في الجزائر المعارضة السياسة تتم في الغالب بطريقة غريبة ربما لا تشبه مثيلتها في أي بلد آخر، فبعض التشكيلات الحزبية والشخصيات السياسية تتعمد الكذب على الجزائريين، حتى أنها تبدو غير واعية أو ربما غير ملمة بالواقع، فهل يعقل أن تتهم السلطة بأنها غضت الطرف عن ملفات الفساد، وما إن تعرض هذه الملفات بعد الاستنفاذ كل طرق التحقيق وأحيانا تسلم المتهمين، بالتغطية على الفساد وحماية المفسدين؟ البعض وجد في المحاكمات التي تجري حاليا والمتعلقة بقضايا فساد كبرى فرصة لبناء استنتاجات من الصعب تصديقها، فراح يتحدث عن نسف كل ما بني في الجزائر منذ وصول الرئيس عبد العزيز بوتفليقة إلى سدة الحكم، والسبب أن الفساد طال مشاريع وصفت بأنها انجازات القرن، ونخص بالذكر هنا ملف الطريق السيار شرق غرب، والبعض قال أن تعاطي القضاء مع ثلاثة من أكبر قضايا الفساد في البلاد لا يعني أن الحكومة جادة في مكافحة نهب أموال الشعب، بل العكس هو الصحيح وفق منطق هؤلاء، فهذا الأمين العام لحركة الإصلاح الوطني محمد جهيد يونسي يصرح أن »هذه المحاكمات لا معنى لها في ظل عدم استقلالية القضاء«، مضيفا »في غياب شرعية المؤسسات السيادية للدولة، لا يمكن أن ينتظر الشعب الجزائري محاكمات تكون بحجم الفساد«، فيما أكد رئيس حزب الفجر الجديد الطاهر بن بعيبش، من جهته أن قضايا الفساد ما كان لها أن تطرح على القضاء في الجزائر لو لم تطرح هذه الملفات في الخارج، وقال الأمين العام لحركة النهضة محمد دويبي، إن هذه الملفات »يراد لها الاستغلال السياسي من طرف السلطة ولا توجد معالجة حقيقية لهذه الملفات«. قبل وقت ليس بالبعيد نفس هذه الشخصيات فضلا عن أسماء أخرى كثيرة من المعارضة كانت تبرر خطابها القائل بعدم وجود إرادة سياسية حقيقية وجادة لمكافحة الفساد، بعدم تحريك ملفات ثقيلة والاكتفاء ببعض الملفات البسيطة ومطاردة مفسدين من الأوزان الخفيفة فقط، بمعنى أن مكافحة الفساد لا يمس المفسدين الكبار، وأشار هؤلاء صراحة إلى ملف سوناطراك واحد واثنين، وتحدث البعض عن الخليفة وعن ملف الطريق السيار بأنهما مرتبطان بالسلطة وبشخصيات من الوزن الثقيل، بل هناك من حسم أمره بالقول بأن السلطة لن تسمح بمحاكمة المفسدين في بعض هذه الملفات لأنها عندها سوف تحاكم نفسها، ليتحول كل هؤلاء بمجرد برمجة ملفات الفساد على المحاكمة، إلى خطاب مغاير، ولتبرير هذا التراجع أصبح الحديث عن عدم استقلالية القضاء، فمهما كانت طبيعة الأحكام التي ستصدر لن تكون ذات مصداقية، وستظل الانتقادات موجهة للسلطة بأنها فبركت محاكمات عل مقاس لتفلت منها الرؤوس الكبيرة ويتم التضحية بالرؤوس الصغيرة، وهذا بالضبط ما قيل في جلسات محاكمة قضية خليفة بنك منذ سنوات قليلة.
أولا لابد من توضيح مسألة جوهرية للرد على السؤال حول أسباب انفجار قضايا فساد لم تكن موجودة في الماضي، فالجزائر تعيش مرحلة من التحولات مختلفة عن المراحل التي عرفتها في الماضي لما كان كل شيء يمس قضايا التسيير ويتورط فيه مسؤولون كبار في الدولة تدرج ضمن أسرار الدولة، المساس بها يعني تعريض امن البد للخطر، العالم تغير والجزائر تغيرت أيضا وأصبح بالإمكان الكشف عن قضايا الفساد دون حرج لأنه لا سبيل لتغطيتها في عالم حولته تكنولوجية الاتصال إلى قرية، وهناك مسألة أخرى مهمة لابد من الإشارة إليها هنا، فقضايا الفساد واكبت مرحلة جد نشطة عرفتها التنمية في الجزائر من خلال إطلاق مشاريع عملاقة على غرار مشروع الطريق السيار شرق - غرب، ولما تكثر الأموال يكثر النهب وهذه حقيقة معروفة ليس في الجزائر فحسب، والمهم هو مواجهة النهب بالقانون وتسليط أقصى العقاب على المفسدين وهذا ما يفترض أن ينتج عن المحاكمات التي تجري بخوص ملفات الفساد الكبرى ولا يجوز استباق الحدث أو إطلاق أحكام جزافية ضد القضاء، خاصة لما يتعلق الأمر بمعارضة تفتقد إلى المصداقية وإلى قاعدة شعبية عريضة تسمح لها بالحديث نيابة عن الجزائريين.