جاء في الصحف أن البنتاغون الأمريكي أبلغ الجزائر رغبة الحكومة الأمريكية في المشاركة بوفد من وكالة المخابرات المركزية الأمريكية ال (سي آي إي) في اللقاء الذي جمع قادة جيوش الساحل نهاية الأسبوع الماضي بقيادة الناحية العسكرية السادسة بتمنراست، وأن الجزائر رفضت الطلب الأمريكي. المعروف أنها ليست هذه المرة الأولى التي تبدي فيها الولاياتالمتحدةالأمريكية رغبتها في المشاركة في أي (نشاط) عسكري بالمنطقة، كما أن الكل يعلم أن هذه الدولة تضغط، منذ عدة سنوات، على الجزائر للسماح لها بإقامة قواعد عسكرية، أو على الأقل توفير تسهيلات عسكرية للوحدات الأمريكية، على أراضيها، وأنها تتحجج في ذلك بذريعة محاربة الإرهاب وحماية مصالحها. الولاياتالمتحدة لا تكل في البحث عن أي منفذ تستغله للتسلل العسكري إلى الأرض الجزائرية. إنها تستعمل مع الجزائر نفس الأسلوب الذي سبق وأن لجأت إليه مع باقي الدول التي أصبح لها فيها مواقع أقدام عسكرية، فهي تبدأ بفتح المجال لما تسميه بالتعاون العسكري مع جيش الدولة المستهدفة ولما تحكم قبضتها، بشراء الذمم أو التخويف والترهيب والابتزاز، على مصادر القرار - خاصة القرار العسكري- تنتقل إلى المرحلة الثانية المتمثلة في التواجد العسكري على أرض تلك الدولة. تحت مبرر تحديث وحدات جيش (الدولة الصديقة) والرفع من كفاءاتها القتالية، نفرض أجهزة الدولة الأمريكية على هياكل هذه الدولة ديناميكية معينة (تبادل خبرات، مناورات مشتركة، تمارين عسكرية في البر والبحر والجو، فترات تدريبية لأفضل الضباط في المدارس والأكاديميات العسكرية الأمريكية، بروتوكولات تعاون، تدريبات تأهيلية ..) لا يكون في إمكان قيادة الطرف الثاني، لاعتبارات عديدة، متابعة هذه الديناميكية المتسارعة ولا دراسة أبعادها وآثارها، ولما يكتشف الوجه الحقيقي لهذا النوع من التعاون تكون الحرب قد انتهت ولا يمكن تدارك الوضع لأن البلد يصبح مكبلا بعشرات المعاهدات والاتفاقيات التي تحرسها بيادق بتم اختيارها بدقة من طرف خبراء ومختصين خلال مرحلة التأهيل والتدريب. إنه نفس ما وقع لدول عربية كبيرة أصبحت نتيجة رضوخها لنفس الخطة فاقدة لكل حرية في اتخاذ القرار وأصبحت مجرد أداة تستعمل من طرف الولاياتالمتحدةالأمريكية للقيام بأدوار مهينة ومشينة في المنطقة ولا تخدم في الأخير سوى سياسة ومصالح أمريكا وحلفائها. بالنسبة للجزائر، فأن المدخل الذي اختارته أمريكا هو حجة المساهمة في محاربة الإرهاب الذي اتخذ طابعا دوليا وأصبح (يهدد) الغرب والولاياتالمتحدةالأمريكية نفسها، ولنتوقف لحظة أمام إشكالية الإرهاب الدولي لنلاحظ أن الغبي وحده لا يدرك بأنه من صنع وتمويل وتنشيط أمريكا نفسها. فعندما كانت الجزائر تحارب الإرهاب بمفردها وتدعو العالم الغربي إلى التنبه إلى هذه الظاهرة الخطيرة على الأمن والسلم الدوليين لم تجد آذانا صاغية وقوبلت مواقفها بالحصار الذي ضرب عليها من كل جانب. كل الأبواب أغلقت أمام الجزائر، وكان من الممكن جدا أن يتم القضاء على الظاهرة في سنواتها الأولى لو تمكن الجيش الجزائري وأجهزة الأمن الجزائرية من شراء معدات إلكترونية متوفرة لدى المصانع الأمريكية ولو أن الدول الغربية وعلى رأسها أمريكا نفسها لم تستقبل على أرضها ولم تمول شخصيات وشبكات كانت على علاقة بالإرهاب في الجزائر. نفس الشيء ينطبق على بعض الدول العربية التي كان علماؤها، اللذين لا يخرجون على الطاعة الأمريكية ولا على طاعة ملوكهم، يفتون بجواز الجهاد في الجزائر. الكل كان ينتظر سقوط الجزائر وانقسامها، كل طرف من العرب والغرب كانت له مصلحة في تفتت الجزائر، ولما انتصرت على الإرهاب وبدأت تستعيد عافيتها، عملت القوى الدولية على تدويل بقايا الإرهاب إذ أصبح يمارس نشاطاته الإجرامية تحت لواء ما يسمى بالقاعدة. القاعدة، هي غول كبير يزرع الرعب والخوف في العالم أجمع، لكنه غول افتراضي فلا أحد رآه أو لمسه أو أدرك مواقعه. جيوش أمريكا والحلف الأطلسي تدك الأرض الأفغانية بقنابلها وصواريخها بحثا عن انتصار على التنظيم دون أن يتحقق لها ذلك. الجيش الأمريكي دمر حضارة كاملة وقضى على دولة العراق الني كانت الدولة الأكثر عصرنة في المنطقة وأباد أكثر من مليون عراقي ولم يتمكن بعد من الفضاء على القاعدة التي لا زالت تضرب في كل مكان: الجزائر، موريتانيا، مالي، النيجر، الصومال، أفغانستان .. وتهدد كل دول العالم الغربي، لكنها تعجز عن القيام ولو بعملية واحدة في إسرائيل ! لكل ما سبق، فأن الحل في القضاء نهائيا على الإرهاب هو في يد الدول المكتوية فعلا بناره، وهي وحدها القادرة على إيجاد السبل والوسائل لتحقيق ذلك ولا شك أن الجزائر التي تملك تجربة كبيرة في محاربة هذه الآفة بإمكانها التنسيق مع دول الجوار، إن صدقت النوايا ورفضت هذه الأخيرة كل أنواع التدخل الأجنبي، لإفادتها بتجربتها وللتعاون معها للقضاء النهائي على هذا الخطر.