تميزت جلسة توقيع الجزء الأول من مذكرات اللواء المتقاعد حسين بن معلم أول أمس بمكتبة العالم الثالث الموسومة « حرب التحرير الوطنية« الصادر مؤخرا عن منشورات القصبة وباللغتين العربية والفرنسية بحضور كثيف يتقدمهم نجل الشهيد عميروش،حيث إصطف طابورا من القراء الشغوفين باكتشاف حقائق جديدة ومثيرة من تاريخ الثورة الجزائرية باعتبار المؤلف شاهدا وفاعلا أساسيا على تفاصيل أحداث مرحلة مهمة من تاريخ الثورة الجزائرية التي تميزت بالتشنج والغموض وتضارب المعلومات . وشغل ضابط بجيش التحرير الوطني اللواء المتقاعد حسين بن معلم لمدة سنة ككاتب خاص بقائد الولاية الثالثة التاريخية الشهيد عميروش كما يستعرض مسار العقيد عميروش والثورة في الولاية الثالثة وظروف إستشهاد العقيدين عميروش وسي الحواس بجبل ثامر ببوسعادة وجوانب من الصراع بين قيادة الأركان العامة والحكومة المؤقتة وغيرها من الأحداث المهمة جاء في مقدمة المذكرات التي تقع في 7 أقسام « والتاريخ ليس ملكا لشخص معين ، كما أن الحقيقة التاريخية لا يمكن أن تكون حكرا على حفنة من الفاعلين ، مهما كانت شجاعتهم ،ولا حكرا على من يدعي نسبتها إليه فالحقيقة في متناول كافة الذين يساهمون في إثرائها بشهاداتهم ،سواء كانوا فاعلين أو مجرد شاهدين على الأحداث « مضيفا « أثناء قراءتي لبعض المؤلفات المتعلقة بحرب التحرير ، تبين لي بأن كتابها قد إنساقوا وراء الأكاذيب ،وأحيانا إلى تصفية حسابات مضرة لذاكرة الأشخاص الذين لم يعودوا على قيد الحياة بما فيهم بعض الأبطال ممن سقط في ميدان الشرف والسلاح في يده لقد ألحقت تلك الكتابات الضرر بالحقيقة التاريخية ومن الضروري القيام بتصحيحها « وأشار « لقد حضيت بالعمل تحت قيادة قائد ثوري كبير في حربنا التحريرية ، ألا وهو العقيد عميروش ، تذكار الفترة التي قضيتها معه،لن ينمحي أبدا من ذاكرتي ، لقد سعي دون كلل في خدمة الثورة إلى أن جاء اليوم الذي سقط فيه في ميدان الشرف والسلاح في يده ....كنا نتصور الجزائر المستقلة ، جنة بحق ، لقد أصبنا بعد ذلك ببعض الإحباط ن غير أن الأهم هو أن الهدف الذي كافحنا من أجله قد تحقق لقد إستعاد بلدنا سيادته فهو بلد مستقل«. الجزء الأول من مذكرات اللواء المتقاعد حسين بن معلم التي ترجمها للغة العربية أحمد بن محمد بكلي وذيل بصور ووثائق نادرة هي محاولة قوية أٍرادها المؤلف لتصحيح بعض الزيف و الأخطاء التي وردت في مذكرات بعض الفاعلين والمؤرخين بخصوص تاريخ الثورة، و تجاوز صفة الشاهد في بعض الأحيان من أجل الدفاع عن ذاكرة وصورة البطل الشهيد العقيد عميروش الذي عمل إلى جانبه ككاتب بالولاية الثالثة لمدة سنة لازمه فيها دون إنقطاع ويؤكد المؤلف في شهادته النادرة والمفعمة بالإحترام أن العقيد عميروش كان ضحية أجهزة الاستخبار الفرنسية التي نسجت خيوط قضية «لابلوويت« بالولاية الثالثة، حيث عاد اللواء إلى الكثير من التفاصيل التي كان واحد من الشهود عليها منها إصراره على تبرئة العقيد عميروش من الجهوية والعداء للمثقفين، إلى جانب العودة إلى قضية عجول عجول والحديث عن مرافقته لعميروش في مهامه منها مهمته إلى المغرب التي قرر رفضها في آخر لحظة ، كما تحدث بن معلم عن تفاصيل جديدة حول ظروف استشهاد العقيدين لطفي وسي الحواس وتفاصيل أخرى. تضمن الجزء الأول من مذكرات الجنرال المتقاعد حسين بن معلم، أيضا نخبة الحقائق التاريخية التي تم الكشف عنها عن بعضها لأول مرة، ويتناول اللواء المتقاعد تفاصيل هذه الأحداث وغيرها من منطلق أنه كان واحدا من صنّاعها، وهذا بعد أن التحق بالثورة في ماي ,1956 وكان من مرافقي عميروش، الذي أكد أنه كان يكن تذمرا كبيرا تجاه المسؤولين في الخارج، ويقف بن معلم أيضا في مذكراته عند قضية عاجل عجول، الذي كان مصرا حسبه، على استعادة قيادة منطقته، فكان يثير بتصرفاته الشكوك بين المجاهدين والقادة، إلى أن قرر القيام ليلا بإعدام الجميع، بمن فيهم عميروش ومرافقيه، ومنهم المسؤولون الأوراسيون وعليه، يوضح اللواء المتقاعد، أن قادة الثورة قرروا توقيفه وتسليمه للجنة التنسيق والتنفيذ للبت في أمره، كما روى أيضا أن عملية محاولة إلقاء القبض عليه أدت إلى سقوط ثلاثة قتلى وجرح عجول نفسه الذي سلم نفسه غداة ذلك اليوم للجيش الفرنسي، غير أن بن معلم أكد أن قرار إعدام عجول لم يكن واردا بالمرة، حيث أوضح أن ما حدث أحزن عميروش الذي كان يكن له المودة وكان يرجو حمايته. وعاد اللواء المتقاعد في المذكرات إلى رفض عميروش مهمة إلى المغرب دون الإشارة إلى طبيعتها، وأكد بن معلم أنه تفاجأ من قرار تراجع عميروش عن الانصياع لأمر أعضاء مجلس التنسيق والتنفيذ، ومنهم كريم بلقاسم الذين كلفوه بمهمة إلى المغرب، رغم إشارته في المقابل إلى مدى الانضباط الذي كان يتحلى به عميروش في مثل هذه الأمور. واعتمد اللواء بن معلم في مذكراته على بعض المراجع الوطنية والأجنبية، كما استشار بعض رفقاء النضال لتصحيح المعلومات. واتبع التسلسل التاريخي في عرض الأحداث التاريخية التي عاشها منذ ماي ,1956 مرورا بمؤتمر الصومام لغاية انتهاء مهمّة العقيد عميروش، وكذا المهمة التي قام بها إلى الأوراس رفقة العقيد، باعتباره كان سكرتيره لمدة سنة كما تطرّق لأبرز المحطات التاريخية ، بإسهاب خاصة مهمّته إلى تونس وتكوينه بالكليات العسكرية في الشرق الأوسط،في سوريا ومصر وعملياته العسكرية على الحدود الشرقية. الأكيد أن مذكرات اللواء المتقاعد حسين بن معلم مساهمة جادة وموثقة تتسم بالصفاء والموضوعية وهي مادة دسمة للباحثين في تاريخ الثورة باعتباره فاعلا وشاهدا من أجل كتابة علمية للتاريخ الجزائر بناءا على معلومات تاريخية وهي أيضا وثيقة ستسد ثغرة الفراغات التي تطرحها أسئلة العقل التاريخي في الجزائر وستساهم في ميلاد جيل من الباحثين التاريخيين الشباب الذين سيفتحوا من جديد أدراج أسئلة التاريخ الوطني بعيدا عن الضغينة والحقد والزيف بل بمراعاة الموضوعية والحقيقة لبناء وعي ناضج للجزائريين لا غير وخدمة للوحدة الوطنية والفخر بثلة الرجال ممن ساهموا في تحرير الوطن .