التصريحات التي أدلى بها وزير الداخلية دحو ولد قابلية خلال إشرافه على تنصيب الولاة الجدد المعينين في إطار الحركة الأخيرة، لا تكفي لإقناع الجزائريين وطمأنتهم بأن بلدهم ليس في خطر وأن وحدته ليست مهددة، وأن ما يكتب وينشر ويقال حتى في المقاهي مجرد مخاوف غير مبررة، يرددها أشخاص إما أنهم لا يدركون طبيعة المشكل أو أنهم مهووسون بأطروحة المؤامرة. ولد قابلية قال بلغة الواثق من نفسه بأن مطالب أهل الجنوب ليس لها طابع سياسي، فهي مجرد مطالب اجتماعية واقتصادية، وهو ما جعله يضيف بأن »من يأملون في انفصال الجنوب عن الشمال يتبعون طريقا خاطئا«، وكان على الوزير أن يقدم الدليل على كلامه وأن يشرح للجميع وخاصة المتشائمين، ونحن منهم، طبيعة الإجراءات التي اتخذتها السلطات العمومية لتجنيب البلاد التمزق، والحيلولة دون أن يتمكن هؤلاء الذين قال عنهم الوزير بأنهم يحلمون بفصل جنوبالجزائر عن شماله من تحقيق أهدافهم. هل هناك فعلا مشروع طموح لتنمية مناطق أقصى جنوب البلاد التي تفتقد حتى إلأى مستشفى محترم يغني سكان المنطقة عن التنقل لحوالي ألف كيلومتر للعلاج في مستشفيات العاصمة، وهل الدولة جادة في مسألة تشغيل أبناء الجنوب في المنشآت البترولية التي يستنشقون سمومها صباحا ومساء؟ ولو عدنا قليلا إلى الوراء، وتحديدا إلى تلك المرحلة التي بدأت فيها الحركات الاحتجاجية في الجنوب وتبنتها ما يسمى بحركة أبناء الجنوب، حينها اتهمت الأقلام التي حذرت من تنامي الاحتقان الاجتماعي في الجنوب الكبير، وأشارت بشكل مباشر إلى وجود أجندات وسيناريوهات خطيرة جدا لفصل جنوب البلاد عن شماله، بأنها تروج لأطروحة المؤامرة التي لم تعد موضة هذا العصر، وأنها تنفخ في رماد الأزمة وتضخم صغائر الأمور، بل حتى ما كتب حول احتجاجات بريان بغرداية ورغم خطورتها، وصف بأنه إضرام لنار الفتنة وكأن الإعلاميين هم السبب في كل المآسي التي تعيشها البلاد. إن الخطر أكبر مما تصوره وسائل الإعلام، وكل محاولة من السلطات لتقديم توصيف مسطح وغير جدي للأزمة لن يفيد البلاد بل سيضر بأمنها واستقرارها، والحل لا يكمن في نزع الطابع السياسي والحديث فقط عن المشاكل الاجتماعية، وإن كان هذا حقيقي إذا ما نظرنا إلى طبيعة الشعارات التي ترفعها الاحتجاجات في جنوب البلاد، بل هو في معالجة الأزمة من كل نواحيها دون إهمال أي جانب، فسواء أحببنا أم كرهنا هناك سيناريو خطير يجب أن ننتبه إليه، ليس بالحلول الترقيعية ولا بإجراءات مناسباتية، من خلال شراء السلم الاجتماعي. لن نبالغ إذا قلنا بأن التدخل العسكري الفرنسي في مالي يخدم هدف فصل جنوبالجزائر عن شمالها، ولن نبالغ إذا قلنا بأن تسمين القاعدة في هذه المنطقة عن طريق أموال الفدية وسلاح القذافي يذهب في نفس الاتجاه أيضا، بل قد نذهب إلى أبعد من كل ذلك ونقول بأن تأجيل جر الجزائر إلى ما يسمى ب »الربيع العربي« كان بهدف ترك فتنة الجنوب تطبخ على نار هادئة، وإذا ما اشتعلت ثورات العرب بإيعاز من الناتو كما حصل ويحصل في بعض البلدان العربية، يكون الجنوب قد تجهز لتدشين مشروع التجزئة الذي يستهدف أيضا سلخ منطقة القبائل عن الوطن الأم تنفيذا لمشروع الشرق الأوسط الجديد الذي وضع سبع دول عربية في جدول التقسيم على الطريقة السودانية.