يعكس تسليم عبد المومن خليفة، المتهم الأول في قضية "الخليفة بنك"، العديد من المؤشرات الايجابية للعدالة الجزائرية، التي شرعت فيها منذ أكثر من 10 سنوات. حتى وإن كان تسلم الخليفة بعد 7 سنوات من المحاكمة الأولى، إلا أنه يعتبر إنجازا هاما وقيمة مضافة للحرب على الفساد التي أعلنتها السلطات. ويأتي اقتناع السلطات البريطانية بالملف الذي تقدّمت به الجزائر في ظل فتح القضاء الجزائري العديد من ملفات الفساد التي تتواصل التحقيقات بشأنها على غرار سوناطراك 2، فاستقلالية السلطة القضائية تتجسّد من خلال التصدي للمفسدين دون تمييز وهي الغاية التي تعمل لتحقيقها السلطة الثالثة في الجزائر. ومدّدت السلطات القضائية عملها الى خارج الوطن، حيث كان للدورات التكوينية للقضاة ومختلف السلطات الأمنية وتوقيع الاتفاقيات الدولية عاملا مساعدا على كسب مواقع جديدة ستكون حافزا لفك شفرات ملفات أخطر أثّرت كثيرا على سمعة الجزائر في الخارج. ولا ينكر أحد أهمية التوقيع على الاتفاقيات الدولية التي تعتبر أكبر ضمان وثقة للهيات الدولية من أجل إجبار الدول على التعاون، وعدم التحجج بالمصادقة على الاتفاقيات التي تتردد الكثير من الدول بما فيها المتقدمة في التوقيع عليها عكس الجزائر التي قطعت أشواطا كبيرة في هذا المجال من أجل ترسيخ قواعد الحكم الراشد، وتوسيع مجال الحريات وفرض سلطان القانون. وسيكون ملف الخليفة ضربة موجعة لكل المفسدين الذين يظنون أنهم سيفلتون من العقاب بعد أن كان الخارج في وقت مضى يوفر لهم الحصانة، فالكثير من الذين ينهبون أموال الدولة والشعب باتوا أمام واقع آخر لن يرحمهم، والوقت كفيل بإحضارهم لأروقة المحاكم لينالوا عقابهم. لقد قال فاروق قسنطيني رئيس اللجنة الاستشارية لترقية وحماية حقوق الإنسان "أنّ الفساد يهدّد كيان الدولة، وبالفعل فقد باتت فضائح الفساد مطية للكثير من الدول لمحاولة التدخل من خلال طرح قضايا الفساد والبحث عن طرق لتدويلها لحماية حق الشعوب في التنمية"، وبالتالي تبقى أحسن وسيلة للدفاع هي الهجوم واستباق المفسدين من خلال فرض الرقابة الصارمة، وإرجاع قيمة المواطنة من خلال التبليغ عن المفسدين لحماية ممتلكات الشعب والدولة. وفي سياق متّصل، أكّد الخبير الاقتصادي فارس مسدور: "12 ٪ من قيمة رؤوس أموال الاستثمارات تذهب كعمولات ورشاوى ووفقا للدراسات، وهو ما يعني ضرورة انخراط الجميع من جمعيات، مجتمع مدني ووسائل الإعلام في مكافحة الفساد، كما أنّ كل مواطن يجب أن يعي قيمة التبليغ عن المرتشين والذين يصطادون في المياه العكرة لأنّ الفساد أكبر من أن يكون استفادة من أموال معينة أو قضاء مصالح ضيقة". ويكفي أنّ ملف سوناطراك 2 قد امتدت التحقيقات فيه حسب تصريح لوزير العدل السابق، محمد شرفي، إلى 5 قارات، وهو ما يعني وجود شبكات دولية منظمة ومعقدة لنهب وابتزاز خيرات الدول لا تقل خطورتها عن الشركات المتعددة الجنسيات. ويظهر أنّ خطوات الدولة في مكافحة الفساد بدأت تظهر ونحن بحاجة لجهود الجميع وتثمين الانجازات، وعدم تمييع كل شيء.