مدني مزراق يرد على الوزير الأول بخصوص مسألة تأسيس حزب سياسي، القضية طفت على السطح مثل نكتة صيفية لا يدوم مفعولها طويلا، لكن ما جرى يمثل درسا بليغا يضاف إلى قائمة طويلة من الدروس التي أهملنا مراجعتها ولم نستوعب منها شيئا. قائد ما كان يسمى الجيش الإسلامي للإنقاذ، وهذه هي الصفة الوحيدة التي يمكن ذكره بها، يحاجج بالقانون، ويذكر الوزير الأول بتصريحات سابقة، وفي هذه المرة لم يكرر ما كان يقوله منذ سنوات من أن تنظيمه وضع سلاحه بناء على اتفاق سري مع الجيش، بل ذكر المرسوم الرئاسي الذي بموجبه تم العفو عن الآلاف من عناصر التنظيم مع احتفاظهم بحقوقهم المدنية والسياسية، ويؤكد أن قانون المصالحة الوطنية الذي يحرم ممارسة السياسة على من كانوا طرفا في المأساة الوطنية، لا يعني جيشه المنحل في شيء. المسألة كلها ليست قانونية، فقد كان منتظرا أن نصل إلى مثل هذه المآزق منذ البداية حيث اختارت السلطة أن تبقي باب التوبة مفتوحا أمام الإرهابيين حتى بعد انقضاء الآجال التي حددها القانون، وقبل سنوات من الآن كانت مواقف الرسميين متناقضة حول هذه المسألة، ولم ينفع تذكير أحمد أويحيى، وهو الذي يوصف دوما بأنه أقرب الساسة من صناع القرار، بأن آجال الاستفادة من تدابير المصالحة انتهت، في غلق هذا الباب، وآخر أخبار طلب الاستفادة من هذه التدابير يعود إلى أيام قليلة فقط. منذ البداية كان هناك خيار سياسي يقوم على تسيير الملف الأمني بالغموض من خلال تجاوز النصوص القانونية، خاصة ما تعلق بالآجال، كما تم اللجوء إلى تقديم الوعود غير المكتوبة، وانتهى الأمر بفتح الباب أمام العائدين من الجبال لممارسة النشاط السياسي فعليا، وتمكينهم من الظهور بشكل منتظم في وسائل الإعلام، وكان استقبال مدني مزراق من قبل أويحيى في إطار مشاورات تعديل الدستور الخطوة التي كسرت كل الحواجز. الدولة مؤسسات، والمؤسسات يحكمها القانون، والقانون لا يعترف إلا بما هو موثق، أما الدولة الشفوية التي تقوم على الوعود الكلامية، والصفقات غير المعلنة فلن تجني إلا سوء الفهم الذي قد يقود مرة أخرى إلى الاصطدام بالجدار.