لقي معرض »ذاكرة وانجازات« المنظم من طرف وزارة المجاهدين والذي يندرج في إطار الاحتفالات المخلدة للذكرى ال 50 لاستقلال الجزائر، اهتماما كبيرا للزوار في رابع أيامه، حيث يعد المعرض فرصة للوقوف على مسيرة نضال وكفاح شعب التي أشعلت لهيب المقاومة إلى أن بلغت ذروتها في ثورة أول نوفمبر، بالإضافة إلى أنه فرصة لتقدير حجم الجهود التي بذلتها الجزائر المستقلة على مدى خمسين سنة من الاستقلال. سمح المعرض الذي تجرى فعالياته بقصر المعارض »سفاكس« إلى غاية 7 جويلية القادم لاستعراض طرق مقاومة الشعب الجزائري في وجه ظلم المستعمر، بالإضافة إلى تقدير حجم التضحيات التي تكبدها الشعب الجزائري من أجل تحقيق النصر واسترجاع السيادة الوطنية لينعم أبناء هذا الجيل بالحرية التامة. »صوت الأحرار« زارت بهو المعرض ووقفت عند أجنحته، حيث كانت البداية بجناح الوجه الحضاري للجزائر قبل الاحتلال والذي تضمن شروحات حول القصور الجزائرية والمدن الجزائرية قبل الاحتلال وتمتاز بطابعها الخاص وذلك الجمال الساحر الذي تعكسه أزقتها ومنازلها وسطوحها المتدرجة، إلى جانب عرض صور حول المساجد والمدارس التي كانت متوفرة في تلك الحقبة، ناهيك عن ملصقات حول الأسطول والميناء الجزائري قبل سنة ,1830 كما تضمن الجناح التعريف بمختلف المهن والحرف التي كان يمارسها الشعب الجزائري باعتباره من أبرع الحرفيين في باب التطوير. وجهتنا الثانية كانت بجناح أشهر المقاومات والانتفاضات الشعبية التي عرفتها الجزائر بين 1830 و,1918 حيث ما شد انتباهنا وانتباه الزوار هو تلك التماثيل التي كانت معروضة هناك لزعماء المقاومات الشعبية على غرار أحمد باي، لالة فاطمة نسومر ومحمد المقراني وغيرهم. جناح الأمير عبد القادر يعج بالزائرين انتقلنا بعدها إلى جناح الثالث والمخصص للأمير عبد القادر، أين أكد لنا الممثل عنه أنهم خصصوا هذا الجناح لعرض شخصية الأمير عبد القادر، مؤكدا في ذات السياق أن جناحه استقطب العديد من الزوار الذين توافدوا بكثرة منذ بداية افتتاح المعرض، حيث استفادوا من الشروحات المختلفة حول شخصية الأمير عبد القادر هذا الرجل السياسي، الإنساني، الأدبي والمتصوف وكذا العسكري ودوره الأساسي في المقاومة الشعبية، مشيرا إلى أن الفضاء المخصص لهذه الشخصية التاريخية استقطب العديد من الزوار خاصة فئة الأطفال والطبقة المثقفة التي زارت الجناح بكثرة. من جهته قال ناصر عوالمية الممثل عن جناح »كرونولوجية الأحداث التاريخية« أن هذا الأخير يعرف للزائر سير الأحداث الحركة الوطنية التي تمثل الأحزاب السياسية والجمعيات التي كانت لديها 3اتجاهات منها الاتجاه الاستقلالي، الاندماجي والإصلاحي، إلى جانب التعريف بدور الكشافة الإسلامية وجمعية العلماء المسلمين والتي ساهمت في ترسيخ المقومات الوطنية من دين ولغة وكذا نشر الوعي الثقافي، مضيفا أن العديد من الزوار قدمت لهم شروحات حول المنظمات السرية الخاصة والتي انبثقت منها المجموعة 22 والمجموعة السادسة، بالإضافة إلى عرض صور وخريطة خاصة بحوادث 8 ماي .1945 وفي ذات السياق قال بخوش رفيق ممثل عن »جناح 8 ماي 1945« أن الهدف من تنظيم هذا المعرض »ذاكرة وانجازات« هو تحسيس الشباب بالدرجة الأولى إلى جانب زرع البذرة التاريخية لدى الطفل الجزائري من خلال الكشف عن المعاناة التي تحملها الشعب الجزائري طيلة 132 سنة من الاستعمار، مؤكدا أن جناحه تضمن خريطة تبرز للزائر بعض المناطق التي شهدت الوحشية الفرنسية ضد الشعب الجزائري الأعزل والذي خرج إلى الشارع الجزائري ضنا منه بأن فرنسا ستمنحه ما وعدته به ألا وهو الحرية، فضلا عن عرض العديد من الصور لمظاهر القمع وكذا المجسم المصنوع من الجبس والذي يمثل الفرن الذي كان متواجد لببلدية »هيليو بوليس« والتي كانت فرنسا تضع فيه الأحياء، حيث شد هذا الفرن انتباه كل الذين مروا بالجناح. مواطنون فخورون ببطولات جيل نوفمبر واعتبرت ليلى ذهبي الممثلة عن جناح »أول نوفمبر 1954« أن المعرض قد استقطب العديد من المواطنين الذين استفادوا من الشروحات المقدمة لهم حول التاريخ والأحداث التي مر بها الشعب الجزائري، مضيفة» المواطن الجزائري متعطش لمعرفة الأحداث التاريخية ما جعل الزائر يستفيد من الإجابة عن الأسئلة الخاصة بالتاريخ الجزائري، مشيرة إلى أن الإقبال كبيرا ومن مختلف الشرائح على غرار النساء والمجاهدين. انتقلنا بعدها إلى جناح »كرونولوجية لسنة 1956« والتي تضمنت شروحات حول 4 محاور أساسية، منها المحور الخاص بالتعريف الجمهور حول الطلبة المسلمين الجزائريين، الهلال الأحمر الجزائري، بالإضافة إلى اللاجئين الجزائريين إبان الثورة التحريرية وأهم محطة ألا وهي مؤتمر الصومام أوت .1956 وما شد انتباهنا هو توافد الزوار على جناح أهم المعارك الكبرى في الولايات التاريخية الستة، حيث أكدت لنا الممثلة عنه مزيني كنزة، إطار بوزارة المجاهدين أن الزائر استفاد من الاطلاع عن تفاصيل هذه المعارك منها معركة الجرف بولاية تبسة والتي دامت 8 أيام ، حيث حققت انتصارا كبيرا وتسجيل عدد كبير من القتلى في صفوف الفرنسيين، معركة »بوكركر« والتي استشهدت الرمز ديدوش مراد، معركة »سيف« في بلاد القبائل ومعركة »البكوش« بولاية المدية إلى جانب معركة »جبل لمزي« ومعركة »بوكحيل«. أما جناح »الصحة والإعلام أثناء الثورة« والمشرف عليه فوزي عابر، حيث يضم العديد من الفضاءات على غرار الاتصالات اللاسلكية أثناء الثورة، وكذا فضاء خاص بالجيش التحرير الوطني والقاعدة الشرقية والغربية في قيادة الأركان وتنظيم الجيش، بالإضافة إلى عملية نقل الأسلحة. جناح الذاكرة يروي جرائم الاستعمار الفرنسي في حق الجزائريين كما تجولنا بجناح »من ذاكرتنا« هذا الأخير الذي يبرز من خلال موضوعاته المختلفة التضحيات الجسام التي قدمها الشعب الجزائري من أجل استرجاع السيادة الوطنية، أما جناح من »جرائم الاستعمار«، حيث يفتح للزائر فضاءات خاصة بالجرائم البشعة واللاإنسانية التي ارتكبها المستعمر الفرنسي في حق الشعب الجزائري منها الإبادة والمجازر وزمن المحتشدات وكذا التعذيب بالكهرباء والماء وتعذيب النساء ، إلى جانب رواق المحكوم عليهم بالإعدام وجناح شهداء المقصلة. كما زار الجمهور جناح »نظرات متقاطعة«، حيث يشمل هذا الأخير عدة فضاءات مخصصة للذاكرة في جميع أشكالها منها نظرة الأطفال والشباب للذاكرة، كما يحتوي على فضاءات وورشات بيداغوجية وترفيهية للأطفال والشباب تتمثل في تنظيم عرض للوحات الزيتية، حيث ستنظم العديد من المسابقات على غرار مسابقة عنوانها أعرف تاريخك وأخرى في الرسم والكتابة، بالإضافة إلى رواق »فيلم وذاكرة« والتي سيتم من خلاله تقديم عروض وأفلام وأشرطة وثائقية حول تاريخ الجزائر وذلك بحضور مخرجين سينمائيين.ووقفنا بعدها في رواق »معرض كاليدونيا« وهو الفضاء المخصص لتاريخ ترحيل الجزائريين إلى معتقلات كاليدونيا الجديدة ومصير أحفادهم. ويبرز المعرض أيضا جناح» الذاكرة ال 50 سنة من بعد« وهو عبارة عن فضاء التكفل الاجتماعي أين تبرز فيه المجهودات المبذولة من طرف الدولة الجزائرية للتكفل بأرامل الشهداء والمجاهدين وذوي الحقوق أي التركيز على المنظومة التشريعية والتنظيمية منذ سنة 1962 إلى غاية 2012 وبناء مراكز التجهيز الأعضاء الاصطناعية وبناء مراكز الراحة الخاصة بالمجاهدين، كما تم عرض المشاريع المستقبلية لقطاع وزارة المجاهدين. كما برز المعرض فضاء خاص بالحفاظ على التراث التاريخي، حيث تعمل وزارة المجاهدين على الحفاظ على الذاكرة التاريخية وترقيتها من خلال المتاحف الجهوية وملحقاتها التي تم انجازها عبر مختلف ولايات الوطن، بالإضافة إلى ترميم وإعادة تأهيل مواقع الذاكرة ومقابر الشهداء ومراكز الاعتقال. ولمعرفة رأي الجمهور حول المبادرة التي قامت بها وزارة المجاهدين في تنظيم معرض »ذاكرة وانجازات«، أكد معظم الزوار أن المعرض فرصة للجمهور للتعرف على مختلف التضحيات الجسام التي قدمها الشعب الجزائري من أجل استرجاع السيادة الوطنية، بالإضافة إلى أنه فرصة لتقدير حجم الجهود التي بذلتها الجزائر المستقلة على مدى خمسين سنة، مطالبين بكثيف مثل هذه المبادرات التي تعد مهمة خاصة لفئة الشباب والأطفال الذين هم متعطشون لمعرفة المزيد عن تاريخ الجزائر، كما دعوا أن تقام مثل هذه المعارض في الأماكن التي تشهد شعبية حتى يتمكن الجمهور من زيارة مثل هذه المعارض. »كاليدونيا: من المنفى النهائي إلى هوية مركبة« وعلى هامش المعرض أدلى أحفاد الجزائريين الذين نفتهم فرنسا الاستعمارية إلى كاليدونيا الجديدة في أواخر القرن ال 19 بشهادات حول المعاناة الجسدية والنفسية التي عاشها أجدادهم بأرض المنفى بالمحيط الهندي. وتميز اللقاء الذي نشطه المؤرخان محمد القورصو ودحو جربال بشهادات مؤثرة طبعتها الكآبة والحنين ولكن بافتخار كبير واعتزاز بالانتماء إلى بلد لم يقبل شعبه يوما الإهانة شعب ما فتئ يدافع عن كرامته. وتطرق المتدخلون إلى التخوف من المجهول والغربة والظروف الصعبة التي ميزت عبور المحيط والشعور بالوحدة والجوع والعراء وإلى سوء المعاملة في كل أبعادها للتعبير عن »الوضع اللاإنساني« الذي فرض على هؤلاء الجزائريين الذين يقارب عددهم 2000 شخص. وأجمع المشاركون في هذا اللقاء التكريمي الذي نظم تحت شعار »كاليدونيا: من المنفى النهائي إلى هوية مركبة« على أن التحدث عن الجزائريين المبعدين وعن غيرهم من بلدان المغرب العربي نحو كاليدونيا الجديدة هو واجب ذاكرة وطريقة للتنديد بالعملية الاستعمارية التي كانت ترمي إلى إبادة الشعوب والقضاء على معالمهم العائلية. وقال في هذا السياق الباحث في التاريخ المنحدر من المبعدين لوي جوسي باربونسون أن الأهم اليوم لا يكمن في تصنيف أشكال الترحيل وإنما التطرق إلى البؤس والمعاناة وسوء المعاملة التي تعرض لها ضحايا هذه العملية. ومن جهته ذكر الطيب عايفا ابن مرحل من الجيل الأول ورئيس بلدية بوراي )جنوب كاليدونيا الجديدة( بظروف ترحيل هؤلاء الرجال متطرقا إلى الحزن الشديد الذي غمرهم متسببا في صمت أليم لدى البعض منهم. كما ذكر بتمسك هؤلاء المنفيين بدينهم و روح التقاسم و التضامن فيما بينهم. وأشار إلى أن تقرب أبناء المرحلين من الجزائر بلدهم الأصلي تم ابتداء من الثمانينات بفضل مقال صحفي تعزز من خلال سلسلة من الحصص التلفزيونية من إخراج سعيد علمي وإنتاج فتيحة سي يوسف. وقال الطيب بتأثر واعتزاز »اليوم نعلم من نحن وإلى أين نتوجه«، مؤكدا أن ذكرى اللقاء من جديد مع بين المبعدين وأقاربهم في مختلف أرجاء الوطن تبقى خالدة في قلوبهم وذاكرتهم.