أكد مثقفون فلسطينيون أنه على الرغم من 6 آلاف أمر عسكري إسرائيلي يمنع إدخال الكتب إلى التراب الفلسطيني إلا ان شعبهم يخلد تاريخه وتراثه الثقافي الذي يعد الرهان الرئيسي في مقاومة إحتلال يقوم على طمس هوية شعب لفائدة آخر. وقال الكاتب جميل سلحوت في مداخلته حول الوضع الثقافي لمدينة القدس ، قدمها في إطار برنامج الاسبوع الثقافي لدولة فلسطين برسم تظاهرة "قسنطينة " عاصمة الثقافة العربية ، أنه يوجد حاليا 34 ألف مسكن فلسطينيبالقدس مقابل 74 ألف مسكن إسرائيلي ، و هو الفارق الذي يعكس الشروط التعسفية و التعجيزية المفروضة على الفلسطينيين الراغبين في بناء سكنات ، بالشكل الذي يودي إلى "تهويد و خنق المدينة المقدسة" المعترف بقيمتها العالمية. ويسجل أنه في ظرف ثلاثة اشهر خلال العام 2013 تم منح ما لا يقل عن 1680 رخصة بناء بالمناطق العربية لفائدة إسرائيليين مقابل ستة (6) فقط لفلسطينيين في ظل احتلال اسرائيل لجزء من 5000 كلم مربع من الضفة الغربية وما يشكله من خطر مضاعف على المواقع الفلسطينية التي تبقى مفتوحة على السرقة المبرمجة للأراضي التابعة للمقدس و مصادرتها لفائدة مشاريع الاستيطان القائمة على التدمير الاجتماعي والثقافي إلى جانب الحصار الاقتصادي والتجاري . وعمق سفير فلسطين لدى منظمة الأممالمتحدة للتربية والعلوم والثقافة اليونسكو الياس صنبر في قراءته لحقيقة هذه الارقام بإبراز الأخطار و الإنعكاسات الوخيمة للاعتداءات الإسرائيلية على التراث الفلسطيني بالرغم من انضمام فلسطين إلى اليونسكو . وتفيد الوقائع أنه بإمكان وحدات إسرائيلية أن تقوم بعمليات اقتحام في اي لحظة و تدمر وتنهب الاثار الفلسطينية مثلما حدث ويحدث لتمثال العذراء والمسجد الأقصي وكنيسة البربارة التي تعد من أقدم الكنائس?.؛ فالأمر يتعلق بنهب ممتلكات اثرية من مواقع تاريخية بواسطة "مافيا" اسرائيلية لبيعها في تل ابيب أو في الخارج إضافة إلى تدمير أثار أخرى تعود للعهدين الأموي و البيزنطي بغرض الإبقاء على التراث اليهودي وفق سياسة ينتهجها المحتل الإسرائيلي. من خلال قيامه بالحفريات الأثرية "الهمجية" يسعى الاحتلال إلى محو أدنى اثر لمجموعات بشرية و حضارات عمرت من قبل ارض فلسطين لفائدة الآثار العبرية من اجل إضفاء شرعيته كدليل بالآثار على تواجده بهذه الأرض مما يجعل المعمرين اليهود يعتقدون أن الأرض ملكهم . الدبلوماسي الفلسطيني ، صنبر ، و المترجم المعتمد للشاعر الفلسطيني الكبير محمود درويش يصف هذه الأعمال بالوحشية عند تناول حال القدسالمحتلة وما تقوم به جمعية إسرائيلية أنشاها عسكري إسرائيلي في سنوات الثمانينات لتنجز أشغال الحفر بالرغم من عدم امتلاكها لخبرة في هذا المجال إلى درجة أن مختصين يهود في علم الأثار نددوا بهذه السلوكات لان الحفريات التي بررت حفر أنفاق في حي سلوان تهدد بشكل مباشر أساسات المسجد الاقصى ثالث المقدسات الإسلامية . في الضفة الغربية ، أين تم تصنيف مهد ولادة يسوع المسيح كنيسة المهد و طريق الحجاج بيت لحم كتراث عالمي للإنسانية في سنة2012 ، مازال الدمار يتربص بحوالي 500 موقع أحصتهم الدولة الفلسطينية من خلال الحفريات الجارية على مستوى المستوطنات الإسرائيلية، في الوقت الذي يهدد جدار الفصل الاسمنتي، الذي أدانته الاممالمتحدة، المواقع الأخرى على امتداد طول 700 كلم منها إبتلاع جزء من موقع بلد الزيتون و الكرمة ? منظر ثقافي في جنوبالقدس، وهو عبارة عن مساحة فلاحية يعود نظام الري بها إلى الحقبة الرومانية ما جعل اليونيسكو تقوم بتصنيفه ضمن التراث العالمي المهدد في سنة 2014 ، و في مطلع شهر ابريل 2015, كاد مسار الجدار أن يقسم أراضي قرية بيت جالة (بيت لحم) حيث يوجد الموقع المسيحي الأسطوري. ويحمل القرار الأخير الذي أصدرته العدالة الإسرائيلية فيما يخص تغيير مسار جدار الفصل الذي يهدد هذا الموقع المسيحي الكثير من الرياء والتحايل المبطنين حسب رجال القانون ، فهو يسمح بتغيير المسار دون الفصل في عدم شرعية الجدار الذي أنجز و احتل 85 بالمائة من الأراضي الخاضعة لإقليم اختصاص السلطة الفلسطينية بمقتضى اتفاقيات أوسلو لسنة 1993 ، ما يشكل نهبا للأراضي الفلسطينية ،والاهم من ذلك فإن قرار المحكمة الإسرائيلية العليا يمكن اسرائيل من الإفلات من الانتقادات و الإدانات الدولية. أمام هذا الوضع فإن إخطار المحكمة الجنائية الدولية التي اصبحت الدولة الفلسطينية عضوا فيها منذ ابريل 2015 حول حالات تدمير التراث الفلسطيني أمر لا بد منه ، وقد قام الفلسطينيون بإيداع لدى المحكمة شكوتين إحداهما تخص الاستيطان و تتضمن عمليات تهديم التراث الثقافي الذي تعتبره معاهدة اليونسكو لسنة 1954 جريمة حرب. وذكر الدبلوماسي الذي يجمع بين الثقافة والسياسة إلى جانب كونه أستاذا في القانون الدولي أن هذا الاخير يلزم القوة المحتلة بعدم إحداث تغييرات في الإقليم الخاضع لمراقبتها ، و تقع أشغال الحفر الإسرائيلية و تدمير التراث تحت طائلة القانون ، وهو ما جعل "بن يامين نتنياهو" (الوزير الاول الاسرائيلي) يسابق محكمة الجنايات الدولية بفرض الامر الواقع من خلال تكثيف المستعمرات الاسرائيلية قبل دراسة هذه الشكاوى ويعد بالحفاظ على وحدة القدس بمجملها غير مبال بانتقادات المجتمع الدولي. بهذه الحجج الواهية تقوم السلطات الإسرائيلية بنزع ملكية السكان وبالتالي تحويل سوسيولوجية و وجه المدينة المقدسة ، حسب عديد الملاحظين، في حين يبقى عمل المؤسسات و الجمعيات و علماء الاثار الفلسطينيين على مواقع مثل كنيسة الميلاد ببيت لحم (المصنفة من قبل اليونسكو) بالغير كافية رغم الجهود الملحوظة ؛ وقد كانت تبعات تموقع المستوطنين الاسرائليين وخيمة على التراث بمدينة الخليل حيث أصبح الحي التاريخي الفلسطيني المحيط بالمسجد الإبراهيمي مهددا ببناء مستوطنات جديدة. وبقدر ما تشكل حماية التراث الفلسطيني انشغالا لدى المجتمع الدولي إلا أن المشكل لا يكمن في النصوص و لا في اللوائح بل في سلوك المحتل الذي لا يحترم القانون الدولي ويعتبر نفسه فوق القوانين ،وهو ما يقوض باستمرار جهود الفلسطينيين . على سبيل الذكر فقد استصدرت منظمة اليونسكو اللوائح بالعشرات غير أن تطبيقها يواجه باللاعقاب الذي تنعم به اسرائيل ، الامر الذي يفرض ضرورة أن تعمل الديبلوماسية الفلسطينية باستمرار على التأكيد على قواعد القانون لفضح لا شرعية الاحتلال على جميع الأصعدة . بفضل هذا المسعى الكفيل بتجنيد الرأي العام الدولي ، بدأ الفلسطنيون يحرزون النجاح عندما صوتت الأغلبية الساحقة بمنظمة اليونسكو في سنة 2011 لصالح انضمام فلسطين ، مثلما أفرز العمل المتمحور حول القانون الدولي وعيا لدى مزيد من البلدان والمجتمعات بلا شرعية الاحتلال واليقين من أن الاعتراف بدولة فلسطين سيقفز الى مستوى أعلى مستقبلا . كيفية التوفيق بين المسعى الدبلوماسي - القانوني و ضرورة الصمود والتعجيل بحماية التراث الفلسطيني ، تطابقت حولها نظرة الكاتب "السلحوت " مع مفاهيم الدبلوماسي "صنبر" من أن ثمة ضرورة قصوى للقيام بدلك في فلسطين ؛ يراها سفير فلسطين باليونسكو عبر إعادة التأكيد و بشكل منتظم على مبادئ القانون الدولي فيما يخص تدمير التراث الثقافي الفلسطيني ، والتأكيد على النضال الدبلوماسي ضمن مساعي وجهود الفلسطينيين من أجل فضح لاشرعية الإحتلال الإسرائيلي أمام الرأي العام الدولي و مواجهة مخططات دولة تعتقد أنها فوق القوانين .. ويركز عليها الكاتب السلحوت ببذل المجهودات للحفاظ على هوية الشعب الفلسطيني كالسلسلة الإنسانية الفلسطينية التي أنشئت حول الجدار العازل و الاستعماري الذي يحيط بالقدس حيث يتم دعوة الشباب للحديث عن المدينة العربية مهد الحضارات و المركز الثقافي و الروحي و السياسي للشعب الفلسطيني ولفت انتباه الرأي العام العالمي الى الأخطار التي تحدق بالثقافة و الهوية ، وما تكتسبه إرادة الفلسطينيين في بلوغ تصنيف اليونسكو للمواقع ال13 المقترحة حتى اليوم. كما تتجلى هذه الضرورة على حد قولهما من خلال الظروف المعيشية التي لا تطاق و التي يتكبدها الشعب الفلسطيني في عزمه على التصدي للمحتل منذ قرابة 70 سنة مضت ، و مواجها المحاولات الإسرائيلية لمحو ثقافته و تهويد مدينة القدس التي توصف باليائسة و بلا جدوى مادام الاقتناع والإجماع بأن القدس " مدينة تعددية الإرث و الثقافات." وهي قلب المعركة بمرجعيتها الشرعية والقانونية إلى جانب ارتباطها بالذاكرة الفلسطينية المسنودة عبر التسجيل الأول لمدينة القدس وأسوارها علي قائمة التراث العالمي من خلال أول جلسة استثنائية للجنة التراث العالمي في عام?1981? ثم تسجيل القدس علي قائمة المواقع المهددة بالخطر في عام?1982. مختار بوروينة