من دون مبالغة أو تزييف لما هو حاصل على أرض الواقع أن الأغلبية الساحقة في المجتمع الجزائري فقدت الثقة في المسابقات التي تجريها القطاعات الوطنية المختلفة، وفقدت من خلالها الأمل في الإحراز على منصب عمل أو مقعد بيداغوجي مقرر في هذه المسابقة أو تلك، والكل أصبح يدرك جيدا وبقناعة راسخة أن حظوظه ضعيفة جدا جدا في النجاح في أية مسابقة، والظفر بأي منصب بيداغوجي، أو منصب عمل ما لم يكن له "توصية أو دعم " من شخص قوي ونافد، أو جهة قوية ونافدة، حتى وإن كُان الجميع لا ينكر وجود مسؤولين نزهاء مخلصين في سائر القطاعات، أو على رأسها، حاولوا ويحاولون الحفاظ على السير الأمثل لهذه المسابقات، إلا أنه ليس من السهل على أغلبيتهم التفطّن لتفاصيل الانحرافات الحاصلة، وليست لهم القدرة الكافية على الوقوف في وجه روادها ومن هم وراءهم. فكم من مسؤول ومواطن مخلص مُنبّه، فاش ورافض لهذا الوضع الفاسد كان مصيره التهميش أو التحويل، أو نزع المسؤولية منه، بل وحتى الفصل من عمله عن طريق وشايات منمقة وتفخيخات محبوكة، صادرة عن أشخاص أو جهات مسؤولة، وغالبا ما تكون الجهة العليا الوصية، صاحبة القرار لا علم لها بحقيقة الحال، أو لم تكلف نفسها عناء البحث والتحرّي في التفاصيل الفعلية لما جرى وفيما بلغها، وتُصدر حكمها القاسي ومن دون تريث بناء على ما قدّمه لها من ضلّل وادّعى، وتلك هي الطامة الكبرى التي سوّدت الأبيض. وبيضت الأسود. ولن أذيع سرّا إن قلت أن كثيرا من إطاراتنا وكفاءاتنا الناذرة النزيهة والمخلصة عبر عدد من القطاعات والمستويات قد تعرضت لمثل هذه الإكراهات والتفخيخات والوشايات الهدامة، منهم من قضى نحبه، ومنهم من هاجر لغير رُجعة، ومنهم من يتجرّع في صمت مطبق داخل وطنه مرارة الظلم الذي سُلط عليه. هذا الأمر ليس بالهيّن وفق ما يعتقد البعض ممّن جرفهم هذا التيار الفاسد، وانخرطوا فيه، بل هو أمر هام جدا وخطير في نفس الوقت، ويستوجب وقفه بقوة الدولة، والمسؤولية الأولى فيه منتظرة من أعلى هرم الدولة، الذي أرى من موقعي كمواطن جزائري، وكصحفي مُتتبع لعدد من القطاعات اللصيقة بالمسابقات الوطنية المختلفة أن يأمُر بإعادة النظر في القواعد التي تتأسّس عليها المسابقات، وفي الطرق والكيفيات التي تجري بها، وفي الطواقم البشرية التي تسهر على إجرائها وتصحيحها، والتدقيق القبلي والبعدي في تحديد أسئلتها، وأجوبتها. ولن أذهب بعيدا في التدليل على ما أقول من ذكر مهزلة التزوير والتلاعب بنتائج مسابقة الأطباء المقيمين التي جرت قبل أيام في وهران، التي كان فيها "حاميها حراميها "، وتحتّم على وزير التعليم العالي الطاهر حجار أن يتدخل شخصيا، ويقرر إلغاء نتائجها وإعادتها. وكذا مسابقة توظيف المضيفين في الخطوط الجوية الجزائرية، التي قرر مديرها العام فتح تحقيق بشأنها، وإلغاؤها هي الأخرى وارد جدا. شخصيا وبكل ما أملك من تجربة مهنية ودراية بقطاعات التربية الوطنية والصحة والتعليم العالي، وما أحرص على متابعته في قطاعات وطنية أخرى، لا أُؤمن بالمطلق بصحة ونزاهة المسابقات الوطنية الجارية عبر القطاعات المختلفة في وضعها الراهن، إلا في نزرها القليل، بل الذي أعرفه جيدا ومتأكد منه مائة بالمائة أن الكثير الكثير من أبناء الجزائر المقتدرين "رسبوا"، بل رسّبوهم في مسابقات وطنية عديدة في الحصول على منصب بيداغوجي أو منصب عمل، وهم اليوم نوابغ ومهارات علمية وتكنولوجية خارج أرض الوطن، والدول المستقبلة لهم مُمسكة بهم بأيديها وأرجلها وفق ما يُقال، وتخصّهم بنعيم العيش وكافة الامتيازات مقابل ما يقدمونه لها من إنجازات علمية، معرفية وابتكارات في المجالات المختفة.