انتشرت مؤخرا ظاهرة إحياء الأعراس بالمدائح ، لما تبديه من مظاهر للحشمة و الالتزام، حيث تكوّنت فرق تؤدّي هذا النّوع من الأغاني الذي يستحسنه بعض المواطنين بينما لا يميل إليه آخرون.. أغاني المديح أو ما يعرف بالمدائح نوع من أنواع الغناء الذي لا يعتمد على الموسيقى الصّاخبة ولا تستعمل فيه الإيقاعات الموسيقية باستثناء الدّف أو الطّبل، وتكون الكلمات فيه منتقاة بشكل حريص وغالبا ما تكون دينيّة، ما جعل الكثير من العائلات الجزائريّة المحافظة تقبل على هذا النوع من الأغاني. تنشّط أعراس الجزائريّين غالبا من طرف منسّقي الأغاني أو ما يسمّى »ديسك جوكي« الّذين يحيون الحفل أو العرس بمجموعة من الأغاني المتنوّعة والرّاقصة، كما أن هناك أعراس تقام بحضورآلات موسيقيّة وفنّانين، الأمر الّذي لا يستحسنه الكثيرمن العائلات المحافظة التي راحت تبحث عن بديل لإقامة أفراحها بأغاني المدائح أو بجلب فرق تخصّصت بتنشيط هذا النّوع من الأغانيوغالبا ما تكون نسائيّة. »فرقة الغالية« واحدة من الفرق النسائيّة التي تؤدّي أغاني المدائح بالأعراس وتستعمل الطّبل والبندير، وكلمات الأغاني التي تؤديها تكون إمّا دينيّة أو تمدح فيها العروس وأهلها، »نصيرة« إحدى المغنّيات بالفرقة قالت بهذا الشأن »العديد من العائلات الجزائريّة أصبحت تفضّل أغاني »نظيفة« تبتعد عن تلك الموسيقى الصّاخبة والكلام الذّي يخدش الحياء، فتلجأ إلينا لنحيي العرس بالدّف وكلمات من التّراث تلتزم بمبادئ الحشمة والوقار، وهذا لا يمنعنا من تلبية جميع الأذواق لكن بطريقة محافظة« من جهتها نادية منسّقة أغاني »ديسك جوكي« تحدّثت عن الموضوع »قمت بإدراج أغاني المدائح في برنامجي نظرا للطّلب المتزايد عليها، وعند إحيائي للعرس أنتقي الأغاني على حسب الطّلب، ومؤخّرا ذاع صيت المدائح بشكل كبير، لأنّها أيضا لا تستثني الفرجة والمتعة إذ أصبح يطغى عليها الإيقاع الخفيف«. من الناس من لا يحبون أغاني المدائح، ويرى أنّها لا تخدم المناسبات والأفراح باعتبارها أغاني دينيّة لا تمنح المتعة، ما أكّدته دليلة 28 سنة مقبلة على الزّواج التي قالت »العرس تلزمه أغاني راقصة مع إيقاع خفيف حتّى يتمتّع الحاضرون ويرقصون، والمدائح هي للمناسبات الدينيّة فقط« وأضافت »أنا شخصيّا أنوي إحياء عرسي بمطربة أعراس وآلات موسيقية و لا يمكنني إقامته بالمدائح« بالمقابل تشكّل المدائح ملاذا للباحثين عن إقامة أعراس ملتزمة بعيدة عن بعض المظاهر الغريبة التي تغزو الكثير من الأعراس، وفي هذا السّياق أكّدت الحاجّة نادية أنّها أقامت كلّ أفراح أولادها بحضور فرق نسائيّة تؤدّي أغاني المدائح، لأنّها منذ أدائها هي وزوجها مناسك العمرة ، هي وزوجها أصبحت ملتزمة لا تسمع الأغاني و الموسيقى كما أنّها لا تحضر الأعراس التي تقام بالأغاني، وحتّى بعض أغاني المدائح حسب ذات المتحدّثة لا تنال رضاها لأنّها تعتمد على الآلات الموسيقيّة« من جهته رشيد 33 سنة متزوّج حديثا، قال لنا أنه مستغرب من طريقة إحياء الأعراس مؤخّرا يتناسى البعض فيها أنّ الزّواج رباط مقدّس ينبغي أن يميّزه الحياء و الالتزام حتّى يجلب البركة وأردف قائلا »تزوجت الأسبوع الفارط في أجواء بهيجة وملتزمة كما أحضرت »ديسك جوكي« وأشرطة مدائح انتقيتها بنفسي لأنّي لاحظت أنّ الأغاني مؤخّرا أصبحت تقريبا كلّها ماجنة ودخلت عليها كلمات وإيقاعات الملاهي الليليّة وهذا الأمر يتنافى مع تقاليدنا وأعرافنا« في ذات السياق تحدّثت زهيرة عن أفراح ومناسبات زمان التي لا تشبه ما هو موجود اليوم، أين كانت تحيي العرس مجموعة من النّساء يطلق عليهنّ »المسامع« تؤدّين كلمات نظيفة وراقصة في نفس الوقت لكن اليوم -تضيف محدّثتنا- »مابقاتش حشمة«، وأصبح كلّ شيء مباح لذلك قاطعت الأعراس-تقول - إلاّ تلك التي تقام بالمدائح لأنّها تعتمد على أسلوب محتشم ومحافظ. في ظلّ تنوّع طبوع الأغاني وأساليبها تبقى أغاني المدائح الملاذ الأوّل للرّاغبين في إحياء مناسباتهم بطريقة ملتزمة ومحافظة بعيدا عن الموسيقى الصّاخبة والكلمات الماجنة التي يستنكرها العديد من الجزائريّين، مفضّلين هذا النوع الديني الذي أصبح مؤخّرا يخدم جميع الأذواق بطريقة لا تستثني المتعة والفرجة وتضمن الحشمة والوقار في نفس الوقت.