الحرب على إيران غير واردة استبعد اللّواء المصري المتقاعد والخبير في الشؤون العسكرية والإستراتيجية، الدكتور محمود خلف، في هذا الحديث الذي خصّ به »صوت الأحرار«، نشوب مواجهة عسكرية بين إيران والغرب بقيادة الولاياتالمتحدةالأمريكية، ويُبدي قناعة بأن المجتمع الدولي لن يسمح بأي شكل من الأشكال لطهران بتطوير برنامجها النووي، وأنه سيستمر في الضغط عليها، وبرأيه فإن إيران لن تقدم على غلق مضيق هرمز نظرا لعدم قدرتها على تحمل التبعات في ظل عجزها العسكري خاصة في ما يخصّ نظم دفاعها الجوّي، كما شدّد على أن أكبر المستفيدين من التجاذبات الحاصلة هما الولاياتالمتحدة وإسرائيل . تصاعدت حدّة التوتر في الفترة الأخيرة بين إيران وعدد من الدول الغربية وفي مقدمتها الولاياتالمتحدةالأمريكية، على خلفية تهديد طهران الجدي بغلق مضيق هرمز أمام الملاحة البحرية وما سبقها من استعراض عسكري إيراني، إلى أين تتوقعون أن يصل هذا الاحتدام أمام تزايد احتمالات المواجهة المباشرة؟ إذا كنت تقصد بالمواجهة المباشرة، المواجهة العسكرية، فأنا أستبعد تماما أن تكون هناك مواجهة عسكرية بين إيران وبين التحالف الغربي بقيادة الولاياتالمتحدةالأمريكية وبريطانيا وفرنسا، لأن قضية الضغط على إيران لا تستوجب العمل العسكري الذي أرى أنه غير مرغوب فيه من كل الأطراف. وما عدى ذلك فأنا أرى أن كل التهديدات باستخدام القوة هو عمل استعراضي فقط من جانب إيران ومن الجانب الآخر أيضا، لكن يجب علينا أن نفهم شيئا، ففي التحليل الاستراتيجي، هناك دائما هامش خطأ بالنسبة للتفكير الاستراتيجي لأي طرف من الأطراف، وهذا الهامش وارد هنا، حيث يمكن لأي طرف الاتجاه نحو الخيار الذي نتكلم عنه. أجرت القوات البحرية الإيرانية مناورات بحرية في مضيق هرمز، جربت خلالها العديد من الصواريخ بعيدة المدى، وقالت إن المناورات جاءت لتأكيد سيطرتها وإحكامها على مضيق هرمز الذي شهد المناورات، فهل إيران قادرة فعلا على تحمل مسؤولية غلق المضيق؟ في الحقيقة غلق مضيق هرمز بعمل عسكري يُعدّ عملا متهورا وغاية في الخطورة، لأن مجرّد تعريض الملاحة للخطر في المضيق حتى باستخدام زوارق صغيرة، يمكن أن يعطي إشارة خطر بعدم عبور المضيق، ما يعتبر عملا من أعمال الحرب، وليس بالضرورة أن تستخدم إيران قوات بحرية كبيرة للقيام بذلك، لكن فكرة إرسالها ولو زورقا واحدا وتقول أن المضيق مغلق بقوة عسكرية، فهي بذلك تقطع ممرّا مائيا دوليا، طبقا للقانون الدولي وقوانين الملاحة البحرية وحرية المرور في الممرات الدولية، وستوجه ضربة عسكرية ضد طهران، وعلى العموم فإن فكرة استخدام القوة العسكرية هنا ليست هي المهمة، بل المهم هو القرار السياسي حول غلق المضيق. حذر مسؤولون إيرانيون دول الخليج من مغبة تعويض صادرتها النفطية في حال فرضت عليها عقوبات نفطية، وهو ما تتمّ دراسته جديا، حيث قالت إيران إن ردة الفعل قد تكون غير متوقعة، ماتعليقكم؟. المسؤول الإيراني الذي تحدث هنا، لا يعرف أساسا ردة الفعل التي ستقوم بها بلاده، لأنه يقول أنها غير متوقعة، لذا لا توجد أيّة خيارات أمام إيران في حال بدأ تطبيق العقوبات عليها خاصة منها التي تتعلق بحضر نفطها، وعليه فأنا أرى أن إيران لن تقوم بشن الحرب ضد الدول الخليجية، ولن تفعل شيئا حيال ناقلات النفط القادمة من دول الخليج والتي تعبر مضيق هرمز، أمام انعدام الخيارات المتاحة لها، غير أنه لو قامت الأخيرة مثلا بقصف ناقلات النفط الخليجية، فذلك يُعدّ عملا أخرقا وأسوء من غلق مضيق هرمز. وإذا رجعنا للحديث عن ذلك التصريح، فأقول أننّا متعوّدون على هذا الأسلوب في الحديث من »الفُرس« الذين أرى أنهم لا يفهمون في معادلة العلاقات الدولية، لأنه لا توجد أية دولة في العالم تبدأ في التعاطي مع الأمور بالتهديد باستخدام القوة. في اعتقادكم هل تقدر إيران على التصدي لأي هجمة محتملة ومجابهة القوة العسكرية للغرب في حال شنت عليها الحرب، استنادا إلى ما تملكه من منظومة عسكرية، خاصة منظومة الدفاع الجوي؟. لو تكلّمنا عن إمكانيات إيران العسكرية الحقيقية، فقد يكون ذلك مفاجأة للبعض، فالصناعات الإيرانية العسكرية محدودة تماما، وإيران لا تملك أي منظومة دفاع جوي بأي حال من الأحوال ويمكن اختراق مجالها الجوي بسهولة، كما أن جميع أسلحة إيران في هذا المجال هي عبارة عن أسلحة روسية من طراز قديم، زيادة على عدم امتلاك إيران نظاما للقيادة والسيطرة قادر على إدارة الدفاع الجوي وتوجيه الصواريخ، لكن لا الولاياتالمتحدة ولا إسرائيل تقران هذه الحقيقة، لأن هناك مصلحة لإسرائيل في أن تبالغ حول الخطر الإيراني، وهي تستفيد بالحصول على تسليح أكثر ودعم أكثر من الولاياتالمتحدة، وهذه الأخيرة لا تستطيع أن تقول أن الخطر الإيراني محدود لأنها ستخسر صفقات أسلحة تقدر بملايير الدولارات، أما فكرة إيران المخيفة، فقد جعلت الإيرانيين يتصورون أن لديهم تلك القدرة فعلا، إضافة إلى أن إيران لا تملك قدرات تؤهلها لإنتاج أسلحة لطالما تحدّت عنها، وكل ما تفعله هو إدخال تعديلات على أسلحة قديمة تمنحها إياها كوريا الشمالية، وهي مسألة معروفة جدا، أمّا إذا تكلمنا عن الحرس الثوري الإيراني أو قائد الحرس الثوري أو الأجهزة العسكرية الإيرانية، فللعلم أن هؤلاء ليسوا خرّيجي كليات عسكرية عريقة ولم يحصلوا على تدريبات رفيعة المستوى ولم يحضروا أبدا مناورات دخلوا بها حربا، إنما كما نعلم جميعا، أن كل الأسماء التي تتحدث عن القوة العسكرية لإيران، لا نجد بينهم شخصية عسكرية معروفة لها ثقل أو وزن، لذا وفرضا لو امتلكت إيران السلاح المتطور، فإنها لا تملك القادة على المستوى الإستراتيجي. الأكيد أن المستهدف في نهاية المطاف يبقى البرنامج النووي الإيراني، إلى أي مدى يمكن أن ينفذ الغرب تهديداته بتوجيه ضربة عسكرية للمنشآت الإيرانية خاصة وأن طهران اتهمت مؤخرا واشنطن وإسرائيل بالوقوف وراء حملة اغتيالات استهدفت علماءها النوويين؟ القضية هنا استخباراتية، ولا يمكننا أن نؤكد أو ننفي ضلوع الولاياتالمتحدةالأمريكية وإسرائيل في عمليات اغتيال علماء نوويين إيرانيين، لكن المعروف أن التاريخ الإسرائيلي موسوم بأعمال من هذا النوع، هذا من جهة، ومن جهة أخرى، فموضوع توجيه ضربة للمنشآت النووية الإيرانية مستبعد، لأن حجم التهديد الإيراني محدود حسب ما قلته سابقا، وما تفعله إيران هو أنها تتلاعب بالوقت في سعيها لكسب المزيد منه، حتى تصل لنقطة اللاّعودة في برنامجها النووي، وهو ما لن يسمح به الغرب الذي سبق له وأن عطّل النظام التكنولوجي للبرنامج النووي الإيراني، ولكن للأسف فإن هذا الصراع تستفيد منه إسرائيل التي تتحصل على أحدث ما توصلت إليه تكنولوجيا التسلح من الولاياتالمتحدة بسبب إيران. فرضا لو قرّرت الإدارة الأمريكية توجيه الضربة العسكرية لإيران، كيف تتوقعون انعكاسات خطوة من هذا القبيل على المنطقة ككل؟ في حال توجيه ضربة عسكرية لإيران، وهو ما لا أتوقعه، فسيقتصر ذلك على استهداف المفاعلات والمنشآت النووية الإيرانية لإعادة البرنامج إلى نقطة الصفر، في المقابل ستعمل إيران على خلق مزيد من الفوضى، حيث من الممكن أن توجه ضربات صاروخية لنقاط قريبة منها في منطقة الخليج، كما أنه من الممكن أن تخلق صراعا عسكريا آخر بين حزب الله وإسرائيل، وهو أقصى ما يمكن لطهران فعله، أمام تطور المنظومة الجوية للغرب، وضعف منظومة دفاعها الجوي التي ترجع إلى فترة الثمانينيات، والتي لا تؤهل إيران للمجابهة والصمود أمام أي شكل من أشكال الهجوم ضدها، وحتى أمام مستوى تكنولوجي أقل مما يحوزه الغرب. أبدت واشنطن مؤخرا قلقها حيال ضربة محتملة تشنها إسرائيل على إيران، حسب ما جاء في تقارير لصحيفة أمريكية، أتعتقدون أن باستطاعة إسرائيل تنفيذ ضربة منفردة؟ إسرائيل تدّعي ذلك للضغط على الولاياتالمتحدة فقط، والعكس يعني إعلان الحرب على إيران، ما سيوقع إسرائيل في مشكلة كبيرة مع معظم الدول العربية، فالمشكلة هنا ليست متعلقة بتوجيه الضربة العسكرية أو إمكانية التنفيذ، بل هي متعلقة بالتداعيات التي ستكون كبيرة على المنطقة وعلى إسرائيل التي ليست أصلا في حالة سلام مع الدول العربية التي من بينها مصر نظرا لأن السلام الذي بينها وبين الأخيرة هو سلام يأتي في حدود الاتفاقية، لذا فاستعداد إسرائيل لدخول حرب وفتح جبهة مع إيران، يعني أن قواتها المسلحة وإمكانياتها العسكرية سيتم استنفارها، وهنا لا أعتقد أن مصر ستسمح بهذه الاستعدادات والآلة الحربية الدائرة على مقربة منها، حيث ستقوم هي الأخرى باستنفار الجيش ووضعه في حالة الاستعداد تحسبا لأي أمر غير متوقع، ما يجعل الأمور تزيد حدة خاصة وأن الجبهة المصرية الإسرائيلية تعدّ جبهة ساخنة، وهذا أمر تضعه إسرائيل في الحسبان، لذا فأنا أقول أن تهديد إسرائيل هو مجرد حديث للاستهلاك المحلي، وفي النهاية لا أتصور عملا بهذا الحجم من طرفها، لأنها ليست قادرة على تحمل التبعات السياسية لذلك، وأضيف أن إسرائيل لن تفعل أي شيء، دون دعم من الولاياتالمتحدةالأمريكية، خاصة وأنه في منطقة النقب الجنوبي توجد وحدات »إكس باند« وهي نظم صاروخية متطورة للدّفع الصاروخي، زيادة على وجود فرقة عسكرية أمريكية في إسرائيل لحمايتها من أية ضربة متوقعة من إيران. بين الفترة والأخرى يؤكد مسؤولون إيرانيون توصلهم لسلاح جديد ومتطور، هل يعد ذلك مجرد كلام؟ هذا كلام يفتقد للمصداقية طبعا، وهو خيار زائف وحديث زائف من قبل المسؤولين الإيرانيين، فالتوصل لسلاح جديد ليس بالعمل السهل أو الهين، وتكنولوجيا التسلح لها قواعد ولها نظام وهي محصورة في مناطق معروفة ومحددة، إضافة إلى أن إيران لا تملك الكوادر العسكرية المؤهلة، وحول نظم الصواريخ التي تملكها، وهي صواريخ كورية معروفة، فإن الصاروخ الواحد منها يحتاج لثلاثة أيام حتى يعد للإطلاق، زيادة إلى أن نظم حمل هذه الصواريخ وتكنولوجيا الدفع التي تطلقها بسرعة ليست موجودة في إيران وتقتصر فقط على أربعة دول حتى يومنا هذا، وهي فرنسا وروسيا والولاياتالمتحدة والصين، لأنها تكنولوجيا جد متطورة. كيف تفسرون دخول رادار الدرع الصاروخية للناتو الخدمة في هذا الوقت بالذات؟ رادار الدرع الصاروخية، هو نظام موجود منذ زمن في الولاياتالمتحدة التي تعمل على نشره، حيث أن هذه الشبكة تعطي نظم إنذار لأي صاروخ في مناطق التحالف، ولقد تم وضع هذا النظام في تركيا باعتبارها عضوا في حلف شمال الأطلسي »الناتو«، وهي في الأخير لعبة سياسية من شأنها تحقيق بعض المصالح للحلفاء، كما أن دخول الدرع الخدمة يأتي في إطار ممارسة الضغوط على إيران، علما أن المنظومة تتمتع أيضا بقدرات تكنولوجية عالية تستطيع منع أي نظم صاروخية مهما كانت متطورة من مغادرة الأراضي الإيرانية، وكل ذلك هو في إطار لعبة استراتيجية واسعة النطاق، مع تزايد الصراع على ما يسمى بقلب العالم الجديد أو الشرق الأوسط، وهو صراع استأنفته الولاياتالمتحدة في عهد الرئيس »بوش« بعد إعلانه الحرب على العراق الذي كان أكبر حائط صد عربي لإيران. الدكتور محمود خلف في سطور 1964: تخرج من الكلية الحربية »مصر« 1965- 1967: انضم لقوات الصاعقة بالجيش المصري وشارك في حرب اليمن 1967- 1970: عاد لمصر ليشارك في حرب يونيو »جوان« وحرب الاستنزاف 1973: شارك في حرب أكتوبر لتحرير سيناء 1974- 1984: عيّن قائدا القوات الخاصة المصرية 1984- 1994: قائد كتيبة بالجيش المصري 1994- 1999: عين قائدا للحرس الجمهوري المصري 1999- 2001: عين محافظا للأقصر »مصر« متحصل على شهادة دكتوراه من أكاديمية ناصر العسكرية العليا سنة 1980 »مصر«، ويشغل حاليا منصب مستشار بأكاديمية ناصر العسكرية العليا منذ 2001، وهو مستشار أيضا بالمركز القومي المصري لدراسات الشرق الأوسط، بالإضافة إلى كونه خبيرا في الشؤون العسكرية والإستراتيجية.