❍ المعارك التي خاضها الجيش الفرنسي في الحرب العالمية الأولى، والهند الصينية مكنته من اكتساب تجربة فريدة في مواجهة الحروب الثورية، وأصبح لديه مختصون في إدارة الحروب النفسية وقدرة عجيبة على الاختراق ونسج المؤامرات ومن ابرز رموز هذا الاتجاه في الجيش الفرنسي العقيد لاشور الذي كان مدرسا في الأكاديميات العسكرية الفرنسية وله العديد من الدراسات في هذا المجال وكذا العقيد قودار الذي تولى إدارة المكتب الخامس إبان الثورة. وهو الأشهر على الإطلاق خلال الثورة لتمكنه من إدارة اكبر المؤامرات التي تعرضت لها ثورة التحرير، ومن ابرز المؤامرات قضية العصفور الأزرق بالولاية الثالثة في عهد روبير لاكوست، ومكيدة الزرقاء التي أنتجتها مخابر ليحي وقودار وأدت إلى مقتل العشرات من المجاهدين لكن إذا كانت هاته المؤامرات محدودة في الزمان والمكان وتمكن جيش وجبهة التحرير من احتوائها وإجهاضها.فان اختراق المصالح السيكولوجية للحركة الوطنية المسلحة التي أنشاها مصالي بعد اندلاع الثورة، مكن العدو من إدارة الصراع بين جيش وجبهة التحرير منذ 1956 إلى غاية الاستقلال، وقد أدى هذا الصراع الدموي إلى إراقة دماء الآلاف من الجزائريين الذين لا يمكن إحصاءهم في الجزائر، في فرنسا وحدها تشير الإحصائيات في فرنسا إلى مقتل 10000 شخص و 25000 جريح. البداية كانت مع تصريح جاك سوستيل سنة 1955 حين قال إن صالي هو وسيلتي الأخيرة بعدها ظهر الاقتتال بين الإخوة الأعداء هذا التصريح جاء بناءا على تقارير استخباراتية تدعو إلى استغلال هذا الصراع ومنها تقرير عسكري يتناول الفترة الممتدة بين ماي 1955 و1956 بالمنطقة الثالثة القبائل جاء فيه ((يستحق الحقد الذي بين قادة الجبهة والحركة الوطنية اهتمامنا لأنه يمكن أن نحتاج إليه لصب الزيت على النار)). وبمطلع سنة ,1957 تمكنت المصالح الفرنسية من احتواء الجيش الذي يقود بلونيس باسم الحركة الوطنية وأبرمت اتفاقا معه في 1 جوان 1957 من اجل محاربة جيش و جبهة التحرير الوطني وأمدته بالسلاح والعتاد، وحددت له منطقة نفوذه، ووضعت وحدة المظليين 11 من قوة الصدام تحت تصرفه وتضاربت التقديرات الخاصة هذا الجيش المناوئ للثورة في 4000 و 10000 جندي، وأصبح جيشه يسمى الجيش الوطني للشعب الجزائريين ومن جانبها السلطات الاستعمارية سمتها بعملية الزيتونة. لكن هاته العملية لم تعمر طويلا إذ انتهت بمقتل بلونيس في 14 جويلية ,1958 عقب انفجار هاته الحركة المناوئة للثورة، بعد ان كشف بعض القادة من إتباع بلونيس بأنهم أصبحوا ألعوبة في يد الفرنسيين وبأنهم انحرفوا عن مبادئ الحركة الوطنية الهادفة إلى الاستقلال من جهة ومن جهة أخرى فشل هذا التنظيم في التصدي للهجوم الذي شنه قادة الولاية السادسة والخامسة والرابعة ضد هذا التنظيم الخياني، وتلقى خلالها ضربات موجعة أدت إلى تفككه وانكساره وفي نفس الوقت الذي تم فيه احتواء حركة بلونيس من طرف الفرنسيين جرت بالولاية الرابعة عملية مشابهة اذ تم إنشاء تنظيم مناوئ للجبهة في ربيع ,1957 يقوده بلحاج الجيلالي، المدعو كوبيس هذا الأخير الذي كان احد أعضاء المنظمة السرية التي نشأت سنة ,1947 ومع اندلاع الثورة تمكنت المصالح البسيكولوجية الفرنسية ضمه لصفوفها ومكنته ليصبح على رأس جيش قوامه 1000 شخص مناوئ للجبهة، وهذا التنظيم هو الآخر لم يعمر طويلا أما قوة الثورة الجزائرية وتمكنت الولاية الرابعة من اختراقه والقضاء عليه بمن فيهم قائده هاته التنظيمات الخيانية كانت في بدايتها تراهن على الحسم العسكري للثورة الجزائرية يضاف إليها الهياكل العسكرية المدنية التي استحدثتها السلطات الفرنسية كالمجموعات المتنقلة للأمن، الحركى و حركة الشريف السعيدي الذين بلغ تعدادهم 60000 بمطلع سنة ,1959 دون احتساب تعداد القوات الفرنسية بالجزائر التي بلغت 500000 جندي، كل ذلك لم يتم إخماد صوت الثورة. مما حمل الفرنسيين على استقدام الجنرال ديغول كمنقذ لفرنسا اعتبارا لتاريخه في الحرب العالمية الثانية حين أنقذ فرنسا. ¯¯ ديغول وبداية المناورات الكبرى ❍ اعتلى ديغول الحكم اثر حركة انقلابية في 15 ماي ,1958 وكان رهانه في البداية على الحسم العسكري للحرب القائمة بالجزائر بوضع جميع إمكانيات الجيش الفرنسي تحت تصرف الجنرال شال الذي قال له زسأمدك بكل الوسائل التي من شانها أن تضع حد لهاته الثورةس وبحكم الإمكانيات التي تم توفيرها كان القادة الفرنسيون يعتقدون بان القضاء على الثورة قضية وقت قصير فميشال دوبري وفي اجتماع مع القادة العسكريين برئاسة شال قال سيعاد النظر في حجم القوات، لكن لابد من انتصارات عسكرية.... ولابد أن يكون باستطاعتنا ان نعلن الانهيار النهائي في شهر جويلية)) وبالتوازي مع هذا التوجه العسكري سعى ديغول إلى إنشاء قوة ثالثة مشكلة من الجزائيين ومرتبطة ارتباطا وثيقا بفرنسا، اي معارضة لسلطات جيش جبهة التحرير المتعلقة بالاستقلال التام، حيث صرح في 29 افريل 1959 زإنني اعترف بتنظيم جبهة التحرير حتى وان كانت قوة حقيقية فإنها لا تمثل في اعتقادي كل الجزائريين بل وحتى المسلمينس وفي نفس السنة وبعد أن ظهرت بوادر فشل مشروع شال الجهنمي في القضاء على الثورة، أعلن في خطابه يوم 16 سبتمبر ,1956 اعترافه بحق تقرير المصير وفقا لمفهومه، لكن جاء في خطابه كذلك يجب تقسيم البلاد واقتطاع الصحراء من الجزائر لضمان مرور أنابيب البترول بينهما وفرض التجزئة الترابية)) ولتجسيد هذا المشروع تم الشروع في التخطيط لقيام دولة صحراوية تابعة لفرنسا بالتعاون مع بعض الزعامات تم تكليف حمزة بوبكر رئيس المجلس بالواحات بتنفيذه، ولم يكن الرهان حينها على هذا المجلس فقط بل كانت هناك جيوب من بقايا جيش بلونيس تتمركز في الرقعة الجغرافية الممتدة بين شمال الصحراء ومنطقة الهضاب، وهي المنطقة التي سبق وان تم إيجاد جيش بلونيس سبها وكانت من الأهداف حينها حماية القوافل البترولية. أما فيما يخص الحركة الوطنية الميصالية، فقد كان ديغول يراهن على استدراجها من اجل توصيفها كقوة ثالثة مناوئة لجبهة التحرير. فيعترف مصالي الحاج بأنه لما كان في سجن كانت له اتصالات مع صحفيين وشخصيات سياسية ونقابية ومن الأوساط الحكومية الفرنسية، حاولت من خلالها حملة على التراجع على مطالبه الاستقلالية وتوظيفه كقوة ثالثة مناوئة للجبهة. لم يساير مصالي الأطروحات الفرنسية، وبهدف تأجيج الصراع الدموي بين الحركة الوطنية وجبهة التحرير قام ديغول بإطلاق سراح مصالي الحاج في جانفي ,1959 ومعه آلاف المساجين من الحركة الوطنية الجزائرية لإحداث اختلال في موازين القوى التي كانت لصالح الجبهة سياسيا وعسكريا. الوضع العسكري للحركة الوطنية في 1956 لكن ما هو حال الحركة الوطنية المسلحة بعد خروج مصالي من السجن، فقد كانت كما يقول مصالي زكان الحزب موجود فقط رغم وجود قائد وسط عدد من المناضلين والمسئولين، وضيفا لا مال ولا إطارات، لكن الكثير من الخصوم والخلافاتز. وفي تقرير لمصالي نفسه أمام إطارات الحركة الوطنية المسلحة بتاريخ 14 جوان 1960 يقول فيه زما بين 1959 و 1960 اندثرت الحركة الوطنية في الجزائر ولم يبقى الا جبهة التحرير في الميدان، وبالتالي فان مهمة الحركة شبه مستحيلةس، ومع ذلك حاول مصالي لملمة شتات مناضليه وإعادة هيكلة الحركة الوطنية عسكريا وسياسيا. فبالنسبة للجانب العسكري يكشف صاحب كتاب (التحالف) فليب قايار بان موفدين عن مصالي أجرو مصالي اجري لقاءات مع قادة الحركة المسلحة الوطنية، في سبتمبر 1959 حيث التقوا بمفتاح قائد الحركة ببوكحيل، وفي 23 نوفمبر اجتمعوا مع السلمي في زمرة وبعدها عقدوا لقاءات مع ممثل الحركة في منطقة وهران، وخلال هاته اللقاءات أعلن قادة الأفواج ولائهم لمصالي وحرر الموفدون تقريرا عن الوضعية التي يوجد عليها مقاتلو الحركة حيث يقول عنها ز كانت الوضعية غامضة ولم نجد إلا مجموعات صغيرة من قدماء المناضلين يستنزفون إمكانياتهم في صراع وتصفية حسابات بينهم. ويحمل مصالي بلونيس مسؤولية الأوضاع التي ألت اليها هاته المجموعات حيث يقول زبالنسبة لجيوش الحركة الوطنية، فبعد قضية بلونيس وموته تركت ورائها ضبابية وتصفية حسابات وكان من الصعب معرفة ما جرى . ويبدو بان مصالي الحاج ذاته وبحكم الفترة التي قضاها في السجن والمعلومات المغلوطة التي كانت تاتيه من مقربيه، جعلته يصطدم بالواقع بعد إطلاق سراحه، فقضية بلونيس مثلا عند وفاته في 14 جويلية 1958 صدر بيان باسم مصالي بنعيه ويقول عنه انه مات مقاتلا من اجل الجزائر والسلاح في يده، وبعدها يصرح مصالي في احد التقارير بان بلونيس كان ألعوبة في يد مصالح المكتب السري للحكومة العامة بالجزائر. وتختلف المصادر الموجودة في ذكر تعداد هذا الجناح المسلح للحركة الوطنية، بل وحتى وثائق الحركة الوطنية لا تشير لذلك لكن في أحسن الأحوال لم تصل إلى 1500 شخص نهاية ,1959 على اختلاف مجموعاتها لكن لديها أسلحة هامة وذخيرة حصلت عليها من الفرنسيين حين كان التحالف قائما بين بلونيس وفرنسا. بعد انهيار حركة بلونيس سعت القوات الفرنسية إلى تجريد هاته المجموعات من الأسلحة و خيرتها بين الانضمام بصفة حركى في الجيش الفرنسي او تسليم هاته الأسلحة فرفضت هاته المجموعات وضع السلاح مما جعلها عرضة لهجومات من الجيش الفرنسي لاسترجاع أسلحته، وفي المقابل كان لقاء عقداء الداخل بالطاهر في ديسمبر 1958 سي الحواس، عميروش، سي احمد بوقرة، قد قرر إمداد الولاية السادسة بكتائب من جيش التحرير لمساعدتها في اجتثاث عناصر الحركة الوطنية، وهو ما تم فعلا، واستمر القتال بين الجبهة والحركة الوطنية المسلحة الى غاية الاستقلال، فان الفرنسيين ومع السياسة الجديدة لديغول القاضية بدعم هاته المجموعات اختلاف في صفوف قادة الجيش الفرنسي في كيفية التعامل مع هؤلاء، فالجنرال روي roy الذي استخلف الجنرال دوبري doprouilly على رأس منطقة جنوب العاصمة اقترح في مراسلة بتاريخ 20 فيفري 1959 زعدم القيام بأي عمل عسكري ضد بقايا الحركة الوطنية ومساعدتهم بالذخيرة والدعم الجويس فوافق الجنرال ماسو على الاقتراح لكن الجنرال آلار allard قائد الناحية العسكرية العاشرة رفض ذلك بدعوى أن هذا التصرف اعتراف بالحركة الوطنية وبالتالي العودة إلى تجربة بلونيس، ولذا يحبذ تركهم على حالتهم وعدم الاتصال بهم، أما العقيد قودار ففي تقرير له يقول زان هاته المجموعات تشكل قوة فوضوية وبالتالي فان الأسلحة التي بين أيديها تعتبر غنيمة ثمينة بالنسبة لجيش التحرير بالولاية السادسة والأفضل هو تحطيمها وتشتيتها بعد استسلام أفرادها. هذا بالنسبة لواقع الجناح المسلح للحركة في 1959 الجانب السياسي للحركة الوطنية في 1959 بمطلع سنة 1959 وفي شهر جانفي عشية خروج مصالي من السجن تلقت الحركة الوطنية ضربة موجعة بإعلان مسؤولين عن الحركة الوطنية انضمامهم إلى جبهة التحرير الوطني ومن أبرزهم طالب محمد و عمران الأمين العام للحركة النقابية المصالية ومسئولها بفرنسا، ورمشوش إبراهيم نائب أمين المال في المكتب الفدرالي لنفس الحركة وجاء في البيان الذي أصدروه إننا نعتقد مخلصين بان الحركة الوطنية حزب يعمل من اجل الاستقلال الوطني في الجزائر وبالتالي أداة كفاح ضد الاستعمار الفرنسي، ولكننا إذا درسنا ما حدث في السنوات الأربعة الماضية نجد أن جماعات المقاتلين في الجبال من أنصار مصالي انتهى بهم الأمر تحت قيادة بلونيس إلى التعاون مع المخابرات الفرنسية ولقد تعجبنا وقلقنا بل ثرنا عندما علمنا بان سالان هو الذي يسلح ويدفع الأموال لتلك الجماعات، ومن البديهي ان لاكوست وسالان قادة جيش الاحتلال لم ينفقوا الاموال من اجل تحرير الشعب الجزائري.واستمر النزيف في صفوف الحركة الوطنية وانضم اغلب المسؤولين إلى الجبهة وفي 25 ديسمبر أصدر بيان آخر أمضاه احمد نصبه المدعو لقلاوي لكحل عضو المكتب السياسي والمكلف بالتنظيم بفرنسا ونشطاء آخرون أعلنوا انضمامهم للجبهة واصد بيانا يدينون فيه مصالي ويتهمونه بالعمالة لفرنسا. فضلا عن هذا النزيف فقد كانت الحركة الوطنية الميصالية محترقة من طرف المخابرات الفرنسية على مستوى قيادات الخارج منذ 1957 فمصالي نفسه يقول عن قادة التمرد ضده فيما بعد ومنهم بلهادي الذي يقول عنه ( بأنه نصب نفسه ناطقا رسميا باسم الحاج مصالي وهذا الشخص ذكي بدا ويتكلم بثقافة إسلامية ويحمل معه دائما مصحفا في جيبه يستخرجه كل مرة للإقناع بسياسته، وكان يزورني منذ 1957 ولم اكتشف نواياه إلا في 24 جويلية 1958 حيث زارني مع بن سعيد وسلم لي رزمة من الوثائق وجدت من بينها تقريرا موجها الى ديغول بواسطة احد يدعى clauvel ، وبعد قراءة التقرير الذي يتعارض مع مبادئنا أرسلت رسالة أتبرا من محتوى التقرير. ومن مظاهر اختراق المخابرات للحركة كذلك وتفككها رفض ممثلي الحركة في الخارج الدخول إلى فرنسا، ومنهم عيسى عبدالي الذي كان أمين مالية الحزب وبعيش في لوزان الذي أصبح يحرض مسئولي الحركة في الخرج ضد مصالي، ويمكن تلخيص اتجاهات الحكومة الوطنية المصالية في سنة 1959 في ثلاث تيارات: 1 تيار انضم إلى جبهة التحرير 5 تيار اخترقته المخابرات وأصبح عميلا فيما بعد 3 تيار يبقى وفيا إلى مصالي الحاج بداية 1960 ولقاء مولان في 14 جوان 1960 ألقى ديغول خطابا دعا فيه الحكومة الجزائرية للتفاوض، وفي الوقت الذي ألقى فيه هذا الخطاب كان قد سبق هذا التاريخ يوم 10 جوان لقاء جمعه بقادة الولاية الرابعة في الايليزي حيث أعلنوا استجابتهم لدعوته للتفاوض، ودعاهم إلى إقناع الولايات الأخرى بالانضمام إليهم بهدف احتواء الثورة، ومنحهم استقلالا ذاتيا. وبالتالي حين ألقى هذا الخطاب كان يعتقد بأنه سينجح في لي ذراع الحكومة المؤقتة الجزائرية بتهميشها او على الأقل حملها على تقديم تنازلات. بعد هذا النداء استجابت الحكومة الجزائرية وأرسلت يوم 25 جوان 1960 احمد بومنجل ومحمد الصديق بن يحيى إلى مولان، لكن فشلت اللقاءات بسبب قيود حددتها فرنسا بمفردها، أما الحركة الوطنية من جهتها فقد نددت بهذا اللقاء لان فرنسا تجاهلت الحركة الوطنية. بتوقف المفاوضات ووصولها إلى طرق مسدود كان ديغول يعتقد بان لقاءه بقادة الرابعة سيأتي ثماره بتفجير جيش جبهة التحرير وتحييد الحكومة المؤقتة لكن هاته المحاولة تم إفشالها بفضل قيادات من الرابعة ذاتها حيث تصدى لخضر بورفقة وبوسماحة لهذا المخطط وتراجع سي احمد بونعامة عن المشروع وتمت تصفية زوار الايليزي مباشرة بعد عودتهم إلى الولاية الرابعة. ¯¯ بداية انفجار الجبهة الفرنسية ❍ بعد أن كان ديغول يعتقد بأنه بإمكانه تفجير الثورة الجزائرية وتشتتها، فإذا بالجبهة الفرنسية ذاتها تنفجر، و بعد إعلان تقرير المصير، فأول رد فعل على خطاب ديغول جاء على لسان الجنرال ماسو في جانفي 1960 حيث أعلن لصحيفة ألمانية استياءه من سياسة الحكومة الفرنسية الغامضة في الجزائر وبانه على استعداد لمقاومتها بكل الوسائل ، ديغول من جهته كان يرى بان الجيش تسيس وأصبح أداة تهديد للوحدة الوطنية ولهذا قرر إبعاد الجيش عن السياسة واجري استفتاء في 8 جانفي 1960 لتدعيم سلطته، وأصبحت الهوة تتباعد بين العسكريين وديغول، تجلت فيما عرف بأسبوع المتاريس ابتداءا من 22 جانفي 1960 حيث وقعت مواجهات بين المتطرفين من الأقدام السوداء ووحدات الدفاع المحلي من جهة والحكومة الفرنسية، من جهة أخرى والهدف من وراء ذلك إرغام الحكومة على مراجعة سياستها المتعلقة بالمفاوضات والحفاظ على الجزائر. وفي 17 جوان 1960 تم الإعلان عن ميلاد الجبهة الجزائرية الفرنسية faf بتشجيع من سوستال وانخرط فيها الآلاف من العناصر خاصة من اليمين الفرنسي المتطرف بفرنسا، وفي ديسمبر 1960 نظمت هاته الحركة مصاهرات ضد سياسة ديغول، وترفض مبدأ التفاوض وتقرير المصير وجد ديغول نفسه في نار الثورة الجزائرية التي ما فتئت تزداد قوة محليا وعالميان وبفضل تماسك قيادتها وتلاحم جيشها من جانب، و بوادر انفجار داخلي فرنسي، فأوعز إلى المصالح الاستخباراتية من اجل إعادة تشكيل قوة ثالثة تزيح جبهة التحرير أو تحملها على تنازلات ترضي الطرف الفرنسي وتضمن مصالح الدولة الفرنسية ومنها إيقاف النزيف الاقتصادي الذي خلفته حرب الجزائر والأعباء المترتبة عنه 500000 جندي مقاتل دون ملحقاته من حركى وفرق متنقلة جرحى وغرق وغيرها من الملحقات. والظرف الثالث آو البديل الثالث يكون ذا مواصفات إسلامية جزائرية لتحديد الجبهة، ولذلك تكفلت مصلحة التوثيق أو الجوسسة المضادة السهر لتحقيق ذلك. ¯¯ ديغول والتخطيط لقوة إسلامية موالية ❍ اجتهدت مصلحة التوثيق الجوسسة المضادة sdece ، لإعداد مخطط لإنشاء قوة سياسية عسكرية مناوئة للجبهة بل العمل على أن تكون بديلا لها فحسب وثيقة عن مصلحة التوثيق مؤرخة بتاريخ 14 مارس ,1961 تبين بان قرار إنشاء هذا التنظيم المناوئ يرجع إلى أوت 1960 واهم محاور هذا المشروع حسب الوثيقة. - إنشاء هذا التنظيم السياسي والإداري لمواجهة جبهة التحرير التي تحضي بثقل عالمي يتوجب في البداية على المنخرطين فيه اعتماد طابع السرية وتمكينهم من القيام بعمليات استعراضية ذات نوعية ضد أعضاء جبهة التحرير الوطني. - بعدها يتم التمكين لهذا التنظيم من التعريف بنفسه وإظهاره كقوة مناوئة لجبهة التحرير الوطني وقادر على النيل منها بعدها يسهل تحييد مناضلين آخرين من هذا التنظيم السياسي أي جبهة التحرير - يتم القيام بهاته العمليات العسكرية من باب التجربة في سبتمبر 1960 بباريس من دون أن تطلع المصالح الأمنية الأخرى في جانفي ,1961 يتم استئناف عمليات عسكرية وترك بيان في موقع العملية ليكون البيان محل اهتمام المسلمين الجزائريين بعد هاته العمليات يتم التفكير في الاهتمام بالجانب التنظيمي والسياسي لكن هذا الجهاز السياسي لا يمكنه ان يستقطب الجماهير الإسلامية ما لم يكن له نشاط في الجزائر ذاتها خاصة إذا اقتصر نشاطه على فرنسا فسيظهر كفرع ولذا يتوجب إنشاء هذا التنظيم في الجزائر ولتجسيد ذلك يجب: أ/ إنشاء هذا التنظيم يكون بنفس الطريقة التي نشا بها في فرنسا أي الاعتماد على فرق خاصة من عناصر إسلامية فقط يتم توجيهها ضد عناصر من الجبهة وبعد تنفيذ العملية يتم ترك بيان ومنشور مناوئ للجبهة في موقع العملية. ب/ التعبئة لصالح هذا التنظيم تكون بواسطة المصالح الأمنية والمسؤولون السياسيون الذين يشرفون على هذا التنظيم العسكري يجب ان لا يعرفوا والنشطاء الأوروبيون الذين يسيرون هذا التنظيم عن بعد. ج/ الجهاز المكلف بهاته العملية يكون فرع التنسيق بين الجيوش، الأهداف والمهام تكون مخططة من مصلحة الأبحاث ومركز التنسيق بين الجيش كما تكون الحماية مضمونة من طرف نفس الجهاز، وبالنسبة للمناشير والشعارات يجب ان تكون متطابقة مع البيانات والمناشير الصادرة في فرنسا. ه/ العمليات التي تكون بالجزائر تكتسي طابعا وحساسية أكثر من فرنسا ولذا يجب ان يخطط لها بدقة متناهية لتفادي الخسائر كما يجب تفادي عدم الخلط بين هذا التنظيم والتنظيمات الأوربية المضادة للإرهاب ويجب ان تكون هناك دائما بصمات إسلامية لهاته العمليات. ¯¯ ديغول يخترق الحركة الوطنية المسلحة ❍ لم يكن يوجد في الساحة السياسية آنذاك تنظيم سياسي عسكري مناوئ للجبهة سوى الحركة الوطنية حيث يقول مصالي في إحدى تقاريره زلقد أرادت فرنسا الاستئثار بالقوة السياسية والنقابية وجيش الحركة لاستعماله كوسيلة للمناورة ضد الجبهة بصفة دائمة او بالأحرى إن الحكومة الفرنسية لم تجد قوة سياسية جديدة داخل لجان المنتخبين او (( بني وي وي )) وأرادت الالتفاف على الحركة الوطنية لما لها من صدى لدى الرأي العام ومن التمثيل . مع بداية 1960 وعقب إقصاء الحركة الوطنية من لقاء مولان حاول مصالي إعادة ترتيب البيت الداخلي للحركة في الجزائروفرنسا، على المستوى السياسي والعسكري حيث يقول زبعد فشل لقاء مولان حاولنا تعزيز الإعلامي تحسبا للمفاوضات المقبلة. فبالنسبة للمجموعات المسلحة، وبعد فشل اللجنة السياسية العسكرية التي أنشاها مصالي في الجزائر، من أجل التنسيق بين المجموعات المسلحة المتقاتلة، كلف احد المقربين منه بتشكيل اللجنة المدنية الجهوية بالجنوب القسنطيني تكون مهمتها التأطير السياسي والإعلامي لهاته المجموعات مع توفير الإمكانيات المادية لها، مما يمكن من منحها سند سياسيا والقضاء على الخلافات بينها، لكن هاته الهيئة لم توفق في مهامها إذ استمرت المعارك المسلحة بين أجنحتها خاصة ب مفتاح الذي قاد الانقلاب على بلونيس و عبد الله السلمي. وفي جويلية 1960 كذلك تم إيفاد فوضيلي إبراهيم احد إطارات الحركة من طرف مصالي الى الجزائر وعقد لقاءات مع مسؤولي الحركة الوطنية بالجزائر وتلمسان ومستغانم ومعسكر، وقدم إلى مصالي تقريرا عن الوضعية ليتم تكليفه بإعادة هيكلة الحركة وتشكيل وحدات من الكوموندو. من جانبها المخابرات الفرنسية كانت تسعى جاهدة من اجل احتواء الحركة الوطنية المسلحة كليا للبداية في تجسيد مخططها الذي تعرضنا له مسبقا، فضلا عن تمكنها ضمان ولاء بعض القيادات من الحركة كما سيأتي في الفصل المقبل، كثفت لقاءاتها بمصالي حيث كان في قروفيو، بهدف إقناع مصالي تبني أطروحاتها، وكان الوسيط في هاته اللقاءات محمد بلهادي، و مبعوثين آخرين، وقد كشف مدير ديوان لوبس جوكس الوزير الفرنسي لوفر بأنه زار مصالي في قروفيو وفقة كلود شايات في إقامته الجبرية وبان اللقاءات تناولت أطروحات فرنسا خلال مفاوضاتها المقبلة مع جبهة التحرير. لكن مصالي في هاته اللقاءات لا زال ينادي بالطاولة المستديرة التي تضم جبهة التحرير والحركة الوطنية، و الفرنسيين المقيمين بالجزائر. وبالتوازي مع ذلك ظلت المخابرات الفرنسية تواصل مساعيها مع قادة الحركة والاتقاء بهم على انفراد وبسرية تامة ومنهم من رفض مسايرة الطرح الفرنسي حيث تكشف بعض الوثائق عن فشلها في إقناع فوضيلي موفد مصالي للجزائر، بمسايرة أطروحاتها و تكشف بعض التقارير عن لقاء جرى في سبتمبر 1960 بين فوضيلي ومدير الديوان العسكري ومدير الديوان المدني الفرنسي، لإقناعه بأطروحاتها، وجعله تحت تصرف القيادة العامة للقوات المسلحة EMI وعرض عليه تشكيل مجموعات مسلحة بالجزائر تشتغل لفائدة القوات المسلحة، لكن فوضيلي اعتذر بدعوى عدم تمكنه من الاتصال بالمجموعات المسلحة بالجزائر، ودعا القيادة الفرنسية إلى تبني أطروحات مصالي والعمل على أن تكون أفكاره حاضرة بقوة في الاستفتاء. في الفصل الأخير من سنة 1960 ورغم مساعي مصالي للملمة شتات مناضليه ، لكن الأحداث تجاوزته، وتأكدت عزلة الحركة الوطنية بعد أن نضمت جبهة التحرير مظاهرات 11 ديسمبر 1960ن والتي أكدت التفاف الشعب ورائها ووراء حكومتها، واعترف مصالي بذلك إذ صرح بعدها قوله حينها: زإن مصاهرات 1960 هزت الحركة الوطنية المسلحة في عمقها سواء بفرنسا او في الجزائر، وكشفت بان الحركة غير موجودة في الجزائر، حتى وان كان وجودها في فيدرالية فرنسا لن يكون ذا أهمية مقابل ما وقع في الجزائرس. وعلى المستوى العسكري ورغم صدور تعليمات للقوات النظامية الفرنسية في نهاية 1960 تحثهم على عدم التعرض لمجموعات الحركة الوطنية على خلفية تشكيل القوة الثالثة، لكن هذا الجناح المسلح ازداد تقهقرا وتشتتا تحت ضربات جيش التحرير الوطني وهو ما يؤكده تقرير صادر عن قسم الاستعلامات في شهر أكتوبر 1960 لقطاع الجلفة حيث تواجد اغلب عناصر هذا التنظيم جاء فيه (( ان انهيار الحركة الوطنية كان تاما وكاملا في المنطقة الثالثة وجزئيا بالمنطقة الثانية، أما في المجموعات فقد ضعفت قواتها هي الأخرى بعد أن قل عدد جنودها وفقدت بعض قادة كتائبها.ميلاد الجبهة الجزائرية للعمل الديمقراطي (الفاد) تمكنت الاستخبارات الفرنسية من ضم 8 أعضاء من المكتب الوطني للحركة الوطنية إلى أطروحتها. وعشية الانطلاق في مفاوضات ايفيان الأولى كانت خطة مصلحة التوثيق الخارجي و الجوسسة، التي اشرنا إليها سابقا جاهزة للتنفيذ . تم تسخير الفيلق 11 من المظليين من اجل تنفيذ مخطط إنشاء تنظيم مناوئ للجبهة من رحم الحركة الوطنية وتمت تسميته (بالفاد) أي الجبهة الجزائرية للعمل الديمقراطية الذي ظهر علانية بعد فشل مفاوضات ايفيان الأولى، ورفض مصالي المشاركة كما سيأتي ففي وثيقة صادرة عن مركز التنسيق في الجيوش مؤرخة بتاريخ 14 جوان 1961 تكشف عن الإجراءات العملية لتنفيذ هذا المشروع. أهم ما جاء فيها من بنود لتنفيذ هذا المخطط: بهدف الاستفادة من الفرع السيكولوجي الذي تركه فشل لقاء ايفيان في الأذهان وسعيها لمنح الشرعية لإنشاء قوة ثالثة في نظر السكان الجزائريين وفرنسيين والرأي العام الخارجي وحمل الجماهير والمقابلة على تأسيس هذا الاتجاه وتم رسم الخطوط العريضة لهذا التنظيم لتجسيده على 5 مراحل وهي بإيجاز 1 إنشاء الجهاز السياسي والعسكري 2 إنشاء جهاز تحريضي يدفع الجماهير للتصاهر 3 إنشاء هيئة خارجية تمكن من إحداث صدى عالمي 4 القيام بمظاهرات تحمل الهياكل السياسية والإدارية لجبهة التحرير على تبني أفكار ديغول (الشرعية، الهدنة، الجزائر جزائرية) 5 القيام بنشاط دولي تتولده المحبة الخارجية ليأخذ هذا التنظيم صبغة عالمية 6 تكوين حكومة مؤقتة تدعو إلى جمع القوى الداخلية والخارجية للانضمام لهذا التنظيم 7 القيام بنشاطات وأعمال تهدف إلى عزل المتشددين عن جبهة التحرير وذلك بواسطة عمل سيكولوجي (انقلابات في الداخل وإيجاد مفاوضين في الولايات الخارجية) 8 اعتراف فرنسا بهذا التنظيم كمفاوض في حالة تحقيق المراحل السابقة ومباشرة المفاوضات مع هاته الهيئة الجديدة والبدا في توقيف القتال من الجانبين قبل بداية المفاوضات كانت العناصر المعول عليها في تجسيد هذا المخطط تنشط منذ أكثر من سنة داخل الحركة لتجسيد هذا المشروع منذ سنة ,1960 ويطبع نشاطها بالسرية التامة داخل الحركة الوطنية. وذلك ما يعترف به صالي الحاج نفسه حيث تلقى تقريرا من مناضلي الحركة في الجزائر يؤكدون من خلاله مشاهدتهم لخليفة بن عمر والعيد خفاش أعضاء المكتب الوطني وهم يرافقون 3 أوربيين،وهم يحاولون إقناع المناضلين بأفكار الفاد، وحسب التقرير ذاته فان الإمكانيات المالية والاتصالات المتعددة التي يجريها هؤلاء تؤكد بان هؤلاء هم مهندسو الفاد. وفي تقرير أخر لمصالي يقول فيه بان الذين انضموا إلى الفاد حتى كانوا داخل الحركة الوطنية كانوا يعملون سريا منذ عدة أشهر لصالح الفادويضيف مصالي في مقام آخر بان قادة هذا التنظيم حيث كانوا في السرية دعوه الى الانتقال من قروقيو إلى ألمانيا، والهدف من إبعاده عن فرنسا هو تسهيل اختراق لمناضلي الحركة في فرنسا لأنهم يعتقدون بان وجودهم يعرض تطبيق مخططهم. يبدو بان ديغول كان يراهن على هؤلاء لدفع الحركة الوطنية المسلحة الى الجلوس على مائدة المفاوضات وفقا لتصوره لحل المشكل الجزائري، وكان يعتقد بات الغلبة ستكون لهم بكونهم يشكلون الأغلبية، داخل مكتب الحركة 8 من أصل 11 وبان مصالي لا خيار له سوى مسايرة أطروحاتهم ولذا حين تعطلت اللقاءات الممهدة لبدا مفاوضات ايفيان والتي جرت يوم 20 فيفري 1961 وفي نيوشاتل يوم 5 مارس، طرح الطرف الفرنسي إشراك تيارات أخرى للتفاوض وذلك ما صرح بومبيدو لموفد الجبهة زليست الجبهة وحدها بل الاتجاهات الأخرى يجب ان تستشار...وإذا كان هناك اتفاق مسبق في هاته الاتجاهات فهذا سيسمح بإيجاد حل مقبولس. يتبع