أطفال في عمر الزهور لا يعرفون عن معنى الحياة شيئا سوى اللّعب و اللّهو... كتبت لهم القدر الإلهي أن يعيشوا ويتقاسموا حياتهم مع معاناة مرض خطير قلب موازين حياتهم عن آخرها ليدخلهم في عالم آخر غير عالمهم. بابتسامة بريئة وعيون شاحبة يغمرها الوجع والألم قابلنا أطفال مرضى السرطان بمستشفى بني مسوس بالعاصمة وكلهم أمل في الشفاء والعودة إلى حياتهم الطبيعية بين ذويهم وأحبائهم وبعيدا عن غرف المستشفى وعذاب مرض قاتل هتك أرواحهم الصغيرة . ففي زيارة قادت "صوت الأحرار" إلى أطفال مرضى السرطان في مستشفى اسعد حساني ببني مسوس بالعاصمة لنستطلع واقع هؤلاء المرضى ونعيش معهم يوما من يومياتهم الحزينة ونتقاسم معهم ألم مرض غيّر معنى الحياة لديهم. اقتربنا منهم ودخلنا إلى جناحهم الخاص، هم براءة الحياة بمعناها الحقيقي قدموا من ولايات مختلفة لهدف واحد جمعهم وهو طلب العلاج والتماثل للشفاء والعودة إلى حياتهم الطبيعية . كانت الساعة تشير إلى حوالي العاشرة صباحا عند ولوجنا إليهم وجدناهم مجتمعين كعائلة واحدة داخل الجناح المخصص لهم، وكلهم شوق لزيارة عائلاتهم سيما القادمين من الولايات البعيدة، فبين فراق حنان الأسرة ومقاعد الدراسة يبقى أمل هؤلاء في الشفاء كبيرا. الطفلة أية إحدى المصابات، تغيرت حياة هذه الطفلة البالغة من العمر 15 سنة إلى الأبد ولن تعود إلى مقاعد الدراسة لمتابعة دراستها في التاسعة أساسي بدأت مأساة أية ذات ليلة بالتهاب في اللوزتين مصحوب بحمى شديدة، فأخذها والداها إلى المستشفى، لكن حالتها لم تتحسن رغم تناولها الأدوية. تطور المرض الغريب بشكل مفزع بعد أن تورمت لثتها واختفت الأسنان وسط كتلة من اللحم انتشرت بسرعة في فمها ولم تعد قادرة على الأكل وبعد إجراء التحليل الطبي أخبرهم الطبيب المختص بأن عدد الكريات البيضاء في جسم ابنتهما أكبر من الحمراء تسترجع والدة أية تلك الذكريات بحزن قائلة: «قصدنا مصحة خاصة بالعاصمة وهناك سمعنا الخبر المفجع الذي أكده لنا الأطباء ابنتي مصابة بسرطان الدم، وعلينا نقلها إلى المستشفى لتلقي العلاج، وعند ذلك تغيرت حياة أسرتنا، أصبح السرير وقارورة "السيروم" مرافقين لأية التي أجرت أول فحص لها بالأشعة، قبل أن يجري لها طبيب القسم العلاج الكيميائي، لكن جسدها الصغير رفض الاستجابة في الحصتين الأولى والثانية، وهي تنتظر إجراء الحصة الثالثة، وتتناول يوميا الأدوية اللذين يكلف شراءهما ميزانية باهضة والدواء غير متوفر وغير معوض من طرف الضمان الاجتماعي. نفس الأمر بالنسبة لفؤاد طفل في العاشرة من العمر قدم من ولاية تبسة من أجل العلاج وجدناه جالس على سريره ويتكلم مع والدته التي لم تجد سوى الحنان والعطف لتقدمه لفلذة كبدها تحدث معنا وعيناه مغمورتين بالدموع لأنه يتألم من المرض وكره المكوث داخل جدران المستشفى قال بعبارات حزينة "أعاني من سرطان الدم منذ صغري وأنا أخضع للعلاج لأنني أحس بالتعب الشديد وأتمنى أن أعود للعب والدراسة والعيش مع جميع أهلي". الواقع نفسه تعيشه الصغيرة شهرزاد أخبرتنا والدتها بأسى وحزن على حال طفلتها "في جانفي الماضي انتابت ابنتي الحمى وانتقلت إلى اللوزتين ولم تتوقف ألامها رغم تناولها الدواء"، وبسبب فقر أسرتها ظل الجميع ينتظر شفاءها لمدة شهرين دون جدوى، بعد ذلك تكوّن لديها ورّم في العنق وكشفت التحاليل الطبية عن إصابتها بسرطان الدم ومنذ ذلك الوقت انتقلت شهرزاد ذات 6 سنوات إلى المستشفى لتنطلق رحلة العلاج، أخبرها الطبيب المشرف على حالة ابنتها وبأنها ستغادر المستشفى عما قريب، شرط إعادتها بشكل مستعجل في حالة ما ارتفعت درجة حرارتها. وبجانب سرير شهررزاد يتمدد المراهق رشيد، الذي تقول والدته "نفسيته منهارة ولا يعلم أصلا أنه مصاب بالمرض الخبيث وبسبب فقر والده يتكفل عمه بالعلاج وقد أجرى الحصة الأولى من العلاج الكيماوي وهو لا يقبل بزيارة أحد ولا يريد أن يتحدث إلا معي أو الأطباء الذين يعالجونه". لا يعرف الأطفال معنى السرطان، لذا يخبرهم الأطباء وذووهم أنهم مصابون بمرض أو بميكروب في الدم، والانتهاء من العلاج لا يعني الشفاء التام، فمن خاصية السرطان إمكانية العودة بعد أشهر أو سنين بعد العلاج، لذلك تكون المراقبة ضرورية جدا ومن النادر أن يعود المرض بعد خمس سنوات لذلك تهدف المراقبة أساسا إلى البحث عن الآثار البعيدة للعلاج. سرطان الدّم في المقدمة يأتي سرطان الدم في المقدمة لدى الأطفال حيث يشكّل 10 بالمائة من مجموع أنواع السرطان متبوع بأورام الجهاز العصبي، وفي هذا الشأن تحصى الجزائر قرابة الألفين حالة سرطان دم لمرضى لا تزيد أعمارهم عن 16 سنة، وذلك بنسبة 59 بالمائة عند الذكور و41 بالمائة عند الإناث. وفي ذات السياق أكد المختص في أمراض السرطان» سنوسي عبدا لقادر"بمستشفى بني مسوس "سرطان الغدد اللمفاوية ينتشر لدى الأطفال بنسبة كبيرة، وفي ذات السياق أوضحت الدكتورة "رحماني" أنّ أسباب المرض عادة ما تكون جينية وفيروسية ويقتضي على الشخص المصاب متابعة خاصة ويومية لحالته لأن المرض ينتشر بسرعة كبيرة، وعليه يدعو المختص "سنوسي" إلى ضرورة التشخيص المبكر للإصابة بهذا النوع من السرطان، لأن هذا ما يسهل عملية علاج المريض وشفائه في كثير من الحالات لاسيما لدى فئة الأطفال إذا ما أتبعت الطرق السليمة للعلاج وتوفرت الأدوية الضرورية ولم يكن هناك انقطاع في التكفل بالحالة لسبب أو لآخر. وبدوره يعدّ سرطان النسيج اللمفاوي في الجزائر مرضا غير معروف ويصعب الكشف عنه لكنه قابل للعلاج، ويشير أخصائيون في أمراض الدم إلى أنّه يمكن لأي شخص أن يصاب بهذا النوع من السرطان، وهو ليس مقصورا على فئة عمرية معيّنة. ويرجع المختصون ارتفاع عدد الإصابات لأكثر من عشرة أنواع سرطانية خلال السنوات الأخيرة إلى عوامل بيئية ووراثية أبرزها، استهلاك أغذية كثيرة مشبعة بالدهون، عدم إتباع نظام بيولوجي متوازن واستبعاد تناول الكثير من الخضر والفواكه بالإضافة إلى بعض العوامل الصناعية كاستنشاق الهواء الملوّث وكذا المأكولات السريعة أو مايعرف "بالفاست فود" وكذا احتساء المشروبات الغازية بكثرة ودون معرفة مكوناتها، هذا بالإضافة إلى التعرّض لأشعة الشمس لفترة طويلة دون حماية، لاسيما بالنسبة للأطفال الصغار في السن. بعيدا عن العلاج الكيماوي قاعة للألعاب للتخفيف من معاناة المرض وما وقفنا عليه أنه يوجد داخل المستشفى قاعة كبيرة للهوّ والترفيه مخصصة للأطفال المرضى تتوفر على العديد من الألعاب و مزينة بأحلى وأبهى الرسومات والصور الكرتونية، يجتمع فيها الأطفال أثناء فترة الراحة من أجل تحسين حالتهم النفسية والإنقاص من مرارة الألم والمعاناة وكذا الرفع من معنوياتهم، ونحن متواجدون هناك لاحظناهم يلعبون ويمرحون كأطفال عاديين متناسين مرارة الداء، كما توجد داخل القاعة المرافقة النفسية والتي تكون حاضرة أثناء اللعب من أجل تحسين مزاج الأطفال. وفي هذا الشأن اقتربنا من المختصة النفسانية ناريمان سايح والتي قالت في تصريح ل »صوت الأحرار« »الأطفال هنا لا يدركون ما نوع المرض الذي أصابهم ومزاجهم يتغير كثيرا بسبب الألم وبعدهم عن ذويهم وأهليهم فتارة تكون معنوياتهم مرتفعة وتارة يتسرب الحزن إليهم، ويتوقف الأمر على نوعية الأدوية التي يتناولونها وحصص العلاج التي يخضعون لها« وتوضح »سايح« »يتابع المرضى الصغار هنا الدروس التي لم يستطيعوا الاستفادة منها في المدرسة لكي نخلق لهم فضاء يشبه جو المدرسة، لكن يبقى الأمر صعبا بالنسبة لهم بسبب المرض فسرعان ما يتسلل الملل إليهم أثناء الحصص فبعد ساعة من الزمن يطلبون من المرافقين أن يرجعوهم لأسرّتهم لإحساسهم بالتعب والإرهاق نتيجة الداء. أهل الخير دائما حاضرون يبقى التكافل والتضامن الاجتماعي الميزة الايجابية والراسخة لدى الجزائريين، حيث أن وجود أطفال محرومين وبعيدا عن ذويهم و يكابدون مرارة المرض لوحدهم دفع بالكثير من ناس الخير ورجال الأعمال إلى التنقل للمستشفى من أجل زيارة مرضى لا تربطهم بهم أي صلة لا من قريب ولا من بعيد، تعرفوا عليهم داخل جدران المستشفى وخلقوا معهم نوع من الصداقة وأصبحوا من أعزّ المقربين بالنسبة لهم. هم أشخاص داوموا على المجيء باستمرار للجناح الخاص لسرطان الأطفال بهدف إدخال الفرحة عليهم من خلال تقديم هدايا و ألعاب وكذا الألبسة والأفرشة للفئة المعوزة منهم، هذا ما أخبرنا به الطفل أيمن ذو العشر سنوات » أتلقى زيارة كل نهاية أسبوع من »عمو كمال« والذي تعرفت عليه داخل المستشفى وهو يأتي لي بالعديد من الهدايا والحلويات وهو يحضر لي في أغلب الأحيان كل ما أطلبه منه خاصة الألعاب» كما أخبرنا الأطفال أنهم يقومون بخرجات ترفيهية تنظمها لهم بعض الجمعيات والمحسنين إلى غابة بوشاوي وحديقة التسلية ببن عكنون وكذا حديقة التجارب بالحامة، وذلك يكون من خلال الموافقة التي يمنحها الطبيب لهم والتي تكون حسب حالة المريض ونفسيته. كما تحدثنا مع الصغيرة شيماء والتي تعاني من ورم في الظهر ألزمها الفراش قالت ببراءة وعفوية »أفرح كثيرا بقدوم نهاية الأسبوع لأنني أخرج بعيدا عن المستشفى وأذهب للغابة مع أصدقائي لأني أحب الجلوس في الطبيعة واستنشق الهواء النقي.
بالرغم من واقع السرطان في الجزائر ومآسيه إلا أن هناك عديد النجاحات والبدائل الواعدة أنتجها التقدم الكبير المحقق في مجال التكفل الطبي بالسرطان وأنواعه، هذا ما ينبئ بقطع خطوات معتبرة جدا في السنوات المقبلة، هذا من خلال ما أكده العديد من المختصون في الأورام السرطانية خلال عديد المؤتمرات والندوات المنعقدة في ذات الشأن.