كشفت نتائج انتخابات العاشر من ماي الماضي، على حقيقة جوهرية وهي انحصار المد الإسلامي وتراجع الوعاء الشعبي لدعاة الإسلام السياسي حتى في المناطق التي ظلت معاقله الرئيسية لعقود من الزمن، وهو ما يعني أن تحولات عميقة في توجهات الرأي العام الوطن والناخب الجزائري قد ترسمت فعلا من خلال النتائج انتخابات الخميس الماضي. لم تتمكن ردود الأفعال الأولية المتسمة بالانفعالية والغضب لرموز التيار الإسلامي سواء تلك المنضوية تحت لواء التكتل الأخضر أو تلك التي تنشط منفردة، من حجب نظر المتتبعين لمسار تطور الإسلام السياسي من رؤية بعض الحقائق الموضوعية التي شكلت هزيمة التيار الإسلامي في تشريعيات الخميس الماضي. ومن بين هذه الحقائق ما هو موضوعي له علاقة بالوضع السياسي العام وتوجهات الناخب الجزائري، وما هو ذاتي متعلق بالوضع التنظيمي والسياسي للأحزاب الإسلامية تستدعي وفي كلتا الحالتين تستدعي الهزيمة النكراء للإسلاميين التوقف عندها بالقراءة والتحليل. ففي البداية لابد من الإشارة إلى أن الجو العام الذي ساد الحملة الانتخابية من خلال انعكاسات الأوضاع الإقليمية المتدهورة في البلدان التي شهدت ما يعرف ربيعا عربيا ألقت بظلالها على المشهد السياسي والناخب الجزائري الذي استحضر من جديد مشاهد الرعب والدمار التي عاشها طيلة مرحلة التسعينيات جراء الصدام الدموي بين الإسلاميين الراديكاليين والسلطة قبل أن ينتقل إلى صراع بين جزء من الإسلاميين والمجتمع ككل. ومن هنا فقد كان للخطاب التخويفي من احتمالات التغيير التي روجت لها عدة أحزاب سياسية في ضمن حملة استقطاب سياسي تأثيرا قويا على الناخبين الذين فضلوا الاستقرار على المغامرة وراء مزاعم التغيير التي يرافع لعا رموز التيار الإسلامي. أما العامل الآخر والذي لا يقل أهمية عن سابقة والذي ساهم في هزيمة الإسلاميين فيتعلق بالانشطار والتشتت الذي تعيشه أحزاب الإسلام السياسي، فبالنسبة »لتركة الفيس المحل« فهي تعاني الشتات والانقسامات، سيما بعد ظهور مواقف متضاربة بين قياداته السابقين زادت من تعميق شرخ الوعاء الانتخابي وقاعدة التيار الإسلامي المعتمد. فعباس مدني رئيس جبهة الإنقاذ المحظورة رفقة علي بلحاج دعا إلى المقاطعة، والهاشمي سحنوني إلى مساندة عبد المجيد مناصرة، في حين تبدو الفصائل السابقة للإسلام المسلح التي انخرطت في ميثاق السلم والمصالحة غير مبالية بالعملية السياسية ولا هي ملتزمة بتوجيهات القيادات السابقة ل»الفيس« المحل. هذا في الوقت الذي تعرف فيه كل من حركتي النهضة والإصلاح تهلهلا تنظيميا وتفككا في القواعد جراء الأزمات المتعددة والمتتالية التي ضربت الحركتين بداية من 1999 وصولا إلى تأسيس عبد الله جاب الله جاب الله لحزب جديد قبيل التشريعيات، وهو الحزب الذي فقد معالمه من خلال تضارب خطاب زعيمه الذي اظهر عدم فهمه للشعب الجزائر، فالرجل لم يستطع تطوير لغة خطابه وسقط في فخ الشعبوية. وحتى جبهة التغيير التي أسسها جماعة من المنشقين على »حمس« فشلت في استقطاب المواطنين خارج الوعاء المنشق على حركة مجتمع السلم. لكن ثمة عامل في غاية الأهمية يكون قد ساهم بشكل كبير في هزيمة الإسلاميين، إلا وهو مشاركتهم في الحكم على مدار عقدين من الزمن سواء في البرلمان أو الحكومة أو المجالس المحلية والولائية المنتخبة وبعض المناصب الإدارية التي تحصلوا عليها كمكافآت على خيار المشاركة، والإشارة هنا تحديدا إلى حركة مجتمع السلم التي تخلت عن خطابها الإسلامي ولم يبق منه إلا بعض الشكليات في حين كانت سلوكات وممارسات مناضلي ومنتخبي هذه الأحزاب عن باقي الأحزاب الأخرى، بل تجاوزتها أحيانا من خلال الفضائح التي تورط فيها منتسبون للأحزاب الإسلامية وهو ما جعل عامة الناس تفقد الثقة في الخطاب الإسلامي كبديل للتغيير الايجابي لما هو كائن. وعلاوة على هذه المعطيات المذكورة آنفا، تبدو التحولات العميقة التي طرأت على المجتمع الجزائري في العقدين الماضيين اجتماعيا واقتصاديا وثقافيا وامنيا، عملت بشكل كبير على تغيير توجهات الرأي العام ونظرته للفاعلين السياسيين ومنهم الإسلاميين تحديدا. ومعنى هذا أن الإسلام السياسي لم يعد فاعلا في المشهد السياسي أمام الواقعية والبراغماتية التي تفرضها التحديات الجديدة.