تونس تتحدى، تؤكد بالشواهد الملموسة بأنها لن تتراجع عن ترسيخ مسارها الديمقراطي، تبرهن للعالم كله بأنها لن تركع للإرهاب. هذه هي صورة تونس بعد الهجمة الإرهابية على متحف باردو، كانت الصدمة قوية لكن التحدي على المواجهة كان أكبر. إن هناك أكثر من صورة تؤكد بأن الاعتداء على "جوهرة السياحة" في تونس لن يحقق أهدافه، رغم ما أحدثه من خسائر بشرية وصدمة نفسية وتساؤلات حول المنظومة الأمنية. ذلك ما وقفنا عنده، خلال زيارتنا للعديد من المرافق السياحية، فمشاهد عديدة تؤكد أن الإرهاب لم يحقق أهدافه، وأن ما حققته السياحة في تونس من احترافية مشهود لها في العالم سيمكنها من تجاوز تداعيات الهجمة الإرهابية في أسرع وقت، وهذا ما بدا لنا خلال الأيام القليلة التي تلت الاعتداء على متحف باردو، حيث أن الفنادق العريقة لم تتأثر بما حدث، ولا يزال نزلاؤها أوفياء لها، نظرا للخدمات الجيدة التي تقدمها والتي تغنيهم عن الذهاب إلى بلدان أخرى. لم يكن ذلك »الأربعاء الأسود« يوما عاديا في حياة أشقائنا في تونس، لقد حدثت الكارثة، المصيبة، الفاجعة، عشرات القلى والجرحى من التونسيين والأجانب، حصد الإرهاب الهمجي أرواحهم، حدث ذلك يومين قبل احتفال تونس بعيد استقلالها، أما مسرح الأحداث فكان متحف باردو، إنه الزمان والمكان ، بما يمثلانه من رمزية ودلالة. تلك الواقعة الشنيعة والخطيرة أرادت استهداف التوانسة، في إرادتهم وعزيمتهم وإصرارهم على المضي قدما في طريق التحول الديمقراطي وتحقيق التنمية، من خلال ضرب متحف باردو العريق، الذي يعتبر أحد المعالم الهامة، القريبة من ذاكرة عموم التونسيين، ولذلك كان الاعتداء عليه استهدافا مباشرا للموروث الثقافي للبلد وللموسم السياحي الراهن، الذي تراهن عليه تونس لإنعاش اقتصادها ودفع عجلته إلى الأمام. لقد طرحت العملية الإرهابية في تونس العديد من الأسئلة حول مصير السياحة في هذا البلد، باعتبارها رافدا أساسيا من روافد التنمية الاقتصادية والاجتماعية، فقبل سنة فقط استعادت تونس شيئا من عافيتها الاقتصادية، من خلال توافد كبير للسياح، بعد فترة عزوف طويلة، لكن العملية الإرهابية التي استهدفت متحف باردو وأدت إلى مقتل عدد من السياح الأجانب قد تتسبب مرة أخرى في تخوف شركات السياحة الأجنبية من تفويج السياح إلى هناك، إلا أن الاعتداء الإجرامي الجبان، لم يد فع الجزائريين إلى إلغاء حجوزاتهم أو تغيير وجهتهم نحو تونس في هذه الفترة التي تتزامن مع عطلة الربيع . تونس.. بلد سياحي بامتياز تونس، واحدة من البلدان المعروفة في العالم باعتمادها على السياحة كمورد اقتصادي أساسي، وحسب تقرير المجلس العالمي للسفر والسياحة، فإنها تستقبل سنويا حوالي سبعة ملايين سائح وأن أكثر من 70 بالمائة من الناتج من الناتج المحلي الخام التونسي مصدره السياحة، وهو ما يتطلب بنية سياحية ممتازة جدا، قادرة على استيعاب الأعداد الهائلة من الزوار، مما يعني أن شريحة كبيرة من التونسيين ينشطون في هذا المجال ويستفيدون من عائداته حيث تشير الإحصائيات أن حوالي نصف مليون تونسي يشتغلون بطريقة مباشرة أو غير مباشرة فيما يعرف بالصناعة السياحية. تتوافر في تونس جميع مقومات الجذب السياحي. فهناك وعي سياحي عال على المستويين الرسمي والشعبي، ويجد السائح في هذا البلد بغيته مهما تنوّعت وتباينت، فإلى جانب شواطئه التي يبلغ طولها حوالي 1200 كم على مياه البحر الأبيض المتوسط والمجهزة بمرافق وخدمات سياحية متطورة، هناك المقصد السياحي الثقافي ممثلاً بكنوز من التراث والآثار والمتاحف، تعكس كلها تواتر حضارات عريقة شهدتها تونس منذ فجر التاريخ. تونس وجهة مفضلة للسياح الغربيين، لما تتوفر عليه من مجموعات فندقية ذات صيت عالمي، وكذا لما تحظى به من مميزات، أهمها توفر بنية تحتية ضخمة، تساعد على إقامة مشاريع سياحية كبرى فضلا عن توفر عوامل جغرافية مناسبة. وكما هو واضح، فإن العملية الإرهابية التي استهدفت متحف باردو، كانت ترمي إلى تحقيق مجموعة أهداف، لعل أهمها هو توجيه ضربة قاسية للسياحة والاقتصاد في آن واحد، خاصة وأن الهجمة الإرهابية قد حدثت في وقت بدأت تونس تنتعش سياحيا، بعد أعوام من الركود الذي شهدته بدءا من 2011. "صوت الأحرار" تجولت بأهم المناطق السياحية في تونس وتحدثت مع خبراء السياحة حول التأثيرات المحتملة لأسوأ اعتداء إرهابي في تاريخ البلاد على القطاع، خاصة وأن حالة من الهدوء تسود الأجواء مع مزيج من الحذر، يخيم على وجوه التوانسة. تواجد "صوت الأحرار" بتونس في الفترة التي جرى فيها الاعتداء الإرهابي، مكننا من الوقوف على واقع السياحة عن قرب وتقدير حجم وتأثير هجمات »باردو« على حركة السياح في منتجع ياسمين الحمامات، أكبر المنتجعات السياحية في تونس، حيث بدا الأمر مدهشا، فالأوضاع تبدو طبيعية إلى حد كبير، وكأن الإرهاب لم يمر من هنا، فالسياح من مختلف الدول الغربية يتجولون في المنتجع وسط أجواء من البهجة المفعمة بألوان الموسيقى. هذا المشهد، لم يكن الجزائريون بعيدين عنه، حيث تتدفق أعداد كبيرة منهم إلى المدينة، وذلك لتزامن تواجدنا هناك بمناسبة العطلة الربيعية في الجزائر، وتتحدث مصادر مسؤولة من الجمارك الجزائرية أن هناك ما بين 300 و 350 سائح جزائري يمرون يوميا على المركز الحدودي أم الطبول، في الاتجاهين، ونفس الحركة تعرفها المراكز الحدودية الاخرى، حيث يصر الجزائريون على اختيار تونس لقضاء عطلهم. الجزائريون يتضامنون مع التوانسة لم يدفع الاعتداء الإجرامي ، الذي وقع في تونس العاصمة والذي كان الهدف من هو استهداف السياحة التونسية بشكل خاص، لم يدفع الجزائريين إلى إلغاء حجوزاتهم أو تغيير وجهتهم إلى تونس والتي تتزامن مع عطلة الربيع، فقد أفادت مصادر مطلعة أن مختلف المعابر الحدودية التي تربط الجزائروتونس عرفت تدفق مئات الأسر والأفراد، المتوجهين إلى تونس لقضاء عطلة الربيع في المنتجعات السياحية، خاصة بسوسة والحمامات وبنزرت. وأكد عدد من الجزائريين الذين التقتهم »صوت الأحرار« في مدينة الحمامات ياسمين، أن الإرهاب ظاهرة دولية، عابرة لكل الأوطان، وقد يقدم على تنفيذ عملياته الإجرامية في أي دولة، وليس تونس فقط، ففرنسا وقعت فيها اعتداءات والولايات المتحدةالامريكية وغيرها من الدول شهدت اعتداءات مدمرة، وكانت الجزائر قد عرفت عشرية المأساة الوطنية. الجزائريون الذين تحدثنا إليهم أكدوا أن إلغاء رحلاتهم يعني، تنفيذ هدف الارهابيين القاضي بزرع الخوف في نفوس كل من يفكر في زيارة هذا البلد الجميل، وبالتالي ضرب موسم السياحة في تونس والاستسلام للجماعات الارهابية التي تريد زعزعة أمن واستقرار المنطقة. احترافية سياحية مشهودة من المدينة السياحية ياسمين الحمامات، كان رد مدير المبيعات بفندق »رويال الحمامات« أنيس سويسي بخصوص تداعيات الاعتداء الإرهابي وتداعياته على قطاع السياحة، حيث قال إن تونس تمكنت في السنوات الأخيرة من التفوق والاحترافية في مجال السياحة، كل ذلك يمكنها من تجاوز هذه الأزمة في أسرع وقت، علما أن الإرهابيين قد أرادوا من خلال الاعتداء الجبان أن يقضوا على السياحة التي تعتبر العمود الفقري للاقتصاد التونسي. وقفنا خلال زيارتنا للعديد من المرافق السياحة على مشاهد عديدة تؤكد أن الإرهاب لم يحقق أهدافه، فالفنادق العريقة لم تتأثر بما حدث، فلا يزال نزلاؤها أوفياء لها، نظرا للخدمات الجيدة التي تقدمها والتي تغنيهم عن الذهاب إلى بلدان أخرى. فندق »الرويال« بمنطقة ياسمين الحمامات، كان يعج بالنزلاء الأجانب، منهم أعداد كبيرة من الجزائريين، وذلك ابتداء من اليوم الأول من العطلة الربيعية والتي صادفت وجودنا هناك. ويؤكد سويسي، أن الفندق لا يكاد يخلو من السواح طيلة أيام السنة والعائلات الجزائرية لها نصيب معتبر عندنا، ذلك أن »فندقنا به غرف مفتوحة على بعضها مما يمكن العائلات، حتى لو كانت كبيرة، من استئجار غرف تسمح لأفرادها بإيجاد ما يبحثون عنه من راحة«. ويضيف محدثنا بأن »رويال الحمامات« بالإضافة إلى باقي الفنادق الموزعة بمدينة الحمامات والتي تبعد حوالي 80 كلم عن العاصمة، تشهد إقبالا كثيفًا رغم الأوضاع السياسية والأمنية التي عصفت بالبلاد أخيرًا، لكنها لم تثن التونسيين والأجانب من الاستمتاع بسحر الضيافة التونسية. تفاءل المسؤول الجهوي عن السياحة في نابل والحمامات وحيد بن يوسف، ببرنامج الحكومة الجديدة والمتعلق بإعادة بعث السياحة، مشيرا إلى ضرورة تغيير التشريعات لتواكب المعطيات الجديدة، بالإضافة إلى إطلاق سياحة الاستيطان وسياحة التسوق وكذا السياحة الثقافية وعلى مدار السنة. وبشأن ما راج عن إلغاء الحجوزات بعد العملية الإرهابية التي استهدفت متحف باردو، أكد بن يوسف أن معطيات مواقع التواصل الاجتماعي ومواقع أخرى على الإنترنت في غالب الأحيان مغلوطة، حيث أن وكالات السفر لا تعمد إلى إلغاء الحجوزات بصفة مفاجئة بعد حصول أعمال عنف أو ما شابه، فالعملية تخضع إلى قواعد متعددة كالعرض والطلب، زد على ذلك الحجز المتأخر من قبل بعض الشركات السياحية، كما هو الشأن مع الجزائرية وحتى التونسية نفسها. "ياسمين الحمامات" صورة تونس المشرقة رغم مرور أيام قليلة على العملية الإرهابية التي كان متحف باردو مسرحا لها، إلا أن السياح الأجانب والجزائريين منهم، لم يكن ما جرى مانعا لهم من حضور فعاليات الدورة الثانية لكرنفال الحمامات، الذي قدمت فيه تونس الصورة الحقيقية لبلد الضيافة والفرحة وتحدي الصعاب. الكرنفال، الذي شاركت فيه فرق تنشيطية من عديد الدول، ألمانيا، إيطاليا، اسكتلندا والجزائر وكذا من تونس، حمل رسالة تفاؤل لكل التونسيين ولكل المتضامنين مع تونس في مواجهة الإرهاب وأن العملية الإجرامية الجبانة، رغم ما خلفته من ألم في نفوس التونسيين، إلا أنها لن تحجب الصورة المشرقة للبلاد ولن تثنى شعبها عن مواصلة مسيرة بناء تونس الجديدة . الفرق الحاضرة ، التي عبرت بمشاركتها بأزياء تنكرية كرنفالية متميزة فى تنشيط فقرات الكرنفال، الذى جاب المحطة السياحية ياسمين الحمامات عن تضامنها مع تونس ومع شعبها، عبرت هي الأخرى عن تحديها للخوف، فأشاعت في نفوس الحاضرين، تونسيين وضيوفا، مسحة من البهجة وكثيرا من التحدي، جسدتهما اللوحات الراقصة والفقرات الموسيقية المتنوعة. سياسة إشهارية جديدة لتحفيز وجلب السواح تعتزم الحكومة التونسية إتباع سياسة إشهارية جديدة، لجلب وتحفيز السياح من خلال تسويق المنتوج السياحي المتنوع والترويج له لاستقطاب السياح الاجانب وحتى المحليين لتحسيسهم بضرورة قضاء العطل في بلدهم، وسيتم التركيز في هذه الفترة على غزو مواقع التواصل الاجتماعي وشبكة النت، لإعادة الثقة للسوق الاجنبية باستخدام حملات تسويقية وترويجية. ويرى خبراء السياحة أن الدور الذي تلعبه وسائل التواصل الاجتماعي والإنترنت في هذا المجال الأخبار التي تتناقلها مواقع الاتصال إعادة الثقة للأسواق الأجنبية، بعد أن وعت بأن مخاطر هذا التراجع تعود أساسا الى معيار الاستقرار الأمني، السياسي والاجتماعي، ولذا يجب التركيز على تأثير وسائل التكنولوجيات الحديثة التي تحركها شبكة الانترنت في غالب الاحيان، وذلك من أجل نجاح التنافسية في مجال السياحة الإلكترونية. الإرهاب لن يزيدنا إلاّ إصرارا على التحدي وزيرة السياحة في تونس سلمى اللومي رقيق، كانت صارمة وهي تؤكد بأن العملية الإرهابية التي استهدفت الاقتصاد التونسي، من خلال ضرب القطاع السياحي الذي يساهم ب7 بالمئة في الناتج الداخلي، سوف لن تزيد الحكومة إلا إصرارا على مزيد العمل من أجل دعم أمن البلاد واستقرارها والخروج بها إلى بر الأمان. وقالت الوزيرة، نحن بالمرصاد لظاهرة الإرهاب الوافدة على المجتمع التونسي والتي لا يمكن أن يتقبلها أي تونسي أصيل، مشيرة إلى أن العنف والإرهاب والإجرام ظواهر ليس لها مكان في حياة المواطن التونسي المحب لثقافة التسامح والمقبل على الحياة. وبينت المسؤولة الأولى عن القطاع أن الحكومة الحالية اتخذت الإجراءات الضرورية لتأمين مؤسسات الدولة والمواقع السيادية والجهات السياحية، مؤكدة أن وزارة السياحة تسعى حاليا إلى تحفيز السياحة الداخلية وقدوم المواطنين بالخارج إلى تونس، كما تحرص خلال هذه الفترة على تشجيع السياحة المغاربية، وشددت على أن عدد الحجوزات الملغاة لا يعد رقما لافتا، رغم قساوة العملية الإرهابية الأخيرة. ثقافة الحياة تنتصر على من يزرعون الموت ودعت تونس أياما بعد الاعتداء الإرهابي، لم يعد الخوف يرعب التوانسة، بل تسلحوا بالعزيمة لمواجهة من أرادوا توجيه ضربة قاسية للاقتصاد التونسي، من خلال استهداف السياح الأجانب، لكن تونس تأبى إلا أن ترفع التحدي، وكأنها تقول للقتلة المجرمين والسفاحين، بأن ما خلفوه من قتلى وجرحى ودمار، لن يزعزع ثقتها في نفسها وفي مؤسسات الدولة. تونس الصامدة، التي أعطت درسا في الحرية لن تعجز عن تجاوز ما اعتراها من محنة ومن لحظات عصيبة، وها هي تعاود السير وفق ما رسمته لنفسها، مع التزام الحذر واليقظة، ودعتها وهي تستعد لاحتضان معرض تونس الدولي للكتاب، بحضور جمع غفير من المثقفين والمبدعين والإعلاميين، أما السياحة التي أراد مهندسو عملية باردو ضربها في الصميم، من خلال استهداف السياح الأجانب، فهي تأبى إلا أن تبرهن على قدراتها في رفع التحدي، وهذا ما نجحت فيه، حيث لاحظنا أن توافد السياح الأجانب والجزائريين لم ينقطع، وهي رسالة واضحة، مفادها أن الإرهاب لن يستطيع فرض أجندته على تونس. ودعت تونس، وكلها إرادة وتصميم على الانتصار على الإرهاب، وحتما فإن ثقافة الحياة هي التي ستنتصر على من يزرعون الموت والخراب. أليست هي تونس أبو القاسم الشابي، الذي أنشد" إذا الشعب يوما أراد الحياة.. فلا بد أن يستجيب القدر".