أثار الاجتماع الأخير الذي ترأسه الرئيس عبد العزيز بوتفليقة ضم مسؤولين سامين مدنيين وعسكريين، تساؤلات كثيرة حول أهمية وطبيعة الملفات التي تم تدارسها أو القرارات التي خرج بها، وعلاقة ذلك بالوضع الليبي واحتمالات التدخل العسكري الأجنبي في ليبيا، فضلا عن التحالف الدولي الذي أنشأته الولاياتالمتحدةالأمريكية لمواجهة ما يسمى بتنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام. حدد بيان رئاسة الجمهورية الذي أورد الخبر مساء أول أمس الأحد مضمون الاجتماع في دراسة الوضع الأمني على الحدود الجنوبية والشرقية للجزائر و جهودها من أجل تحقيق السلم والاستقرار في كل من مالي وليبيا، وأوضح البيان أن الاجتماع شهد مشاركة مسؤولين سامين مدنيين وعسكريين ومن مصالح الأمن من بينهم الوزير الأول عبد المالك سلال ونائب وزير الدفاع الوطني قائد أركان الجيش الوطني الشعبي أحمد قايد صالح، ولم يقدم البيان تفاصيل أخرى حول الاجتماع الذي كان شبيها باجتماع مجلس الأعلى للأمن حسب التركيبة المنصوص عليها في الدستور، لكن مهما كان فإن هذا الاجتماع فرضته من دون أدنى شك الرهانات الأمنية الكثيرة والخطيرة محليا وإقليميا، وفرضه الوضع الأمني المتدهور في ليبيا وتهديدات تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام المعروف اختصارا باسم »داعش« فضلا عن الوضع الأمني على الحدود الجنوبية، خصوا مالي.وبحسب العقيد السابق في جهاز المخابرات، محمد خلفاوي، كان هدفه هو » دراسة الوضع أمنيا وأن الرئيس بوتفليقة ربما رغب في معرفة مجريات الأحداث على الحدود وأي الخطط تم اعتمادها لتأمينها وما هي التدابير والقدرات، كما يؤشر الاجتماع أن الوضع الأمني مقلق وربما كان الرئيس بوتفليقة يرغب في الاطمئنان من خلال معاينة الوضع عبر ما يستعرضه المسؤولون المعنيون مباشرة بالملف من تقارير وتحاليل وتقديرات..«، وأوضع نفس المتحدث في حوار قصير أجراه معه الموقع الاليكتروني »الحدث الجزائري« أن تعاطي الجزائر مع مسألة التدخل العسكري المحتمل في دول المنطقة التي تواجه خطر المجموعات »الجهادية«، يجب أن »ينطلق من مواقف الجزائر الدبلوماسية الرافضة لأي تدخل في الشأن الداخلي للدول، ومن مبدأ أن الجيش الجزائري لا يخرج من حدود البلاد ليسقط في الفخ، وأن الأخير لن يتخطى الحدود إلا إذا كان فيه اتفاق مع مالي أو نيجر أو ليبيا أو تونس لتعقب أو مطاردة المجموعات الإجرامية داخل حدود البلد الجار إلى حين وصول تعزيزات البلد المعني..«، وقال العقيد السابق أن الجزائر لن تقبل المشاركة في التحالف الدولي ضد »داعش«خاصة من الناحية العسكرية لأنه حسب تقديره » ما تحتاجه أمريكا هو الحصول على تزكية من الجزائر وباقي الدول العربية والإسلامية لشرعنة ضرب تنظيم داعش، وهي محاولة غير مباشرة لإقحام الجزائر في الأزمة الداخلية السورية فيما كانت الأخيرة رفضت التدخل في الشأن السوري بل كانت داخل الجامعة العربية رفضت الانخراط في صف الذين دعوا إلى إسقاط نظام حافظ الأسد«، وأضاف العقيد السابق »إن الجزائر تدرك رهانات ما يجري في الشرق الأوسط، ثم إن الحرب التي ترغب أمريكا ومن ورائها التحالف شنها ليست ضد داعش فحسب بل ضد داعش لأنها تضرب المعارضة السورية، وهؤلاء يريدون حماية المعارضة السورية والدفاع عنها لتواصل الحرب ضد النظام السوري..«هناك جوانب مهمة أشار إليها العقيد خلفاوي تحتاج إلى المزيد من التفصيل، فالتدخل العسكري في ليبيا تحول إلى هاجس حقيقي بالنسبة للجزائر، فإذا كانت الجزائر ترفض التدخل انطلاقا من عقيدة جيشها، ومن قناعة عدم التدخل في الشأن الداخلي للدول، وانطلاقا أيضا من إدراك عميق لمخاطر التدخل الذي يعتبر في الواقع بمثابة مصيدة، فلا يمكن لها أيضا أن تكتفي بدور المتفرج فالمطلوب من الجزائر أن يكون لها دور أساسي بحيث تجنب ليبيا التدخل الأجنبي من خلال طرح بدائل لمعالجة الأزمة الليبية قائمة على مسار سياسي تفاوضي بين أطراف النزاع يمكن أن يجري على ارض الجزائر، وتم ترتيب ذلك وإن تم تأجيله لتوفير الظروف مناسبة لإنجاح الحوار بين الليبيين، خاصة وأن الجزائر أكدت مرة أخرى بأن لديها دبلوماسية تتمتع بديناميكية كبيرة وقد نجحت في جمع أطراف الصراع في مالي، وجمعت خمسة حركات مسلحة تنشط في شمال مالي على طاولة الحوار الذي يرتقب أن يخلص إلى اتفاق ينهي الأزمة في شمال مالي ويبعد شبح الحرب عن المنطقة.المشكل في تونس قد يبدو اقل لو تم حصره فقط في التهديدات الإرهابية التي تمثلها المجموعات المتطرفة التي تتحصن في جبل الشعانبي بمحافظة القصرين على مقربة من الحدود مع الجزائر، لكن يبدو أن ربط هذه الجماعات ب »داعش« يضاعف من الخطر الذي تمثله بالنسبة للجزائر ولتونس ولكل المنطقة، فإعلان كتيبة »عقبة بن نافع« التي تنشط بجبل الشعانبي انضمامها إلى تنتظم »داعش«، يعزز الاعتقاد بأن شيئا ما يطبخ في المنطقة، التي ربما يراد لها أن تعرف نفس الأوضاع التي تعيشها هده الأيام كل من سورياوالعراق، فمن غير المنطقي أن تتسارع الأحداث بهذه الكيفية وتنتقل المجموعات »الجهادية« من تنظيم القاعدة إلى تنظيم أبو بكر البغدادي، في وقت تحشد في أمريكا جيوش العالم لمواجهة خطر هذا التنظيم الذي تجاوزت وحشيته كل تصور. قبل أيام قليلة فقط نقلت بعض المواقع »الجهادية« خبر انشقاق في صفوف تنظيم القاعدة ببلاد المغرب الإسلامي وقيام المسمى خالد أبو سلمان، واسمه الحقيقي قوري عبد المالك، بإنشاء تنظيم إرهابي جديد سمي ب »جند الخلافة« معلنا هو الأخر مبايعته لتنظيم »داعش«، وكان ذلك بعد فترة قصيرة من بنشر معلومات أمنية تفيد بأن اتصالات مكثفة تجري في ليبيا بين عدد من قيادات تنظيمات متطرفة في ليبيا والجزائروتونس بهدف إنشاء فرع ل »داعش« في منطقة المغرب العربي وشمال إفريقيا، مع هذا بقي الشك يحوم حول قدرة تنظيم البغدادي على دخول المنطقة، خاصة وأن القاعدة لا تزال تحظى بمبايعة العديد من التنظيمات الإرهابية سواء في منطقة المغرب العربي أو دول الساحل جنوب الصحراء، ويعرف الجميع موقف تنظيم الظواهري من »داعش« وكيف وصف ممارساتهم بأعمال الخوارج بفعل الدموية المنقطعة النظير التي ميزت تصرفات كتائب البغدادي من قتل ونهب وسلب وسبي للنساء وتشريد للأطفال. لقد عززت الجزائر قواتها على الحدود بنحو ثلاثة آلاف جندي إضافي، وهذا لن يكون كافيا إلا إذا تمت مرافقة الإجراءات الأمنية بتنسيق أمني واستخباراتي بين دول المنطقة لتشكيل حلف حقيقي يكون في مستوى التحديات المفروضة، حلف من دول المنطقة بما في ذلك مصر، قادر على التصدي للإرهاب ومنع التدخل الأجنبي أيضا.