حلت أمس الذكرى السادسة والعشرين لأحداث 5 أكتوبر ,1988 أحداث أرخت لميلاد التعددية السياسية والإعلامية في الجزائر وكل ما تمخض عنها من أحداث توالت خلال فترة التسعينات وغيرها من المحطات السياسية التي عرفتها الجزائر، ليخوض أبناؤها معركة بناء الصرح الديمقراطي التي لا تزال متواصلة في عقدها الثالث وتزامن ذلك مع إصلاحات سياسية عميقة باشرها رئيس الجمهورية وما زالت متواصلة بتعديل دستوري، ويأتي ذلك وسط كل الهزات التي ضربت عديد البلدان المجاورة بما يعرف ب»الربيع العربي«، حيث كان لمثل هذه الأحداث الدور الأساسي في أن تكون بمثابة الحصن المنيع ضد أي محاولات تخريب قد تطال الجزائر تحت أي شعار كان. أحداث 5 أكتوبر ,1988 شهدتها الجزائر وكانت بوابة دخول الجزائر عهد التعددية والانفتاح السياسي ونقطة بداية لأحداث متتالية. 26 سنة تمر اليوم على ذكرى أحداث 5 أكتوبر، وها هي الجزائر تستعد للشروع في تعديل جذري للدستور يمس عمق وجوهر هذا النص بما يضمن تأسيس جمهورية ثانية وفق ما عبر عنه القاضي الأول في البلاد خلال الحملة الانتخابية الأخيرة في رئاسيات ,2014 حيث تأتي هذه الخطوة لتضاف إلى مسار طويل قطعته الجزائر منذ تاريخ ,1988 وهي تبحث عن ذاتها في حرب ضروس لإرساء قواعد نظام ديمقراطي صلب ومتين لا تهزه أية عواصف على غرار ما حدث في الدول المجاورة تحت غطاء ما سمي ب»الربيع العربي«. ويجمع الكثير من المحللين السياسيين أن أحداث أكتوبر 88 وبغض النظر عن ما توالت بعدها من أحداث اثر دخول الجزائر في عشرية دموية جراء الأعمال الإرهابية التي استهدفت الدولة والشعب على حد سواء، استطاعت أن تنتج نوعا من النضج السياسي لدى الجزائريين وساهمت في حماية الجزائر من قاعدة »الدومينو« التي حاول البعض أن يطبقها على الجزائر بعد سقوط عدد من الدول المجاورة بداية من شهر جانفي 2011 في ما يسمى بالربيع العربي. وقد كان هذه الأحداث إيذانا لدخول مرحلة سياسية جديدة، حيث أنه لم يتمكن أعداء الجزائر الذين طالما تربصوا بها من أن يظفروا بفرصة الزج بها في أتون ما يسمى الثورات العربية، والتي أثبتت إلى حد الساعة انهيار مفهوم الدولة في كثير من الدول العربية على غرار ما يحدث في ليبيا وما تعيشه سوريا والقائمة طويلة لأسماء الدول التي تعيش حالات الانفلات الأمني وعدم الاستقرار على جميع المستويات، لتجد نفسها محل تدخلات أجنبية. وبغض النظر عن خلفيات أحداث 5 أكتوبر، إلا أنها صنعت بداية مسار ديمقراطي تعددي ومعركة طويلة قوامها تضحيات أبناء الجزائر وحققت مكاسب بسواعد شباب جزائري، لتتواصل إلى يومنا في رسالة حمل مشعلها جيل عن جيل، بمزيد من التفتح النقابي، السياسي، الاقتصادي ومزيد من الحريات. ومهما كانت النقائص يبقى أن ما حققته الجزائر من مكاسب ديمقراطية لم يكن ليحلم بها غيرها من الدول المصنفة ضمن خانة دول العالم الثالث، وحتى الدول السائرة في طريق النمو، فيما يبقى الطريق طويلا من أجل الحفاظ على هذه المكتسبات من جهة وانتزاع مزيد من الحقوق لتكريس نظام ديمقراطي لا يقل في شأنه ومضمونه وأسسه عن غيره من الأنظمة المتطورة والمتحررة عبر العالم ويكون بمثابة »النموذج الجزائري«.