استمتع سهرة، أول أمس ،جمهور قاعة « ابن زيدون» برياض الفتح بأداء الجوق الجهوي للعاصمة رفقة الفنانة دليلة مقدر في السهرة الافتتاحية للطبعة الثامنة من المهرجان الدولي للموسيقى الأندلسية والموسيقى العتيقة الذي كرم بالمناسبة الاخوة الفخارجية محمد وعبد الرزاق الذين ساهما في ترقية الموسيقى الأندلسية والحفاظ على موسيقى «الصنعة» حيث تتلمذا على أيديهما العديد من الأجيال. وأطربت الفرقة التي أشرف عليها مقداد زروق خلال سهرة الافتتاح جمهور قاعة» ابن زيدون» برياض الفتح بوصلات موسيقية مستقاة من التراث الأندلسي الأصيل، حيث استمتع الجمهور بمختلف المقاطع التي قدمتها الفنانة دليلة مقدر رفقة الجوق حيث أديا نوبة مايا التي استهلت ببطايحي «الحب» وانصراف «يا لون العسل» ومصدر»أما نفتكر» لتختتم بخلاص «هذا الغرام». وحضر الحفل أحد حفيدات عائلة الفخارجية, نوال فخارجي ، حيث بدت متأثرة بهذا التكريم اذ عبرت عن سعادتها الغامرة لكون محمد وعبد الرزاق فخارجي «أيقونة» في الموسيقى الأندلسية الجزائرية وكذا لأدائهما دورا مهما في نهضة موسيقى «الصنعة» في القرن .20 وتعمل السيدة فخارجي على تأسيس جمعية تحمل اسم «ألوان الأندلس» لتواصل هي الأخرى على درب عائلتها في المحافظة على التراث الأندلسي الأصيل سعيا منها كذلك لتكريم من ساهموا في ترقية هذه الموسيقى العتيقة, حسبما أكدته في تصريح صحفي. ونشط الجزء الثاني من السهرة فرقة «الكندي» السورية التي غاب عنها عازف القانون وقائد الفرقة جلال الدين فايس حيث قدمت ابتهالات دينية مستوحاة من التراث الدمشقي الأصيل. للإشارة ،وُلد عبد الرزاق الفخارجي في مدينة الجزائر. تعلم الموسيقى مثل شقيقه الأكبر محمد الفخارجي من البوابة الدينية و»الحَضْرَات» التي كانت تُقام في ضريح سيدي عبد الرحمن الثعالبي حيث كان من المُداومين عليها منذ صغره وبفضل الدروس التي تلقاها من شقيقه محمد، شرع عبد الرزاق في العزف على آلة الكمان آلتو في سن مبكر. التحق عبد الرزاق الفخارجي بجمعية «الأندلسية» سنة 1929حيث كان كلٌّ من شقيقه محمد الفخارجي واللجام والمْعَلَّمْ بوشعرة يقدمون دروسا في الموسيقى. تعلم هناك الكثير باحتكاكه بهذا الأخير الذي اشتهر بكرمه من حيث تبليغ معارفه الموسيقية الخاصة بفن «الصنعة» لتلامذته دون حسابات أنانية. وقد أصبح المْعَلَّمْ بوشعرة لاحقا الأستاذ الأساسي لجمعية «الموصلية» منذ تأسيسها سنة ,1932 وترك لنا تسجيلات بالغة الأهمية توفر الكثير من المعلومات للباحثين عمَّا كان عليه فن «الصنعة» في عهده. في ,1930 انتقل عبد الرزاق الفخارجي إلى جمعية «الجزائرية» وكانت مجالستُه لأساتذتِها وشيوخِها الكبار فرصةً لصقل موهبته وإثراء معارفه الموسيقية. ومن بين هؤلاء الأساتذة نذكر: محمد ابن التّفَّاحِي ، محمد الفخارجي ومحي الدين الأكحل...إلخ. التحق عبد الرزاق سنة 1931بالجوق الذي أسسه شقيقه محمد الفخارجي، ثم سرعان ما خلفه على رأس هذا الجوق سنة 1946 . الجوقٌ أصبح من بين العازفين فيه لاحقا مجموعة من الفنانين اللامعين على غرار عبد الكريم مْحَمْصَجِي وحَمِّيدُو جْعِيدِيرْ والزُّبَيْرْ كَاكَاشِي قبل ان يلتحق بهم محمد البحَّار في وقت لاحق. غير أن نشاطه الفني سرعان ما توقف سنة 1933 ليعود عبد الرزاق مجددا إلى الموسيقى تعليمًا وممارسةً حيث قدَّم دروسًا في فن «الصنعة» وأحيى الحفلات وغنى في إذاعة «راديو الجزائر استأنفت جمعية «الجزائرية» نشاطها سنة 1946 حيث كان عبد الرزاق الفخارجي أبرز أساتذتها المدرسين، وأيضا بتأسيس أوركسترات «راديو الجزائر»، وفتح أقسام جديدة لتعليم الموسيقى الجزائرية في المعهد الموسيقي لمدينة الجزائر. التحق عبد الرزاق الفخارجي بالجوق الخاص بموسيقى «الصنعة» في محطة «راديو الجزائر» الذي كان يرأسه شقيقه محمد الفخارجي، وبرز هناك كمغن أدَّى العديدَ من القطع التراثية على الهواء مباشرة، إضافة إلى مرافقته العديد من كبار الفنانين عزفًا ضِمْنَ نفسِ الجوق... ولا تزال بعض التسجيلات التي تعود إلى هذه الفترة محفوظة في أرشيف الإذاعة الجزائرية إلى اليوم تشهد عن مساره المتميز وقدراته الفنية التي لا غبار عليها. وبعد وفاة محمد الفخارجي سنة ,1956 أُسْنِدَتْ رئاسةُ جوق «الصنعة» الخاص بمحطة «راديو الجزائر» مباشرة إلى عبد الرزاق وبقي يمارس هذه المسؤولية الفنية إلى غاية حلِّ هذا الجوق سنة .1963 ولم يلتقِ أعضاء هذا الجوق الكبير الخاص بفن «الصنعة» كلّهم، مثلما كان يحدث في السابق، وخلال الفترة الممتدة من 1963م و1970 في نشاطات فنية إلا في مناسبات غير مُنَتَظَمَة على غرار المهرجانات الموسيقية والتسجيلات التي كانت تُنَظَّمُ للتلفزيون. في سنة 1981 ، تأسست جمعية «الفَخَّارْجِيَّة» تخليدا للدور الكبير الذي لعبه الأخوان الفخارجي في نهضة موسيقى «الصنعة» خلال القرن .20 وأَسْنَدَ المؤسِّسون الرئاسةَ الشَّرفية لعبد الرزاق الفخارجي ،لهذه الجمعية حيث تَوَلَّى التدريسَ في القِسمِ الأعْلى للجمعية إلى أن وافته المنية سنة 1984 بمدينة الجزائر.