يمتعنا جل وعلا بأسماعنا وأبصارنا وقوتنا، جلها أو بعضها في حالة الابتلاء والامتحان ويهدينا النجدين ويوفر لنا الدعاء ويعدنا بالاستجابة لكل ما هو خير قد لا نحصيه أو نتغافل عن الشعور بفضله. وندعوه رغبة ورهبة، خوفا وطمعا، فنسأله النصر على الأعداء ونرجوه أن لا يسلط علينا من لا يرحمنا ونتضرع له أن يغفر الذنوب، وأن يفرج الهموم وأن يقضي الديون وحوائج الدنيا والآخرة. ومن فضله علينا سبحانه وتعالى أن يتيح لنا الفرصة لنيل موجبات رحمته وعزائم مغفرته والسلامة من كل إثم، والغنيمة من كل بر، والفوز بالجنة والنجاة من النار. من بين أهم هذه الفرص وأزكاها فرصة الصيام الذي هو الله وحده والذي يجزي عنه أحسن الجزاء، لقد حل علينا شهر رمضان ضيفا عزيزا مباركا وبقي بيننا أيامه المعدودات بثلاثيته المنفعية ليطهرنا بالرحمة فالمغفرة فالعتق من النار من أدران وآثام كان الكثير منا قد اقترفها عمدا أو سهوا جاهلا أو عالما قهرا أو اختيارا وها هو الشهر الفضيل قد ولى من حيث أتى مشافى معافى بالرغم مما حمل من همومنا ومظالمنا جورنا وحيفنا ومما اقترفنا من ذات اليمين ومن ذات الشمال. راح ... على أن يغدو دون أن ينال منه العجز أو التعب أو الملل أو إحباط يصيبه أو اكتئاب أو فتور يؤخر آجاله، لكنه لم يجد الكثير منا سواء ممن استغلوه استغلالا طيبا ووظفوا أيامه آناء ليلها وأطراف نهارها لنيل رضا المولى عز وجل، أو من أولئك الذين ختم الله على قلوبهم وعلى أبصارهم غشاوة، لم يتفطنوا، فلم يتدبروا في الأمر شيئا، أنهم قد ظلموا أنفسهم بما امتدت إليه أيديهم أو مشت إليه أرجلهم أو قذفت به ألسنتهم من همز ولمز فتبوا وكان مصيرهم الخسران المبين . أولئك الذين اخترقوا قدسية الشهر الفضيل، بعدم احترامهم لمكارمه ومحامده، فتمادوا في اقتراف المعاصي والوقوع في زلل المحرمات من منكرات وموبقات وكبائر، فحبطت أعمالهم وهم لا يدرون أو أنهم يدرون ولا يلوون، فخسروا الدنيا والآخرة، وأنهم لصالوا الجحيم لأن مأواهم النار لتسجيلهم في ديوان الشر، ذلك أنهم يأتوا يوم القيامة وكتابهم وراء ظهورهم، فما ينالون إلا الهلاك وسوء العاقبة. أما الذين اتخذوا العمل الصالح سبيلا لتصرفاتهم ومثوى لسلوكاتهم سواء مع الخالق أو اتجاه المخلوق، فإنهم الأبرار الذين هم في عليين ممن دونت أسماؤهم على صفحات ديوان الخير فيأتوا وكتبهم بيمينهم . إنهم الذين ساروا وفق المنهج الذي رسمه لنا المولى جلت قدرته في معالجة مشكلاتنا وتقديم الحلول المناسبة ضمن ضوابط منهجية لا تقبل الخلل وتأبى التأويل توجيها وتسديدا وتحذيرا وإرشادا . إذا كان من المفروض أن تكون شوارعنا شعورنا، مشاغلنا، شرائعنا، شعائرنا، وشعارنا، فالأمر في هذا رمضان عرف منحنى تصاعديا خطرا نحو الجريمة وبخاصة تجاه الوالدين وذوي الأرحام . فالإشكالية على هذا الشكل صارت مركزية وعميقة تصب في موازنة المجتمع بين الصحبة الطبية منها، و المشينة السيئة، وبين هذا وذاك طوبى للذين آمنوا وعملوا الصالحات... !؟