجع الملفت للنظر في مسار الأحزاب الإسلامية منذ إقرار التعددية السياسية، وأن حاولت قيادات مثل أبو جرة سلطاني تبريره بالقول أن الانتخابات المحلية لا جدوى منها أو تصريح عبد الله جاب الله أن الانتخابات لن تؤدي إلى التغيير المنشود، إلا أن الوقائع الميدانية، تؤكد أن للتقهقر المسجل له أسباب موضوعية وذاتية تخص تلك الأحزاب ومنها على سبيل الذكر لا الحصر انقسام حركة مجتمع السلم واحدة من الحركات الإسلامية الأقوى سابقا إلى نحو أربعة أحزاب في ظرف سنة واحدة، وتهلهل حركة الإصلاح، وانحسار حركة النهضة وتشتت الوعاء الانتخابي لهذه الأحزاب مع دعوات المقاطعة التي تطلقها رموز الفيس المحل بين الفينة والأخرى. وزيادة على هذا وذاك تتجلى التغيرات التي طرأت على التوجهات الكبرى للناخب الجزائري والتي لم تعد تنظر بعين الرضا لرموز التيار الإسلامي.