إن أكبر دولتين إسلاميتين في العالم قد تؤديان بالعالم الإسلامي إلى الهاوية من خلال حرب عسكرية مذهبية محتملة، على اعتبار أن الغرب يكون مستفيدا من التدمير الذاتي لقدرات دولتين إسلاميتين أو قدرات العالم الإسلامي برمته إذا اشتركت عدة دول أخرى في هذه الحرب مثل باكستان وهي دولة إسلامية سنية نووية عسكريا. هاتان الدولتان مختلفتان من حيث القومية، واحدة عربية هي المملكة العربية السعودية، وأخرى فارسية هي إيران، ومتصارعتان من حيث المذهب فواحدة سنية هي السعودية والأخرى شيعية هي إيران، ومتنافستان حول النفوذ في العالم الإسلامي عامة والخليج العربي خاصة، واحدة دول عسكرية قوية هي إيران والأخرى لا قوة لها سوى مقتنياتها من الأسلحة ومعاهدات الدفاع المشترك إلى جانب قوتها المالية بفعل النفط وهي السعودية. وقد بدأ الاستقطاب الإسلامي حول كل دولة من الدولتين، حيث اصطفت بعض الدول الإسلامية السنية حول السعودية مثل دول الخليج والسودان مثلا، واصطفت دول أخرى حول إيران مثل العراق التي تسيطر عليها الشيعة، ولو أن الغالبية تميل لصالح السعودية بشكل عادي على اساس أن أغلبية دول العالم الإسلامي سنية بما يقارب مليار مسلم سني، في حين تحصي الشيعة نحو 120 مليون مسلم شيعي. وتمكنت إيران من عقد تحالف متين مع روسيا، تجسد في دعم موسكو للمشروع النووي الإيراني، وميدانيا تقاتل إيرانوموسكو جنبا إلى جنب إلى جانب نظام بشار السد في سوريا. بينما ترتبط السعودية بتحالفات استراتيجية مع الولاياتالمتحدةالأمريكية، رغم المخاوف من ضعف تحالفها مع أمريكا بسبب تطوير أمريكا للغاز الصخري وقلة تبعيتها مستقبلا للنفط السعودي. وبين الدولتين خلافات جوهرية معقدة خاصة تجاه الوضع في دول المنطقة، ففي العراق أصبح النفوذ الإيراني واضحا للعيان، وفي سوريا تدعم إيران النظام السوري، بينما تدعم السعودية المعارضة السورية المسلحة، وفي اليمن تدعم السعودية ما تسميه الحكومة الشرعية في حين تدعم إيران جماعة الحوثيين، وفي البحرين تعمل إيران على التمكين للمعارضة الشيعية بينما تعمل السعودية على تثبيت أركان الحكم الملكي السني، وفي لبنان تدعم إيران حزب الله الشيعي وتدعم السعودية تيار المستقبل أساسا لأنه سني. وهكذا نلاحظ أن الخلافات خرجت من العلاقات البينية إلى صراع نفوذ خارج الحدود. وشهدت العلاقات بين الدولتين تدهورا تاريخيا، نظرا لما سلف ذكره، وقد وصل الأمر حتى المواجهة العسكرية ولو بالنيابة، فالعراق في عهد صدام حسين شنت حربا ضروسا ضد الدولة الإيرانية الفارسية نيابة عن كل دول الخليج التي موّلت الحرب. وفي الفترة الراهنة، وخاصة بعد تدمير العراق، لم تعد هناك في منطقة الخليج العربي والشام والحجاز دولة عربية كبيرة بمقدورها مواجهة إيران، فوجدت السعودية نفسها مضطرة لأخذ المبادرة على ثلاث مراحل، تمثلت الأولى في قيادة درع الجزيرة عام 2011 ضد محاولة إسقاط مملكة البحرين من قبل معارضة شيعية يقال أنها تتلقى الدعم من قبل إيران، وتمثلت المرحلة الثانية في عاصفة الحزم شهر مارس 2015 ضد الحوثيين في اليمن الذين يقال أيضا أن لهم امتدادات في الخارج وتحديدا إيران، أما المرحلة الثالثة فتمثلت في التحالف الإسلامي ضد الإرهاب الذي يضم 34 دولة سنية. ومن خلال التمعن في سلوكات السعودية السياسية والعسكرية المذكورة، يمكن القول أن السعودية مدركة كل الإدراك أنها لا تقوى بمفردها على مواجهة إيران عسكريا، وبالتالي لجأت إلى خيارات تاكتيكية تمثلت في هذه التحالفات. وبالتالي فإن التدهور الأخير في العلاقات الثنائية بين السعودية وإيران، والذي وصل إلى حد قطع العلاقات الدبلوماسية والتجارية، وتبعتها دول إسلامية أخرى مثل الإمارات والسودان والبحرين والكويت، يؤشر إلى أنه في حالة وصول الأمور إلى مواجهة عسكرية مباشرة فإن الحرب قد تتحول إلى حرب إسلامية مذهبية عالمية، لا يعلم إلا الله بنتائجها السلبية على العالم العربي والإسلامي. السؤال المطروح بإلحاح هو لماذا وصلت الأمور إلى هذا الحد من التدهور في العلاقات والتي تنذر بمواجهة عسكرية لا تربح فيها السعودية ولا إيران أي شيء، بل ستخسر معظم دول العالم الإسلامي جراء حرب محتملة بين البلدين.