اليوم تمر بالتمام والكمال عشرون سنة كاملة على أحداث 5 أكتوبر 1988 ، تلك الأحداث التي فجر فيها الشباب غيظه وسخطه على الواقع، بهدف واحد : التغير نحو الأحسن. وقد قرر النظام بموجب تلك الأحداث الولوج في مرحلة التعددية السياسية والنقابية والثقافية وغيرها من التعدديات ، لاعتقاده أنها الطريقة المثلى للتغيير نحو الأفضل. وسواء أكان الشباب الثائر حينذاك مدفوعا لها دفعا – أي أن الأحداث كانت مؤامرة - أو كانت عفوية فإن الهدف منها حسب الشباب هو تغيير الحال التعيس المتجسد في أزمة متعددة الأبعاد : ثقافية سياسية اقتصادية واجتماعية. الشباب إذن ثار، وقدم دمه قربانا على معبد " الأحسن والأفضل " ، وبعد عشرين سنة ، أصبح الحلم عبارة عن بخار، فمن السخط على الحزب الواحد إلى السخط على التعددية الحزبية، وأصبح الشعب برمته يحن إلى عهد " أحادية جبهة التحرير الوطني " ، ويلعن التعددية التي جلبت الإرهاب وعدم الإستقرار، ويلعن التعددية الشكلية ، تعددية الواجهة، التي ليست هي التعددية المنشودة التي كان يحلم بها ، يحلم بالديمقراطية، وحرية التعبير عن الرأي. وأصبح في كل انتخابات يمنح أغلبية أصواته للأفلان في رسالة واضحة المضمون والدلالة. اليوم حتى المخضرمين من الصحفيين والكتاب ورجال الفكر، يؤكدون أن الحرية والديمقراطية وقوة النقاش كانت في عهد الحزب الواحد أفضل بكثير من عهد التعددية. وكثير من النواب والوزراء يؤكدون أن البرلمان في عهد الحزب الواحد كان مهاب الجانب وأكثر قوة ، وقوة اقتراح أحسن بكثير من البرلمان الذي تفرزه التعددية السياسية وقوائم الأحرار. حتى المجتمع المدني في عهد الحزب الواحد كانت تمثله منظمات أقوى بكثير من منظمات المجتمع المدني اليوم الذي تعدت 5 آلاف جمعية وطنية. اليوم تمر عشرين سنة من قرار إلغاء الحزب الواحد، وبدل الدخول عهد تعدد الأحزاب، تكاد الجزائر تعيش عهد اللاحزب بالنظر إلى المستوى المتواضع للآداء السياسي وللخلافات التي تعيشها الأحزاب داخليا، ولانتقال سلطة الحزب من يده إلى دوائر أخرى. وحتى العمل الصحفي أصبح محل جدل، ومستواه التحريري والأخلاقي قد يكون دون مستوى العمل الإعلامي في عهد الحزب الواحد. إن الذكرى العشرين لانتفاضة 5 أكتوبر، تعود هذه السنة في ظروف دولية صعبة للغاية : أزمة مالية دولية أخطر من الأزمة الإقتصادية لعام 1929 ، وليس مستبعدا أن تلقي بضلالها على المجتمع الجزائري، وتنتج وتفرخ نفس الظروف التي فجرت الشارع ذات يوم قبل عشرين سنة. الذكرى نعم .. لكن العبرة منها ومن الظروف المحيطة بها واجبة على أية حال. [email protected]