انطلقت أمس بجزيرة مارغريتا الفنزويلية أشغال القمة الثانية لدول إفريقيا وأمريكا اللاتينية بمشاركة ممثلي ستين دولة منهم عشرون رئيسا بينهم رئيس الجمهورية عبد العزيز بوتفليقة، ويسعى المشاركون إلى الخروج بإعلان اليوم يتضمن قرارات عملية من أجل تجسيد التعاون بين دول الجنوب لمواجهة التحديات التي تفرضها المرحلة. مبعوثنا إلى مارغريتا: نجيب بلحيمر القمة التي افتتحت بعد ظهر أمس كانت رئاستها مشتركة بين الرئيس الفنزويلي هوغو شافيز عن الدولة المضيفة ورئيس الإكوادور رفائيل كوريا بصفته الرئيس الحالي لاتحاد أمم أمريكا الجنوبية، تأتي في ظل أزمة عالمية خانقة بدأت آثارها تطال الدول النامية، وقد كانت هذه المسألة موضع نقاش في الجمعية العامة للأمم المتحدة في دورتها الرابعة والستين، حيث كان التركيز على ضرورة إيجاد حلول جذرية من خلال إعادة صياغة النظام الاقتصادي العالمي وضبط قواعد التعاملات التجارية والمالية وبناء علاقات اقتصادية دولية أكثر عدالة وإنصافا، وقد ركز الرئيس بوتفليقة، الذي وصل إلى مارغاريتا مساء الجمعة للمشاركة في أشغال القمة، في خطابه أمام الجمعية للأمم المتحدة على ضرورة إعادة بناء النظام الاقتصادي العالمي على أسس جديدة، وطالب بمساعدة الدول النامية على تجاوز هذه آثار الأزمة بدل تحميلها أعباء وضع لم تكن مسؤولة عن حدوثه. وكان الرئيس الفنزويلي هوغو شافيز قد صرح لدى زيارته الجزائر في بداية شهر سبتمبر الجاري أنه والرئيس بوتفليقة متفقان على أن لا تكون هذه القمة مجرد قمة أخرى لإلقاء الخطب و توقيع الوثائق المحضرة مسبقا والتي لا يكون لها أي تأثير على واقع شعوبنا، وأضاف بعد لقاء مع بوتفليقة، قدم له خلاله دعوة لحضور القمة »إننا نريد أن يتغير ذلك، لقد قدم لنا الرئيس بوتفليقة، الذي يتمتع بتجربة كبيرة، اقتراحات فيما يخص المنهجية الواجب اتباعها خلال هذه القمة«، وهو ما يؤكد السعي إلى الخروج بقرارات عملية في هذه القمة تؤكد عودة خيار التعاون بين دول الجنوب لمواجهة حالة عدم التوازن التي تعتري النظام الاقتصادي العالمي. ولا يتوقف العمل على الصعيد الاقتصادي فحسب بل يمتد إلى المستوى السياسي، فهناك مطالب من بعض دول الجنوب، مثل البرازيل، بإصلاح مجلس الأمن الدولي وإعطاء العضوية الدائمة لمزيد من الدول، في حين هناك اقتراح آخر، يتبناه الاتحاد الإفريقي ويقوم على إعطاء الأولوية لتوسيع مجلس الأمن من خلال ضم الاتحادات القارية إليه بدل الدول، وستكون هذه المسألة حاضرة في القمة أيضا حيث سيجري بحث سبل تنسيق المواقف بين دول إفريقيا وأمريكا الجنوبية من أجل التوصل إلى موقف موحد على الصعيد السياسي من أجل تعزيز دور دول الجنوب على الساحة الدولية، ويتعلق الأمر أيضا بإصلاح الجمعية العامة للأمم المتحدة وإعطائها دورا أكبر في تسيير ومعالجة القضايا الدولية. وحسب عبد القادر مساهل الوزير المنتدب المكلف بالشؤون الإفريقية والمغاربية فإن هذه القمة تأتي والعالم في حالة تغير عميق وسريع وفي ظل تفاقم أزمتين أساسيتين الأولى هي أزمة الغذاء العالمية والثانية هي الأزمة المالية والاقتصادية، وهذه الظروف تحتم على دول الجنوب تكثيف التشاور من أجل مواجهة التحديات التي تفرضها المرحلة، وقال مساهل في تصريحات للصحافة الجزائرية عشية القمة »إن المطلوب هو التوجه نحو إعادة بناء النظام الاقتصادي العالمي على أسس جديدة، وإصلاح الأممالمتحدة، بما يسمح بإرساء قواعد نظام يعكس حقيقة تعدد الأقطاب القائمة على الأرض«، أما المسألة الأخرى التي يجب أن تطرح فهي التغيرات المناخية حيث أن إفريقيا وأمريكا اللاتينية تمتلكان أهم المناطق في العالم من حيث التنوع الحيوي حيث هناك غابات الأمازون في أمريكا اللاتينية وحوض الكونغو في إفريقيا، ثم إن آثار التغيرات المناخية بدأت تطال دول الجنوب التي لا تتسبب في هذه التغيرات، وخاصة القارة الإفريقية، وتمثل القمة فرصة هامة من أجل توحيد موقف دول الجنوب من هذه المسألة قبل شهرين من انعقاد القمة العالمية حول المناخ بالعاصمة الدنماركية كوبنهاغن. ويشير مساهل إلى تناقض لافت يتمثل في كون إفريقيا وأمريكا اللاتينية تمتلكان أكثر الأراضي خصوبة في العالم ومع ذلك فإنهما تعانيان من أزمة غذاء متفاقمة، وهو ما يحتم التركيز على التعاون في مجال الزراعة وما يحيط بها من صناعات ملحقة بها، وهذا ما سيمثل المحور الثالث في أعمال القمة، كما سيتم بحث المسائل المتعلقة بمكافحة الإرهاب، وتسعى الدول الإفريقية إلى تعميم القرار الصادر عن الاتحاد الإفريقي حول تجريم منح الفدية لتحرير الرهائن الذين يختطفهم الإرهابيون على اعتبار أن الفدية أصبحت من أهم مصادر تمويل الإرهاب، وحسب مساهل فإن الجزائر تتجه نحو التأكيد على هذه المحاور الأساسية التي من خلالها يمكن جعل قرارات هذه القمة فعالة. ورغم وجود مشاريع مثل إنشاء بنك للجنوب ووضع عملة بديلة عن الدولار وإنشاء صندوق الجنوب، فإن القمة لا تطمح إلى تحقيق هذا السقف المرتفع الذي لا يحقق الإجماع ولا تتوفر الإمكانات لبلوغه، ويشير وزير الخارجية مراد مدلسي إلى أن الأهم الآن هو الاستفادة من التجارب التي تحققت، حيث أشار إلى أن هناك مجالات كبرى للتعاون حيث تملك دول أمريكا الجنوبية تجارب متميزة في ميادين الزراعة والصناعة التي يمكن أن تكون ميدانا لتجسيد هذا التعاون بين دول الجنوب. وتمثل قمة إفريقيا وأمريكا الجنوبية أهم مظاهر إحياء التعاون بين دول الجنوب بعد فتور استمر لأزيد من عقدين من الزمن، فقد أدى انهيار المعسكر الشرقي وعولمة الرأسمالية إلى تغييب استراتيجيات بديلة، غير أن الأوضاع الاقتصادية المتفاقمة أعادت إلى الواجهة بعض الخيارات "الثورية" التي تعتبر صيغا معدلة من أنماط الكفاح السياسي والاقتصادي الذي خاضته دول الجنوب في ستينيات وسبعينيات القرن الماضي.