كاتب الدولة الأمريكي جون كيري سيزور الجزائر غدا، ومنذ الإعلان عن هذه الزيارة والحديث كله منصب عن موقف واشنطن من الانتخابات الرئاسية في الجزائر، وفي لحظة تخيلنا أن الزائر هو من يحدد مصيرنا، وأن موقف أمريكا سيكون قدرا لا يمكن رده. الذين يناصرون الرئيس المترشح يتخذون من الزيارة دليلا على المكانة التي تحتلها الجزائر بين الأمم، وهم في أغب الأحيان يسكتون عن قراءة صحافيين وسياسيين لهذه الزيارة والتي تعتبر أن القوة العظمى تدعم بقاء بوتفليقة في الحكم، وأن توقيت الزيارة يغني عن كل تحليل. ورغم أن هذه القراءة تبدو متناقضة مع خطاب السيادة فإن السكوت عليها يوحي بشيء من الرضا عن الدعم الحاسم الذي قد تقدمه القوة العظمى للرئيس المترشح. في المقابل يقول معارضو الرئيس المترشح وخصومه، إن الزيارة تغلق الانتخابات وتجعلها مجرد مسرحية، ولا يقدم هؤلاء دليلا مقنعا، وحتى التركيز على توقيت الزيارة فيه كثير من التجاهل لكيفيات تحضير زيارات رسمية على هذا المستوى، والأرجح أن الزيارة تمت برمجتها قبل أن يفصل بوتفليقة في أمر ترشحه، ومن هنا وجبت قراءة الحدث من زاوية أخرى. أمريكا لديها مصالح في الجزائر وفي غيرها، وتأثيرها في الانتخابات في أي بلد لا يتطلب زيارة رسمية، بل على العكس من ذلك تماما قد يتطلب التأثير مزيدا من التخفي والابتعاد عن المشهد في هذا الظرف بالذات، وهذا لا يعني أنها لا تهتم ولا تسعى للتأثير فيما يجري في بلادنا، لكن من المهم أن تدرك مختلف الأطراف في الجزائر أن أمريكا لا تصنع المستقبل ولا تتحكم فيه. نعم هذه الدولة العظمى قادرة على التأثير، لكن قدرتها لها حدود، وإدارة باراك أوباما تحديدا تميل إلى مزيد من التكيف مع ما يجري من تحولات داخل البلدان التي تقع في دائرة اهتمامها، والمرونة التي تشهدها السياسة الأمريكية في المنطقة العربية المضطربة، والتغيرات التي تطبع السلوك الأمريكي، كلها مؤشرات تدعونا إلى مزيد من الشجاعة لنقرر مصيرنا بأيدينا، فالشعوب التي تعرف كيف تحل مشاكلها وتسير أوطانها ستزيد مناعتها في مواجهة التدخل الأجنبي.