أوليات الإصلاح : للتربية دور لا يستهان به في تشكيل مادة الأمة وصلبها، فهي تصيغ العقول والمشاعر، وتشكل اتجاهات الأفراد وتصوراتهم لما يحيط بهم من موجودات، وعوالم وفضاءات فيزيقية وثقافية وسياسية وغير ذلك، وترسم مسالك وأنماط التواصل مع بعضهم، ومع الشعوب والمجتمعات الأخرى، ويناط بها أيضا أن تهيئ لهم سبل شحذ إمكاناتهم ومواهبهم الفنية وتثقيف عقولهم، وتفجير إبداعاتهم، وتطوير قدراتهم الهندسية والصناعية « الذاتية »، فيسمح لمجتمعاتهم بكسب الرهانات المعقودة، وتشييد الصروح والجسور نحو الآفاق المرسومة. ومن هنا كان لا بد من التعهد المتواصل للمسالك التي عيّنت، والمناهج التي صمّمت، والطرائق التي اعتمدت، من أجل إحداث تغيير جذري للمضامين والطرائق، وتعبئة الموارد بحيث تتناغم مع المتطلبات الراهنة للإصلاح ومقتضياته، فكل بلدان العالم تطلق من حين لآخر حملات الإصلاح التربوي. فهو يسمح بتحديد كيفيات الاستفادة من التراكم المعرفي المتجدد، ومسايرة التطورات العلمية والتقنية المتسارعة، ونظرا لأهميته اعتبره العلماء بمثابة المحرك لقاطرة المجتمع نحو العصرنة والرقي الحضاري. وعليه، يتعين علينا تقويم الحصاد بأسلوب تحليلي معمق، ورؤية نقدية واعية قبل الشروع في عمليات الاصلاح، بعيدا عن التجاذبات الإيديولوجية والانقسام اللغوي بين الجزائريين، الذي أفرز « قبيلة » فرنكوفونية شديدة التعصب لمكتسباتها الأجنبية، تتفاخر علنا بازدرائها لكل ما يمت للمجتمع من رصيد وإرث ثقافي واع ولغوي عالم، وتخوض دون حياء في الكثير من المسائل دون تمحيص أو تحقيق، وتعتقد بأن تعاطيها للموضوعات بلغة أجنبية (الفرنسية بالتحديد) دليل ذكاء وفطنة، وحجة يعتد بها في كل شيء. أما القبيلة الأخرى، والتي هي قابلة للتعلم والتواصل، كثيرا ما تتحول إلى ذوات منفعلة لما يشيعه الآخرون، ويروجونه من شبهات وأفكار شاذة. ويجب أيضا الكشف عن مواطن القوة ومواضع الخلل والضعف، وتقديم الاقتراحات العملية والتوصيات بناءة، لتحسين مسار الإصلاح وتحقيق النجاحات. ولا أن أظن من الحكمة بمكان أن يصبح الدافع الأساس للتغيير والإصلاح هو التذمر المبالغ فيه، والصراخ المتعمّد بسبب ما يسجّل من إخفاق، ويحصل من عثرات. ومن غير المعقول، كذلك، أن تتحمّل جهة واحدة أسباب الفشل، كما لا يجب أن يعزى إليها وحدها من دون غيرها النجاح، ومن هنا فإن مهمة تقليص مجال الفشل وزيادة نطاق النجاح هي مهمة جميع الشركاء. نعم، أول منْ يسأل ويكلّف هم القائمون على التربية والتعليم، ولكن ما هي حدود مسؤوليات الآخرين؟ فهل يجرى عندنا استنفار كافة قواعد ومؤسسات المجتمع للتأهب الدائب لإنجاح مسار التقدم التربوي، وتحقيق النهضة العلمية المطلوبة والمستوى الثقافي المعتبر؟ وهل استوعب كل طرف مسؤولياته؟ منذ قرون قليلة كانت بعض المدن المغاربية حواضرا علمية تُستدعى فيها كافة العناصر والمرافق والفعاليات والمؤسسات لتعمل سويا لمرافقة أهل التعليم والتعلّم وتحفيزهم، وتهيئة الفضاءات والأجواء الموائمة للتربية والتعليم والتثقيف، ولذلك كانت النتائج جيدة. لا يمكن أبدا أن تؤدي المدرسة دورها على أكمل وجه، وتتخطى على الأقل معضلة الرسوب الهائل في المسابقات المصيرية، من دون مشاركة فعالة من قبل المؤسسات الاجتماعية الأخرى، والتزام كافة الأطراف بدورها في هذا الهدف الوطني المصيري. لا بد من إسهام جماعي لإنجاح حركة التربية والتعليم والتثقيف، ومن مرافقة مجتمعية، وإيجابية، ومثمرة لجميع المتمدرسين، ومن سد الينابيع التي تشيع وتبث صفات العبثية والتقاعس والخمول، وقيم احتقار أهل التعليم، والحطّ من طلب المعرفة، ولا بد من منح المعلمين الموارد الكافية التي تسمح لهم بالتفرغ لمهنتهم، وتحسين أدائهم؛ كما ينبغي توفير الحياة الكريمة للأسر الجزائرية حتى لا تدّخر جهدا لتهيئة الظروف الحسنة والشروط الكفيلة بتحسين ما يتعلق بنشاط التعلم لدى أبنائهم. ولا ينبغي أن تختزل عمليات الإصلاح إلى أرقام وإحصاءات تُشيد عليها الاستخلاص وتُطلق التأويلات، يجب أن ينصرف الجهد ويستفرغ لتغيير الذهنيات السائدة والارتقاء بالمؤسسات القائمة؟، فما يقول إدغار موران (Edgar Morin): « لا يمكن إصلاح المؤسسة من دون إصلاح للذهنيات أساسا، كما لا يمكن إصلاح الذهنيات من دون إصلاح أوليٍ للمؤسسة » (La Voie ; p251) خاصة في هذا البلد الذي تصطف فيه النخب المثقفة لغويا، ويتحول فيه الاختلاف أحيانا إلى صراع اجتماعي قابل للتغذية والتهييج من مصادر عديدة. ومن أهم أوليات الإصلاح أيضا عدم الاستسلام للخيبات والعثرات لدرجة تفضي إلى اليأس والنكوص، فلا ينبغي أن يصبح منطق الفشل قائدا للإصلاح، فهو يختار دوما النزول إلى سفح الوادي كحل سهل وطريق مختصر لإزاحة الصعوبات وتذليل العثرات والتعقيدات. يعتبر تشخيص المرض خطوة أولية يتلوها نهوض ووثبٌ نحو الأعلى، بقصد تهيئة الأجواء للدفع بالمجهود المعرفي والتنموي نحو أعلى مستوياته، وتجاوز أو مواءمة ما يتحقق عالميا في شتى الميادين والمجالات، وإرساء المستلزمات الضرورية لتعزيز مكانة بلدنا ضمن الأمم المتقدمة، فكلما علت الهمة ازدادت المروءة، وازداد الصعود في مدارج المعرفة والعلم والتقنية. من أين نبدأ؟: يتفق المربون على أن نقطة البدء لانطلاق لإحداث التغيير المأمول تكون بعد عمليات التقويم الشامل للحصاد التربوي والتعليمي، ولكن هل يصح أن نقوّم حصادنا دون الأخذ بعين الاعتبار ظروف عمليات الزرع، بالنسبة للمربين والفاعلين التربويين عموما، والوقت المستغرق في الإنبات. دون أن نغفل أهمية وضرورة أن ينطلق التفكير والعمل في ظروف ملائمة، بمنأى الصرخات المتعالية، ومع اجتناب « الخرجات » غير الموزونة التي تجعل القضايا المصيرية الكبرى محل تجاذبات إيديولوجية، وسببا لزيادة الإحباط، وزرع بذور الفرقة. علينا أن نستحضر أيضا النواحي المظلمة والنواحي المضيئة أثناء ذلك كله، ويتعين أيضا مقارنة مشاكل التعلّم مع بقية البلدان، فظاهرة الفشل والتسرب الدراسيين لا تخص بلدا دون آخر، فالكل يعاني منها، فالأفضل إجراء مقارنات حقيقية للشؤون والقضايا التربوية على الصعيد العالمي، والنظر في الاقتراحات والحلول التي تم التوصل إليها. وفي هذا الصدد نشر المختصون في فرنسا خريطة جغرافية عامة لأخطار التعرض للرسوب، وأخرى لأسبابه، حيث تحدثت الدارسة عن الفئات الأكثر عرضة لخطر الفشل الدراسي، وبيّنت أن الظاهرة تتفشى في المناطق التي تشهد مزيجا من »الهشاشة الاقتصادية والأسرية والثقافية في الوسط الحضري » أو « الهشاشة الاقتصادي في البلديات المتوسطة الصغيرة »، وأمدت فئتين أساسيتين تعانيان من « صعوبات المتعلقة بالحياة الأسرية والإسكان الاجتماعي في المناطق الحضرية » أو من « الهشاشة الثقافية في المدن الصغيرة »، والشيخوخة في الأوساط الريفية، مع انعدام « للأمن الاقتصادي والدعم الثقافي ». وصمّم الباحثون سنة 2006 مؤشر قياس للمتسربين من الدراسة، الذين تتراوح أعمارهم بين 15 و24 سنة، في البلدات التابعة لفرنسا (بما فيه مستعمراتها) فتبين أنّ 35 بالمائة من هذه الفئات تركت مقاعد الدراسة ولم تتحصل على شهادة، هو عدد معتبر في دولة متقدمة ترحل إليها القلوب والعقول دون غيرها من البلدان. رغم ذلك، فهناك جوانب مضيئة لا بد من الانتباه إليها، ففي الوقت الذي كان فيه المهتمون بالشأن التربوي في فرنسا يتحدثون عن انخفاض المستوى طلع عليهم كاتبان فرنسيان) (Baudelot et Establet,1989 بكتاب عنواناه « المستوى في صعود أو في ارتفاع » (Le niveau monte) رفضا فيه الفكرة الشائعة التي مفادها أن المستوى الدراسي في انخفاض، ولفتا النظر إلى وجود تطورات في مجالات لا نلقي لها بالا، مما يستدعي التفكير أولا في تحسين الأداء البيداغوجي، وربما تكييف الرزنامة، وإضافة عناصر جديدة تستهوي التلاميذ وتتلاءم مع مزاجهم وأساليب تعلمهم الجديدة التي اكتسبوها من خلال الواقع المعيش أو بفضل التقنيات الحديثة. فلننظر إلى بعض التلاميذ الذين لم تتمكن منظومتنا التربوية من المحافظة عليهم، لأسباب قد تتعلق بالمضامين الرتيبة أو الطرائق العتيقة، فقد نجح بعضهم في حياتهم العملية، بل تفوقوا أحيانا على معلمين وأساتذتهم في مجالات تقنية « ذكية ». وعليه، يجب أن ينصرف التفكير إلى النواحي التي يجب تثويرها ليُقبل التلميذ على المدرسة بنفسية إيجابية، بدل كتم أنفاسه (أتحدث عن المراهق خاصة) لساعات طويلة، وعدم توزيع المقررات بشكل سلس ومقبول، وأحيانا نجد بعض المواد تجثم سنة كاملة أو سنوات عديدة على صدر الطالب دون أن يبرع فيها أو يتحرك قلبه نحوها، في حين بعض العلماء « التقليدين »، وبعض المدربين ينجحون بسهولة في تخريج متفوقين في علوم بعينها، في دورات زمنية محددة. من هنا يمكن نبدأ: أعتقد أن نقطة الانطلاق التي يجب أن تبدأ منها عمليات الإصلاح هي ردم الهوة، وتقليص الفجوة بين الجامعة والثانوية أو المدرسة بشكل عام، وذلك في كل المواد العلمية والأدبية، فضلا عن تقليص الفجوة بين كافة أطوار التعليم. من السهل التأكد من اتساع هذه الهوة إذا وقفنا على حجم الرسوب في الجامعة، وهو مشكل تعاني منه الكثير من بلدان العالم، مما يقتضي اضطلاع الجامعة بتقويم « تشخيصي » للوافدين إليها في كافة التخصصات، للوقوف على الخلل، ومعرفة المكتسبات لدى الوافدين، وبالتالي رسم ملامح الوافد المنشود، وتقديم المواصفات المرتقبة من مؤسسات التربية والتعليم، ليتسنى رفع درجات الاستيعاب لدى الطالب. ومن أهم الجوانب التي من المفروض التأكيد عليها بالنسبة للوافدين إلى الجامعة، إلى جانب المعارف المختصة، تطوير ملكتين أساسيتين لدى التلميذ بعد قضائه لمدة استغرقت 12 أو 13 سنة من التعليم دون الإشارة إلى المرحلة التحضيرية. وتتلخص الملكة الأولى في ملكة التعبير والافصاح والإبانة والتبيين (Faculté d'expression) وتتعلق الثانية بالاستدلال والتفكير والبرهنة (Faculté de raisonnement) فالعناية الجيدة بهما كفيلة بأن تجعل الوافد إلى الجامعة على بيّنة من أمره فيما يتعلق بالمقدرة على الفهم الاستيعاب، والإبانة والإفصاح والتعبير، فضلا عن القدرة على البرهنة وممارسة التفكير، وإعمال العقل، والإقناع، حتى يسهل عليه الانتقال إلى مستوى جديد، تتسم فيه عمليات التعلم بالنضوج والقدرة على اِدرك المعنى وإصابة الهدف، دون أن يتعثر وتنسد أمامه أبواب المعرفة بسبب استعمال لغة غير منطقية وغير ناضجة وغير مكتملة. وقديما كانت الأسر العربية في العصر « الجاهلي » تتحمل عناء غياب فلذات أكبادها من أجل تمكنها من الفصاحة، فترسلها إلى البادية العربية التي كانت بيئةً صحيةً ولغوية، قبل أن تعهد بها إلى الكتاتيب، حيث مان المعلم يكتب على ألواح من الطين الطري، ثم يجفف، ويقدّم تلك الألواح للتلاميذ ليكتبوا مثله في ألواحهم، ويُروى أن يوسف الثقفي كان يُعلم في كُتاب له في الطائف. قبل أن تأتي مرحلة التعليم العالي بالمعنى المجازي للكلمة، حيث يتعلم طالب العلم يتعلم على يد بعض المعلمين والعرافين الطب، والفلك، وعلم الريافة، وعلم القيافة، وعلم الفراسة. تتطلب شحذ وتطوير هذه الملكات استكمال التكوين في علوم الآلات، كما تسمى قديما، اللغة والنحو وعلوم البلاغة الثلاث، فضلا عن الحساب والإحصاء والرياضيات، ولِما لا بعض مبادئ علوم الآلة « الإسلامية » لاستكمال الملمح الفكري والثقافي. ومع إتقان اللغة العربية يجب أيضا إتقان اللغات المطلوبة للبحث والمطالعة… والأفضل أن نترك الجدل العقيم الرائج عندنا، ونضع خطة مستقبلية لفض هذا الاشتباك الفكري الجاف الذي نشأ بسبب الاختلاف والخلاف اللغوي، ويحضّر كل أستاذ ليصبح قادرا على تدريس تخصصه باللغة العربية دون عقدة أو تلعثم؛ وفي ذات الوقت ينبغي أن يصبح كل « جامعي »، بما في ذلك أهل الأدب العربي أو مقارنة الأديان، يملك القدرة على المطالعة ومزاولة البحث باللغة العلمية التي صدر فيها المقال أو نشر الكتاب، فمن العيب أن يرجع طالب الدكتوراه أو الأستاذ أحيانا إلى كاتب من دولة مشرقية ليقف على تعريف كتب باللغة الفرنسية، فالأجدر أن يرجع إليه فيما كتب بالعربية أو الإنجليزية أو الألمانية مثلا. من نتائج الفقر اللغوي وعدم القدرة على الفهم أو الغوص الجيد لإصابة المعنى المقصود عندنا اضطرار الكثير من الأساتذة في بعض التخصصات إلى التضحية بالمحتويات والمضامين التي تتطلب قدرات لغوية وذهنية وفكرية عالية، وهكذا تحول بعضهم اضطرارا إلى « معلمي الصبيان »، بالمعنى التقليدي للكلمة. يتعين علينا أن نفكر في كيفية رفع المهارات اللغوية وليس خفضها، وهذا ما أكد على أهميته منذ أكثر من أربع عقود أحد العلماء الألمان (Basil Bernstein ; 1971) الذي بيّن في دراسته السوسيو- لسانية أن الحديث باللغة المتطورة في البيت، فما بالك بالمدرسة، يُسهم في تبلور الرموز لدى الطفل ويعمل على نضج وتطور ادراكاته للعالم، وأساليب تعبيره عن الأشياء، ويؤثر إيجابا على اتجاهات تفكيره مستقبلا، فلا يُعقل أن يفكر بعضنا في خفض مستوى اللغة والنزول بها إلى أدنى مستويات التعبير بدعوى تجنب العجز في أساليب توصيل المضامين المعرفية، فهذا أسرع طريق للإعاقات اللغوية، فيمكن الحديث عن تبسيط اللغة، وهذا ما نراه منذ عقود في الكتب المدرسية، وهذا ما دعا إليه علماء البلاغة منذ قرون، وهناك بالطبع فرق شايع بين اللغة المبسطة واللغة العامية، فالأولى أصبحت سائدة في الصحف والمقالات المختلفة، وهي تتقمص أيضا المصطلحات العلمية دون عناء، أما العامية فتعجز عن ذلك. أما ما يتعلق بملكات البرهان، ومهارات التفكير والاستدلال، فهي تحتاج إلى جهد كبير جدا، لتطويرها بالقدر الكافي، حتى لا ويرهق الطلبة في السنوات الأولى الجامعية، خاصة في العلوم الصلبة (Science Dur)، التي يزهد فيها الكثير من الطلبة بعد أن يعجزا فيها، وأو يفرون منها زرافات ووحدانا نحو العلوم الأخرى (Science molle). ولهذا يتطلب الأمر الاستفادة من جهود الباحثين الجامعيين في مجال « تعليمية » هذه العلوم لتقديم النصح اللازم، والتقليل من الخسائر التي تكبدها المجتمع العلمي لحد الآن جراء التحويلات السلبية. وأظن بأن تنصيب لجان مشتركة دائمة بين الجامعة ووزارة التربية والتعليم من شأنه أن يقدم العون المطلوب لإيجاد حلول ناجعة، وتحسين المسارات الدراسية لأبنائنا، وفتح الآفاق أمامهم للذهاب أبعد مما تتيح رغباتهم وطموحاتهم. أما فيما يخص المقترحات القديمة الجديدة حول التوجيه نحو التمهين، فيتطلب الأمر إشراك كافة الوزارات حتى لا يحصل كما حصل للجامعة، حيث يتحدث الكل عن النظام التعليم الجامعي الجديد المهني، ولا زالت ولادة غامضة غائبة، فلا أحد طالب الوزارات الأخرى أن تبني جسورا مع الجامعات، بدل التشبث بمعاهدها ومدارسها. وبدل التفكير في الآليات الصحيحة لتطوير هذا المنحى راح البعض، وبتأثير من فكرة التميهن، يحجّم مسار التكوين الأكاديمي، ليخرج للحياة العملية طلبة لا تكفيهم مدة التخصص أن يستوعوا المطلوب منهم.
وفي الختام، لا يجب أن تنصرف العملية للمناهج فحسب من أجل تكييف وتطوير المقررات والطرائق ووسائل التقويم، بل لا بد أن تؤخذ بعين الاعتبار كافة المقومات والعناصر الأخرى، مثل التشريعات والنصوص، وأوضاع المعلمين والأساتذة وظروف عملهم، والشروط العامة الاجتماعية والمهنية المتعلقة بالفاعلين والقائمين على هذه المهمات الكبرى .