ما تكافأت فيها القوة ولا القوى سواء المساندة أو المؤيدة أو المدعمة، مقارنة مع ما كان متاح للثورة الجزائرية من وسائل الكفاح البسيطة البدائية، بما كان تحت يد فرنسا من أسلحة فتاكة مدمرة ووفرة في المؤن ومؤيدين من أكبر الدول والأحلاف العالمية الغربية. لكنها ثورة واحدة موحدة، توحدت لأول مرة في التاريخ تحت لوائها كل القوى الوطنية عبر ربوع الوطن وأطرافه المترامية، رافعة مع مطلع أول نوفمبر 4591 الرهان ماسكة بزمام التحدي، وهي تشهر السلاح في وجه واحدة من أعتى قوى العالم وأكثرها شراسة، وأشدها بطشا واغتصابا وإسالة للدموع وهدرا للدماء، كانت قد جثمت على صدرنا دون رحمة ولا شفقة، ما يقارب القرن ونصف القرن من الزمن متخلية عن كل مستعمراتها في كل المعمورة، وترمي بكل ثقلها الفكري وإمكاناتها الصلبة بما فيها النووية لتبقي على الجزائر في قبضتها دون سواها، حتى أن الرئيس الفرنسي الحالي فرانسوا هولاند اعترف أمام البرلمان الجزائري بأن استعمار فرنسا للجزائر كان وحشيا وظالما بقوله: زمن الواجب الاعتراف بحقيقة أعمال العنف والمظالم والمذابح والتعذيبس وشهد شاهد من قادتها. بمبادرة من اثنين وعشرين شابا جزائريا بدا لأول وهلة وبخاصة من الرأي العام الدولي ومن بعض ممن حولهم من مواطنيهم، وكأنهم مغامرين تدفعهم فتوتهم إلى اقتحام مواقع أرادوا اكتشاف ما فيها. فلم يطل الحال، وكأن الزمن أقل بكثير مما تصور المحللون والمتتبعون والملاحظون وأصحاب الخبرة والرأي حتى نضجت فكرة الثورة، بانتهاج أسلوب استعمال السلاح، ومن منطلق زما يفتك بالقوة لا يسترد إلا بالقوةس وتوسعت شرارتها لتشمل التراب الوطني الجزائري وتغزو حتى التراب الفرنسي ذاته. ذلك أن جل أبناء الوطن قد تجاوبوا معها واستجابوا لندائها بالتلبية والتكبير والتهليل، وبالانضواء تحت إرادتها والالتحاق بها في سن مبكرة مناضلين وفدائيين ومجاهدين وداعمين مصممين على استعادة الاستقلال وافتكاك السيادة. وعلى مراحل متلاحقة متسارعة تسابق الشباب الجزائري للامتثال لنداء مواجهة الوجود الفرنسي الاستعماري في الجزائر في مختلف الحقب والأزمنة، وقد كان من بين هؤلاء الملبين بحماس الأبطال وشجاعة اللارجوع والتشبع بالإيمان القوي الهادف إلى استرداد الحرية والكرامة الانسانية للوطن والمواطن فقيدنا الباسل أحمد مهساس رحمه الله وطيب ثراه، وأسكنه فسيح جنانه. وكأني به وهو من كان في مقدمة من كانوا الأنموذج الحي والمثال الناصع في حالة التسرع إذاك ليلتقط أنفاس حياته مبكرا من أنفاس التفكير في الثورة وفي بداية انطلاقها وتدفقه من تدفقها، وتدافعه من تدافعها، ذلك من أجل الدفاع بها عليها، والتضحية بالنفس والنفيس من اجل انتصارها وتثبيت أقدامها. وفعلا بأمثاله الأشاوس النشامى انتصرت الانتصار الباهر المبهر الداحض للاستعمار المبطل لمفعول أباطيله التي كانت قنابل موقوتة طويلة الأمد زرعت برغبة استعمارية جامحة في كيان الأمة الجزائرية لإضعاف قواها لزحزحة انتمائها لتمزق وحدتها لنشر بؤر التوتر فيها، ولو بعد حين. فقيدنا المرحوم ظل من ابرز المناضلين، والمجاهدين الأوائل الذين ينافحون من أجل ترسيخ أقدام الوطن، بإرادة فولاذية لا تخشى لومة لائم، في الدفاع عن رأيه فيما يراه صائبا ومفيدا إلى أن اختاره المولى عز وجل إلى جواره يوم الأحد 42 فيراير 3102 ولا بأس أن اكرر ما يكون قد قاله غيري عن إثرائه للمكتبة الوطنية بجواهر تاريخية ولو قليلة، وهو من الذين لا يقال لقليلهم قليل، لفترة لا ألمع منها ولا اهم في تاريخ البلاد كان فيها شاهد عيان موجها، ممارسا، وصانعا، كانت قد تظل مسكوت عنها لولا عزيمته الحديدية التي لم تثنها هموم الدنيا ولم تشغلها إغراءات المناصب وإطراءات المحيط التي ظل رافضا لها بأنفة وإكبار الكبار. كتبت هذه الحروف غير الكافية في حقه غير المغطية لمجهوداته النبيلة التي لا تكتال بكيال، ولا يزنها ميزان أي بشر كان. فمما زادني تشجيعا على تناوله في هذه العجالة التي تقف عاجزة دون الكم الهائل من خصاله الفدائية والأخلاقية والوطنية هو عدم معرفتي له معرفة مباشرة مما يضعه في زمرة أولئك الذين يقول فيهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: زطوبى للمتقين الذين إذا حضروا لم يعرفوا وإذا غابوا لم يفتقدواس وأنه من الذين استراحوا وليس من الذين استريح منهم، فنم مستريحا قرير العين أيها العظيم أيها العملاق، تصحبك العصمة والعفة والارتفاع أيها المجاهد مهساس...!؟