يثير الخطاب السياسي الرسمي قبل وبعد القمة العربية الاخيرة بشرم الشيخ حتمية تفعيل العمل المشترك على محاربة الإرهاب و التطرف، وضرورة التنسيق الأمني لمواجهة التحديات المرتبطة بالأزمات التي تواجهها المنطقة العربية. وبين ما ساد في لقاء القمة في مارس الفارط ، و إجتماع وزراء الداخلية من قبل بالجزائر ، ثم إجتماع قادة اركان الجيوش في أفريل ، حصلت تفجيرات متحف قرطاج بتونس وتسجيل تطورات خطيرة للعنف الارهابي وما افرزه من حالات التوتر العربي في أكثر من نقطة ، بالشكل الذي صار يفرض تحديات أمنية خطيرة في المشرق والمغرب العربيين عبر مايحدث خاصة في ليبيا واليمن والعراق وسوريا . المواجهة العسكرية .. الاختيار ماقررته قمة شرم الشيخ بإجراء دراسة معمقة لإنشاء قوة عربية مشتركة كفكرة أطلقها من قبل الرئيس المصري بمعزل عن الوضع الذي تطور منذ ذلك الحين في اليمن أو الوضع في ليبيا ، دخلت مجال التنفيذ النظري عبر أعمال الاجتماع الأول ، في العشرين من أفريل ، للجنة العسكرية العربية رفيعة المستوى تحت إشراف رؤساء أركان الجيش في الدول الأعضاء بجامعة الدول العربية للنظر في تنفيذ القرار ومناقشة المهام المنوطة بهذه القوة وكيفية تمويلها ،على أن يتم عرض نتائج أعمالها على اجتماع مجلس الدفاع العربي المشترك المنتظر عقده في غضون أربعة أشهر لإقرارها قبل رفعها للقمة العربية المقررة بالمغرب في مارس 2017. القرار وإن نص على أن مشاركة الدول العربية في هذه القوة يكون "اختياريا" " و ليس المطلوب منه إنشاء حلف ضد احد ، فهو يهدف إلى تزويد الجامعة العربية بآلية لمكافحة الإرهاب تكون مثل القوة الإفريقية للرد الفوري على الأزمات التي استحدثها الاتحاد الإفريقي ، حيث ستضطلع بمهام التدخل العسكري السريع لمواجهة الإرهاب والتحديات المتعلقة بهذا الخطر الذي يهدد امن وسلامة أي من الدول الأعضاء وسيادتها الوطنية ويشكل تهديدا مباشرا للأمن القومي العربي بما فيها تهديدات التنظيمات الإرهابية وذلك بناء على طلب من الدولة المعنية. بهذا القرار يكون سقف المطالبة بشن الحرب على الارهاب عسكريا قد ارتفع أمام تنامي الظاهرة التي برزت بأشكال معزولة في بعض دول المنطقة العربية ثم صارت تعرف تصعيدا خاصة بعد الانتفاضات التي شهدتها دولا اخرى للمطالبة بالتغيير ، والتحول من الحراك السلمي إلى العنف الدموي الذي أصبح يهدد كيانات الدولة على غرار ما تشهده سوريا والعراق وليبيا واليمن ،الامر الذي جعل الجميع يستشعر الظرف العربي الدقيق ، وأن حدود الدول الاخرى صارت على مقربة من مواقع التهاب النار أو النزوح الانساني وما يثيره من إشكالات الاستقبال . وساهم غياب المشروع الوطني وتصدير الاوضاع إلى خارج الإطار العربي والاستعانة بمظلات خارجية في اتساع رقعة الأزمات و توغل الإرهاب في المنطقة العربية ليستغل من قبل بعض الاطراف تحت ذرائع مختلفة وبمعايير مزدوجة كالخلط بين الإرهاب كإجرام منظم تمارسه عصابات اجرامية والدين الاسلامي الحنيف الذي ينبذ العنف ويدعو إلى المحبة والتسامح والإخاء ، وكذا الخلط بين الإرهاب والكفاح المشروع للشعوب من اجل تقرير مصيرها. الوضعية المقلقة التي يراد إنشاء قوة عسكرية لمواجهتها إذا استمرت دون معالجة شاملة لن تستثني أحدا ، و العمل المشترك ينبغي أن يتسم بالفاعلية والتكامل في محاربة الإرهاب عبر التصدي لمنابع التطرف ومحاولات تبرير العنف ، ومواجهة الذين يشجعون الإرهاب والجريمة المنظمة بالدعم اللوجستيكي أو بتسهيلات اللجوء لوسائل الاعلام للتحريض على الاعمال الإرهابية وتمجيدها ، وتجفيف مصادر تمويل الإرهاب والشبكات المرتبطة به ، والحظر التام لدفع الفدية لمختطفي الرهائن وتجريم هذه الممارسة ، ومكافحة الاتجار بالمخدرات التي اصبحت تمول الإرهاب وتنخر المجتمعات العربية وتهدد صحة شبابه وتقويض الامن والسلم الاجتماعيين . منابع الارهاب .. الوقاية الاستهداء بتلك الحقائق كمخاطر امنية وما تطرحه من معطيات الميدان على ضوء التطورات والمستجدات على الساحتين الاقليمية والدولية سمحت بالتأكيد على أن الجريمة المنظمة العابرة للأوطان بما فيها الإرهاب أصبحت هي التحدي الكبير الذي يطرح اليوم ،لاسيما في ظل العولمة و الانفتاح الاقتصادي و حرية تنقل الأشخاص إضافة إلى سرعة وسهولة الاتصالات ، مع التشديد على أنه لا يمكن لأي دولة مهما كانت كبيرة أو قوية أو غنية مكافحة هذا النوع من الإجرام بمفردها . التعاون العربي الذي كان في مستوى قنوات وواجهة التنسيق والوقاية و التصدي ومحاربة الارهاب في إطار مجلس وزراء الداخلية العرب منذ عام 1982 ، وإذ قطع أشواطا بدءا من الإستراتيجية الأمنية العربية باعتبارها الإطار العام للتعاون العربي في مجال مكافحة الجريمة بكل أشكالها، وصولا إلى العديد من الإستراتيجيات الخاصة بمكافحة مختلف الجرائم والقوانين النموذجية و المدونات ، وإبرام العديد من الإتفاقيات المتعددة الاطراف لاسيما الاتفاقية العربية لمكافحة الإرهاب لعام 1998 التي تعد نموذجا للتعاون بين الدول العربية في المجال الأمني وكذا الاتفاقيات المتعلقة بمكافحة مختلف أشكال الجريمة المنظمة التي تم التوقيع عليها بالقاهرة في شهر ديسمبر 2010 ، فإنه يثير اشكالات متباينة ضمن العمل العربي المشترك إلى حد إطلاق الاتهامات الخطيرة بين بعض دول الجوار رغم انضمامها له ، وحتى إن تم فهو يفتقد للكثير من عناصر التوازن التي انجرت عنها الكثير من الانعكاسات السلبية المغيبة لإجماع الموقف الموحد خارج الاطار النظري السليم . في مكافحة المخدرات وعلاقتها بالإرهاب ، الظاهرة أضحت اليوم من أخطر المعضلات التي تواجه العالم و المنطقة العربية على السواء ، و بالرغم من اتخاذ حزمة من الإجراءات التي من شأنها مكافحة هذا الداء أو الحد منه من خلال الأمانة العامة لمجلس وزراء الداخلية العرب ، إلا أن مكتبها المتخصص بشؤون المخدرات مازال يدعو إلى تفعيل و تعزيز التعاون و زيادة التنسيق في هذا المجال حتى تكون المواجهة مشتركة و شاملة في حدود القوانين والأنظمة المعمول بها في كل دولة . ومازالت الخطط المرحلية لتنفيذ الإستراتيجية العربية لمكافحة الاستعمال غير المشروع للمخدرات و المؤثرات العقلية تعرف اشكالات في التنفيذ رغم إثبات علاقتها بتمويل وتنفيذ الارهاب ، و رغم قدم اعتماد الاتفاقية العربية لمكافحة الاتجار غير المشروع بالمخدرات والمؤثرات العقلية عام 1994 و القانون العربي الموحد للمخدرات النموذجي وكذا الخطة الإعلامية والإصدارات المتعلقة بالمخدرات و المعجم العربي للمواد المخدرة و المؤثرات العقلية . وتطرح المقاربة الخاصة بمعالجة مشكل الهجرة غير الشرعية تباينا في جدية التنفيذ بالنظر للهوة الموجودة بين الدول العربية نفسها ، مع انها ، أصبحت اليوم شغلا شاغلا بالنسبة للعديد منها لارتباطها بظواهر إجرامية أخرى ذات خطورة كبيرة كتهريب الأسلحة والمخدرات و الإتجار بالبشر . وتسجل الكثير من الاطراف بأن الحلول الأمنية ليست كفيلة لوحدها بمحاربة هذه الظاهرة، لان الأمر يتعلق بمشكل إنساني قد يأخذ أبعادا خطيرة في حالة ما إذا لم يتم التكفل به بعناية من خلال تعاون فعال وفي إطار مسعى شامل مشفوع بإجراءات عملية كمعالجة الأسباب المؤدية إلى الهجرة غير الشرعية،لاسيما بؤر الفقر والحرمان والتوتر في دول المصدر. من بين المسائل التي صارت مثارة على المستويين العربي و الوطني خطط مكافحة جرائم تقنية المعلومات التي بدأت في الاستفحال وأصبحت إحدى الوسائل التي تستعين بها العصابات الإجرامية في أنشطتها الهدامة و بالخصوص الجماعات الإرهابية التي تستخدم اليوم الإنترنت و شبكات التواصل الاجتماعي في مجالات إجرامية مثل ربط الاتصالات فيما بينها و التدريب على العمليات الإرهابية وصناعة المتفجرات و تجارة المخدرات أو ارتكاب جرائم سرقة الأموال و تبييضها والترويج لأعمال العنف و الإرهاب ضد الأبرياء و الإشادة بها . هذا الأمر الذي يتطلب إرساء تعاون فعال في مجال الوقاية والمكافحة على المستوى العربي، وإن كان قد شرع فيه باعتماد الاتفاقية العربية لمكافحة جرائم تقنية المعلومات عبر جملة من الإجراءات القانونية والقضائية الهامة ،و إقرار الإستراتيجية العربية لمواجهة الجرائم الإلكترونية التي أعدت بعد عدة سنوات من الدراسة و التمحيص كآلية لمكافحة هذه الظاهرة ، يستدعي في الوقت نفسه اتخاذ قرارات حاسمة لتفعيل الآليات لمراقبة المواقع الالكترونية المحرضة على العنف مع المطالبة بعدم منح اللجوء السياسي للإرهابيين و تسليم المطلوبين قضائيا. مواجهة عولمة الارهاب هذه القضايا التي تفرض مقاربة أمنية على أسس علمية يتولاها أهل الخبرة للقضاء على الإرهاب ، هي بحاجة إلى مواكبة اجتماعية وثقافية لمعالجة التطرف بنشر القيم الإنسانية والقبول بالاختلاف عبر تكثيف الجهود بين الدول العربية وتبادل المعلومات فيما بينها حول ما يتعلق بالجماعات الارهابية ووضع خطة لاستئصال هذه الظاهرة في الوطن العربي بمساهمة الاعلام ورجال الدين وكذا الحركات الجمعوية لتحسيس المجتمعات بخطورة ظاهرة الارهاب. بالنظر لما حصل ويحصل فإن الدول العربية مدعوة إلى بلورة سياسية قوية وجادة مصحوبة بآليات تنفيذ محل إلتزام ، وهي التي دعت عبر اجتماع وزراء الداخلية بالجزائر الى عقد ندوة دولية تحت إشراف الأممالمتحدة لمناقشة ظاهرة الارهاب من جميع جوانبها مع تقديم الحلول لمعالجة أسبابها ودوافعها الحقيقية وتحديد مصادر تمويلها ، إلى جانب ضرورة الإسراع في إبرام إتفاقية دولية تعرف بشكل دقيق ظاهرة الارهاب. ولن يكون الحضور العربي مميزا ضمن المجموعة الدولية من أجل صياغة اتفاقيات دولية تعرف بظاهرة الارهاب وتحمل المجتمع الدولي مسؤولية محاربتها إلا إذا تم تحقيق ما إلتزمت به الهيئة العربية من ضرورة تشريع قوانين تجرم الالتحاق بالتنظيمات الارهابية واتخاذ تدابير كفيلة للحد من نشاطها الخاص بالترويج لنشر أفكارها المتطرفة واستقطاب المجندين ، و تبادل الخبرات والمعلومات الخاصة بمحاربة الارهاب والجريمة وكذا البحث عن شراكة فعالة بين كافة فعاليات المجتمع لتجفيف منابع تمويل الجماعات الارهابية. ولأن الاقتراحات التي قدمت مؤخرا ما تعلق منها بتنظيم ملتقيات لفائدة عناصر الامن للبلدان العربية لدراسة الاجراءات الوقائية و وضع آليات تسمح بتبادل المعلومات المتعلقة بالجماعات الارهابية ، قد وجدت ترحيبا ، فإن انشاء لجنة عربية مشتركة تتكون من إطارات تسهر على متابعة التوصيات المتفق عليها لتحديد استراتيجية للتصدي لظاهرة الارهاب أضحت أكثر من ضرورة على ضوء الوضع الملموس في أكثر من نقطة ، فمن غير المقبول أن تجهر بعض الدول بتجريم دفع الفدية والبعض الاخر يدفعها سرا للجماعات الارهابية لتحرير رهائنها ؛ وبتوفر الارادة الصادقة ضمن التعامل مع هذه الاطر فان أمر تشكيل قوة عربية مشتركة يكون ممكنا في الاجال ، لكن القوة العسكرية وحدها لن تكفي ..