كثير من التفاصيل تضيع في خضم الجدل السياسي حول مواضيع تبدو كبيرة ومصيرية، تسعة من الشباب البطال تظاهروا رافعين مطالب اجتماعية فوجدوا أنفسهم في سجن الأغواط، القضاة يطبقون القانون، وهم في كل الأحوال لا يتحملون تبعات قراراتهم، السياسيون وحدهم من سيحملون تلك الأوزار. ثلاثة من السجناء لجأوا إلى إضراب عن الطعام، تدهورت صحتهم فنقلوا إلى المستشفى، أحدهم، وهو رمز الاحتجاج، ويدعى بلقاسم خنشة، بقي في المستشفى لأن حالته تتطلب مزيدا من العناية، ولتكثيف الضغط على السلطات تنوي عائلات المساجين الدخول في إضراب عن الطعام، والاعتصام في أمام سجن الأغواط. هذه حالة ضمن حالات كثيرة لا تهتم بها الأحزاب السياسية، وتسكت عنها المنظمات الحقوقية أيضا، فهؤلاء يعتقدون أن القضايا السياسية هي الأكثر إثارة، تضمن المتابعة، وربما تكون لها أصداء خارج الحدود، لكن ماذا عن الأثر الذي يمكن أن يتركه هذا الشعور بالظلم في أوساط شرائح واسعة من المجتمع؟ وماذا يبقى من الولاء للوطن عندما يجد شاب نفسه محروما من حقه في العمل، وممنوعا من التظاهر السلمي مطالبة بهذا الحق؟ قد لا يبقى الشيء الكثير، رغم أن الالتزام بالنضال السلمي، والاحتجاج دون الانزلاق نحو العنف يكسب مزيدا من المساحات في هذا الوطن الذي يزحف اليأس على كل ساحاته. قبل خمسة عشر عاما رفض وزير الداخلية الأسبق يزيد زرهوني منح الاعتماد لحركة الوفاء والعدل، الحزب الذي أعلن أحمد طالب الإبراهيمي عن تأسيسه بعد انتخابات الرئاسة لسنة 1999، ولما ذكره الصحافيون بأن القانون ينص على أن الحزب يعتبر معتمدا بشكل آلي ما لم يتلقى مؤسسوه ردا من وزارة الداخلية خلال فترة 45 يوما، رد الوزير بالقول، لقد طبقنا جوهر القانون، وكان جوهر القانون كما فهمنا هو التقدير السياسي للسلطة والذي أفضى إلى عدم اعتماد هذا الحزب. على السلطات اليوم أن تفكر في طريقة أخرى لتطبيق القانون، تتجاوز استعماله كمصيدة لإسكات أصحاب المطالب الشرعية، طريقة تجعل من القانون أداة لنشر العدل، وذلك هو الأسلوب الوحيد لاستعادة الآلاف، وربما مئات الآلاف، من الجزائريين إلى حضن الوطن الذي يشعرون بأنه قد لفظهم بسبب وقوعهم ضحايا للإقصاء والظلم. هذا الشباب الذي يصر على النضال السلمي دفاعا عن حقوقه هو جوهر الوطن الذي يجب أن نحافظ عليه.