لا حديث في الجزائر منذ صباح أمس وإلى غاية اللحظة، إلا عن الفريق الوطني وعن معركة السودان المصيرية ضد مصر، فبعد أن عاش الجزائريون ليلة هادئة عقب مباراة أول أمس، استيقظ مشجعو الخضر اليوم على وقع استقبال المناصرين العائدين من أرض الكنانة، استقبالا يليق بالأبطال، و» صوت الأحرار« أبت إلا أن تتواجد بمطار هواي بومدين واحتكت بهؤلاء الأنصار الذين تحدثوا عن تجربة قالوا إنهم لم يعيشوا مثلها من قبل. حركة غير عادية ميزت مطار هواري بومدين الدولي، ازدحام كبير، وحركة سيارات ترفع العلم الوطني وعبارات تشجيع للخضر كان يهتف بها المشجعون الذين جاؤوا من كل مكان لاستقبال الأنصار الذين عادوامن القاهرة، كل هذه المظاهر جعلت من مطار هواري بومدين يعيش أجواء مميزة لم يعشها من قبل. ولعل أقل ما يمكن أن يقال عن كل هذا المشهد هو أن المواطنين و الأنصار الذين قدموا إلى مطار هواري بومدين قد خصوا القادمين من مصر باستقبال الأبطال، فداخل المطار وبجانب بوابة استقبال المسافرين، تجمهر عدد من المشجعين ممن لهم أقارب أو حتى أصدقاء أو جيران ذهبوا إلى أرض الكنانة لمناصرة الخضر معربين عن فرحتهم بعودة الأنصار من جهة، ومنددين بتعرض بعضهم للضرب من جهة أخرى، وقد اختلفت ملامحهم بين الغضب والتجهم، والابتسام. أما الأنصار الذين توافدوا على مطار هواري بومدين قادمين من القاهرة منذ الساعات الأولى للصباح في رحلات مختلفة، فقد كانت الدهشة بادية على وجوههم، لكنهم رغم ذلك كانوا يرتدون ألوان العلم الوطني، ويؤكدون إصرارهم على الوقوف مع الخضر في معركتهم المقبلة، وما أن اقتربنا من هؤلاء حتى عبروا عن مدى استياءهم من الظروف القاسية التي عاشوها في مصر، وكان أكثر ما شد انتباهنا هو إجماع الكل على أنهم قد عادوا من الجحيم، بينما أكد البعض الآخر أنه لا يصدق أنه قد عاد إلى أرض الوطن سالما ، في وقت عاد فيه البعض الآخر ليحجز تذكرة يذهب بها إلى السودان. عمال المطار يشاركون في الاستقبال حمى مباراة مصر والجزائر لم تقتصر فقط على المناصرين والمشجعين الذين تهافتوا على المطار من أجل استقبال العائدين من القاهرة، غير أننا عندما اقتربنا من بعض الناس الذين اعتقدنا أنهم في البداية من العامة، أخبرونا أنهم يعملون داخل المطار، لكنهم لم يستطيعوا تفويت هذا المشهد الذي نستطيع أن نقول إنه تاريخي، بينما أخبرتنا إحدى العاملات أنها جاءت لتستقبل المناصرين الاستقبال الذي يليق بالأبطال، لأنهم كانوا إلى جانب الخضر في قلب الحدث، وقد زادت قناعتها بذلك بعد الأنباء التي وردتنا عن تعرض عدد منهم للضرب. شائعات حول وجود قتلى في مثل هذه الأجواء المشحونة، وبعد أن نزلت طائرة صبيحة أمس تقل المناصرين المصابين بجروح بعد الاعتداء عليهم من طرف أنصار الفريق المصري حيث تم نقلهم إلى المستشفى من أجل الاطمئنان على صحتهم، بدأ الجميع داخل المطار يتحدثون عن وجود قتلى في صفوف المناصرين الجزائريين، وقد اختلفت الأرقام التي قدمها لنا بعض العمال في المطار، بين 4 و 6قتلى، غير أننا عندما توجهنا إلى مصلحة حفظ الجثث على مستوى المطار، أكد لنا أحد المسؤولين أنه لم يتلق أية جثة بعد، وداخل المكان لم نلحظ وجود عائلات تنتظر وصول جثث ذويها، غير أن ذات المصدر أخبرنا أيضا أنه في حال حدوث وفاة في أوساط المناصرين فإن السلطات المصرية لا يمكنها بحكم القانون إخراج أية جثة من أرضها إلا بعد مرور 48 ساعة، بمعنى أنه إذا كانت هناك أية وفاة فإن الجثث ستصل بداية من اليوم. حجار ينقذ المناصرين المحتجزين في ملعب القاهرة »عشنا في جحيم حقيقي« كانت هذه العبارة التي رآى المناصرون العائدون من القاهرة أنها تعبر عن الظروف التي عاشوها هناك، فقد أوضح لنا حداد عيسى أحد المناصرين العائدين من مصر أنه خرج رفقة أصدقائه من الملعب عقب المباراة في تمام الساعة الواحدة صباحا، وعلى الرغم من أن المسافة التي كانت تفصل بين الفندق والملعب كانت صغيرة، إلى أن مناصري الفريق المصري قد تمكنوا من قطع الطريق أمامهم والاعتداء عليهم وحرق عدد من الحافلات، بينما بقي البعض من الأنصار محتجزا داخل ملعب القاهرة إلى أن تدخل سفير الجزائربالقاهرة عبد القادر حجار لإنقاذ الموقف وإخراجهم من هناك، وأضاف الشاهد أن بقية الأنصار الذين تخلفوا في القاهرة ظلوا محتجزين في الفندق إلى حين مغادرتهم. وقد أوضح لنا مناص آخر أن المناصرين المصريين قد اعتدوا على أنصار المنتخب الوطني لمجرد رؤيتهم يرتدون الألوان الوطنية، وقد احتج نفس المناصر على الطريقة التي عاملت بها السلطات المصرية المناصرين الجزائريين بداية من عدم توفير الأمن والحماية لهم، ووصولا إلى وضعهم في زاوية مظلمة أثناء المباراة، كما أكد أيضا أنهم وجدوا أنفسهم تحت حصار فرضته مكبرات الصوت التي استعان بها المصريون لإخفات صوت المناصرين الجزائريين، فلا يصل إلى اللاعبين. وأضاف رشيد وهو مناصر آخر من العلمة، أن الأنصار تم نقلهم إلى الملعب في تمام الساعة الثانية عشرة، ليمضوا بذلك 6ساعات كاملة في انتظار المباراة ممنوعين من الخروج أو الدخول لقضاء حاجاتهم، أو لشراء الأكل أو الشرب. أما مناصر آخر من البليدة، فقدت بدت ملامح الدهشة على وجهه، حيث قال لنا إنه لم ير في حياته أجواء مشحونة مثل تلك التي شاهدها عقب المباراة في شوارع القاهرة، مضيفا أنه لا يصدق أبدا أنه قد عاد من هذا الجحيم إلى أرض الوطن. وللأطفال أيضا نصيبهم للطفل إسلام البالغ من العمر9 سنوات، قصة أخرى، فقد كاد يتعرض هو الآخر للضرب، لولا أن والده قد اهتدى إلى خطة لحمايته، حيث قام بلفه بالعلم المصري، إلا أن ذلك لم يفد كثيرا، حيث حاول العديد من المناصرين المصريين ملاحقته بعد أن بان لون سرواله الأخضر من تحت العلم. وقد أصيب بعض المناصرين العائدين من مصر بخيبة الأمل لما شاهده، مؤكدا أنه ما كان يتوقع من الإخوة المصريين الذين تربطنا بهم عروبة، وإسلام وجغرافيا مشتركة، أن يفعلوا ما فعلوه لمجرد لعبة،مذكرين بحفاوة الاستقبال التي حظوا بها في الجزائر لدى قدومهم. هذه القصص وغيرها من صور الفيديو التي عاد بها المناصرون الجزائريون الذين شهدوا مباراة الجزائر مصر، ليست سوى جزء بسيط مما عايشه هؤلاء هنا، ويبقى الطريف في كل هذا الموضوع، هو أن الكثير من هؤلاء الأنصار الذين تبنوا قضية تأهل المنتخب الوطني إلى المونديال، يعقدون العزم على الذهاب إلى السودان لمناصرة الخضر وشحذ همتهم لتحقيق الفوز، حيث هتفوا طويلا لسعدتن، ورددوا عبارة إن شاء الله يا ربي الجزائر كاليفي.