يعد أحمد مهساس الذي رحل، أمس، أحد أبرز مناضلي الحركة الوطنية الجزائرية. عرف بنضاله في حزب الشعب منذ 1940 وبنشاطه في المنظمة الخاصة (لوس). حضر أول اجتماع لتفجير الثورة جرى بباريس يوم 23 مارس 1954، إلى جانب كل من محمد بوضياف وديدوش مراد. ويعد مهساس من أشد المعارضين للسلطة عقب انقلاب 19 جوان .1965 ولد أحمد مهساس ببودواو سنة 1923، وسط عائلة من المزارعين، تنتمي لقبيلة أولاد علي بن عبد القادر. شارك أجداده في ثورة المقراني سنة 1871، وانتقلوا من سيدي عيسى إلى بودواو. كان والده المدعو بوعلام متخوفا من التعليم الاستعماري، ولم يسمح بتسجيله في المدرسة الحديثة إلا على مضض. وفي نفس الوقت تردد على المدرسة القرآنية، وكان تلميذا نجيبا، إذ أحرز شهادة التعليم الإكمالي سنة 1937 بامتياز. لكن السلطات الفرنسية حرمته من حيازة منحة إتمام الدراسة. اهتم مهساس بالنشاط الوطني والنضالي باكرا، فانخرط في صفوف حزب الشعب الجزائري في بودواو، منذ سنة 1940، وشارك في تنظيم إضراب عمالي بمصنع التبغ، فقامت الشرطة الفرنسية بإلقاء القبض عليه، وسجنه. بعدها، قرر مهساس التوجه إلى بلكور، حيث انتعش النضال الوطني ضد الاستعمار، فتعرف على محمد بلوزداد الذي كان يشرف على التنظيمات الشبانية لحزب الشعب، على مستوى الجزائر العاصمة. ويعتبر أحمد مهساس أحد المناضلين الذين شاركوا في تأسيس المنظمة الخاصة (لوس)، وعيّن عضوا بقيادة أركان المنظمة ومسؤولا عن المنطقة الرابعة. تعلقه بالقضية الوطنية، جعله يرفض الاستجابة للتجنيد الإجباري الفرنسي سنة 1944، عملا بدعوات عدد من أقطاب الحركة الوطنية الجزائرية آنذاك، فألقي عليه القبض وحكمت عليه المحكمة العسكرية في الجزائر العاصمة بالسجن مدة ستة أشهر نافذة. وفي العام 1950 ألقي عليه القبض مجددا، ضمن ما يسمى ''مؤامرة المنظمة الخاصة''، وتمكن من الفرار من سجن البليدة سنة 1952 رفقة أحمد بن بلة. وبينما توجه بن بلة إلى القاهرة، قرر مهساس السفر إلى باريس، وهناك دافع عن وحدة حركة انتصار الحريات الديمقراطية، لتجنب التشرذم، خلال الصراع الذي نشب بين مناضليها إثر انقسام الحركة إلى مصاليين ومركزيين. وبقي المجاهد مهساس يدعو إلى ضرورة انتهاج خيار ثوري راديكالي، يعتمد على الكفاح المسلح لوضع حد للهيمنة الاستعمارية. وفي يوم 23 مارس 1954، التقى المجاهد أحمد مهساس في أحد مقاهي باريس، بكل من بوضياف وديدوش مراد، واتفقوا على ضرورة إعلان العمل المسلح. وقبيل قيام الثورة بقليل، كتب مهساس نداءه الشهير للثورة بعنوان ''نداء إلى العقل''، أمضاه أحد أعمدة نجم شمال إفريقيا المناضل بلقاسم راجف. ولما قامت الثورة، كلف بتمرير الأسلحة للمجاهدين في الداخل من قاعدة ليبيا رفقة المجاهد المرحوم بشير القاضي. عارض مهساس، رفقة بن بلة، قرارات مؤتمر الصومام، ودعا للعودة إلى بيان أول نوفمبر، معتبرا أن ما جرى في ''ايفري'' يعد بمثابة انحراف عن روح الثورة، وكان من أشد المعارضين لجماعة عبان رمضان التي تحكمت في زمام الأمور من الداخل، بفضل مبدأ ''أولوية الداخل على الخارج''. وتكونت في هذه الظروف ما يمكن تسميته زمرة مهساس بن بلة، لمناهضة طروحات جماعة عبان الذي فتح أبواب الثورة أمام المركزيين وأنصار جمعية العلماء المسلمين وأتباع فرحات عباس والشيوعيين، بينما ظل مهساس متمسكا بتشدده الثوري وباعتقاده بأن الثورة لا يمكن أن تخرج من نطاق التيار الثوري الراديكالي الذي خرج من معطف ''المنظمة الخاصة'' (لوس). وبغرض وضع حد لتأثير جماعة عبان، قام مهساس بتغذية معارضة لقرارات الصومام من القاعدة الشرقية، حيث برزت معارضة شديدة للحكومة المؤقتة، انتهت بما يسمى مؤامرة العموري. وخلال هذه الفترة، تعرض مهساس لعدة محاولات اغتيال، فقرر الانسحاب إلى ألمانياالشرقية سنة 1957، لينجو مرة أخرى من محاولة اغتيال. وكانت ''الخبر'' قد نقلت تفاصيل هذه المحاولة التي قام بها المجاهد أرزقي باسطا، الذي كلف باغتيال مهساس من قبل العقيد أوعمران، والذي تراجع عن القرار في آخر لحظة. شغل مهساس، عقب الاستقلال، منصب المدير العام للديوان الوطني للفلاحة والإصلاح الزراعي، وكلف بتنفيذ القرارات المتعلقة بالتسيير الذاتي، ليعيّن بعدها وزيرا للفلاحة ثم عضوا بالمكتب السياسي لجبهة التحرير الوطني. وعقب انقلاب 19 جوان 1965 عيّنه العقيد هواري بومدين عضوا في المجلس الوطني للثورة الجزائرية. أبدى مهساس معارضة شديدة لطريقة حكم بومدين، واستنكر ما أسماه ''الحكم الفردي'' والبيروقراطية التي بدأت تنخر جسد المؤسسات الجزائرية، فقرر العام 1966 الانسحاب من السلطة، وتوجه إلى باريس، فسجل في جامعة السوربون وناقش رسالة الدكتوراه في علم الاجتماع بعنوان ''الحركة الثورية الجزائرية من الحرب العالمية الثانية إلى .''1954 وفي نفس الوقت، اتصل بالمعارضة الجزائرية بالخارج، فساهم في تأسيس ''التجمع الوحدوي للثوريين''، رفقة الشهيد محمد بودية. وفي العام 1977 أسس رفقة الطاهر زبيري والمرحوم قايد أحمد ''التجمع الوطني من أجل الديمقراطية والثورة''. عاد مهساس إلى الجزائر عقب رحيل الرئيس بومدين، فعيّن في منصب مستشار بالمؤسسة الوطنية للكتاب. وفي 1989 أسس مهساس حزب ''اتحاد القوى الديمقراطية''. وفي العام 2000، عيّن عضوا في مجلس الأمة، ضمن الثلث الرئاسي، وهو المنصب الذي ظل يشغله إلى غاية يوم رحيله.