يتزامن هذا المقال مع العيد الوطني السوري الرابع و الستين )17 أفريل 1946-17 أفريل 2010(. أول ما يسمعه الزائر الجزائري إلى سوريا هو التقدير الكبير للجزائر وللشعب الجزائري من خلال ثورة نوفمبر وبها يقاس مستوى تحدي الجزائريين و يقدم نموذجا للمقاومة من أجل الاستقلال والتحرر والتحدي لكل أشكال القمع والهيمنة. تقدير ومرجعية شكلتا العامل الأساسي للعلاقات السورية- الجزائرية منذ استرجاع استقلال الجزائر )1962( ولمواقفهما المتكاملة حول القضايا العربية وفي مقدمتها القضية الفلسطينية والصراع العربي-الإسرائيلي. يتذكر السوريون مواقف الجزائر الثابتة والميدانية ودعمها المباشر في الحروب العربية ضد إسرائيل،و مواقف الجزائر المبدئية تجاه تسوية الصراع العربي-الإسرائيلي من منطلق إبعاد الحلول الجزئية التي تؤول في النهاية لصالح الطرف الآخر. وضمن هذه المقاربة كانت الجزائر، رفقة سوريا وليبيا في الواجهة العربية لرفض اتفاقية كامب دافيد )جبهة الصمود والتصدي(. شكلت الثورة الجزائرية )1954-1962( مرجعية ومنطلق لهذا التوافق و الانسجام السوري-الجزائري حيث كان لسوريا، شعبا و حكومة، موقف موحد،معنويا وماديا، بجانب حرب التحرير الوطني الجزائرية. تميز موقف الشعب السوري بالدعم المطلق للثورة الجزائرية والانتقاد الشديد لأي موقف لحكوماتهم المتعاقبة لا يرقى للأهداف والوسائل الكاملة للثورة الجزائرية، مطالبين سواء إعلاميا أو عن طريق المظاهرات أو في المجلس النيابي )الممثل بكل نوابه من مختلف الأحزاب( بمقاطعة فرنسا. لعبت الجالية الجزائرية المتواجدة بسوريا منذ نفي الأمير عبد القادر)1852( إلى دمشق من طرف الاستعمار الفرنسي – دورا هاما في تقوية الاتصال بين السوريين و الجزائريين. أثناء دورات مجلس النواب السوري حظيت القضية الجزائرية باعتبار خاص و اهتمام متميز، وكان رد فعل النواب باستمرار متجاوبا مع تصاعد حرب التحرير الجزائرية، وذلك بالضغط على حكومتهم ومن خلالها على الأقطار العربية من أجل مضاعفة وتقوية التأييد العربي والدولي للقضية الجزائرية. خصص البرلمان السوري جلسات خاصة لمناقشة مدى التأييد العربي للثورة الجزائرية. من خلال مداخلات النواب الجميع قدم انتقادات حادة لعدم وصول التأييد العربي للثورة الجزائرية إلى مستوى تضحيات الشعب الجزائري وحجم قوة القمع الفرنسي وتبنوا قرارات بما فيها:" استنكار مجلس النواب لإختطاف الجزائريين وتكليف الحكومة لتبادر فورا إلى دعوة الحكومات العربية لتخصيص مبلغ لا يقل عن خمسين مليون ليرة سورية لنصرة إخواننا العرب في الجزائر. »وجدت هذه القرارات موافقة دون تحفظ، من طرف رئيس الحكومة السوري السيد صبري العسلي الذي حضر الجلسة ووعد بتنفيذها . برز التجاوب الحكومي مع رد الفعل الجماهيري وممثليه في مجلس النواب من خلال تبرير الحكومة السورية على أن مهاجمة الأملاك الفرنسية و مراكزها الثقافية بحلب قرار: انبعث من صميم عرب متأملين من الفعلة الشنعاء فأرادوا أن يعبروا عن احتجاجهم كما عبر العالم العربي بأجمعه وقد تعرضوا لبعض الأبنية التي هي ملك للفرنسيين«. كرد فعل على اختطاف الخمسة أعضاء من قادة الثورة الجزائرية من طرف الاستعمار الفرنسي تظاهرت الجماهير السورية ضد الإجراء، كما أدان النواب السوريون بشدة الاستعمار الفرنسي، مطالبين بمضاعة التأييد المادي في جميع المجالات من أجل إفشال خطط الاستعمار الغاشم لإضعاف الثورة الجزائرية، أحد النواب اقترح موقفا سوريا موحدا يعتمد على الأسس التالية : »قطع العلاقات السياسية مع فرنسا واستدعاء البعثات السياسية منها؛ قطع العلاقات الثقافية واستدعاء البعثات العلمية منها؛ توقيف جميع أعمال شركات الملاحة البحرية والجوية الفرنسية ومنع بواخرها وطائراتها من ارتياد الموانئ والمطارات العربية والمرور بمياهها وأجوائها الإقليمية، مقاطعة المؤسسات والشركات المالية الفرنسية والدعوة إلى الامتناع عن التعامل معها و إلى سحب أموال وودائع العرب أفرادا ومؤسسات وحكومات من المصارف الفرنسية ووضعها عند الاقتضاء لدى مؤسسات قومية عربية، منع الاستيراد من الأسواق الفرنسية وإبطال رخص الاستيراد القائمة تشكيل حكومة الجزائر الحرة وتمثيلها في الجامعة العربية وتقديم كافة المساعدات لها لتمكينها من متابعة نضالها ضد الاستعمار«. كل التيارات الحزبية داخل المجلس النيابي السوري استنكرت باستمرار الاستعمار الفرنسي و طالبت الحكومة السورية بالدعم المعنوي والمادي المطلق للثورة العربية في الجزائر التي هي عمل من أجل تحرير بقية أجزاء الوطن العربي و تحقيق الوحدة العربية. تأييدهم لهذا المفهوم نابع ليس فقط من قناعات ذاتية وشعور أو إحساس عربي بل نابع كذلك من الالتزام الدستوري للنائب أثناء تأديته لقسم اليمين الدستوري . قبل أن يباشر النواب عملهم يقسم كل منهم أمام المجلس اليمين حسب المادة 46 من الدستور »أقسم بالله العظيم أن أكون مخلصا لدستور البلاد ... وأن اعمل لتحقيق وحدة الأقطار العربية« تضمن كذلك التأييد السوري الجماهيري تنظيم تبرعات مالية و تقديم معدات طبية. شكلت لجان لذلك التأييد بالتنسيق مع ممثلي جبهة التحرير الوطني، دمشق كانت مصرفا أساسيا لجمع التبرعات المالية العربية بحكم أن سوريا كان بها حرية تصريف العملات. في هذا الإطار سلم للجزائريين في مارس 1957 1800.000 ليرة سورية و132.130.49 دولار بصكوك موقعة من الرئيس القوتلي نفسه، وفي نفس السنة تسلم ممثل مكتب جبهة التحرير الوطني بدمشق صكا آخر قدره مليار وخمسة ملايين فرنك. إعلاميا، خلال مراحل حرب التحرير الجزائرية، أظهرت سوريا دعما واسعا، مطلقا وتعبويا بجانب القضية الجزائرية بما فيها تخصيص ساعة يوميا في الإذاعة السورية يشارك فيها سوريون وجزائريون. تأييد الحكومة السورية للجزائر كان قويا لدرجة عدم إعطاء أي اعتبار للعلاقات الثنائية أو لمصالحها الوطنية الخاصة عندما يتعلق الأمر بالقضية الجزائرية، داعية الشعب الجزائري لعدم التنازل للشروط الفرنسية أو للخطة الفرنسية لتنظيم استفتاء: »لأن الشعب الجزائري ليس في حاجة إلى انتخابات لكي يعرب عن إرادته، لقد أعرب عنها فعلا بالأعمال. إن الوطن الجزائري بين أيدي الجزائريين وهم يشرفون على إدارة أجزاء عديدة منه، لهذا الاعتبار نستطيع أن نقول أن الاحتلال الفرنسي بالجزائر قد انتهى«. سياسيا ودبلوماسيا عملت سوريا على استغلال أي حدث وطني بسوريا له طابع دولي للتحسيس بالقضية الجزائرية وإشراك الجزائر مباشرة فيه مثلما حدث في معرض دمشق الدولي (أكتوبر 1957). شارك الجزائريين فيه دوريا واستغل ممثلو جبهة التحرير الوطني هذه التظاهرة للتحسيس بقضيتهم و اللقاء مع الوفود الأجنبية بتشجيع و تنسيق الحكومة السورية وعلى رأسهم الرئيس القوتلي نفسه. خلال زيارته لجناح الجزائر الرئيس القوتلي أكد وقوف حكومته دون تحفظ بجانب قضية عربية ذات بعد قومي داعيا العرب »حكومات و شعوب إلى مد يد العون وتأييد الجزائر في جهادها ضد الاستعمار«. بالنسبة للرئيس القوتلي الثورة الجزائرية كانت حافزا قويا للمحاولات السورية الوحدوية منذ توليه الرئاسة )1955(. هذه المحاولات التي تجسدت بتأسيس الجمهورية العربية المتحدة )سوريا ومصر عبد الناصر( .بهذا المحتوى والبعد كان ينظر للقضية الجزائرية على أنها قضية سورية و بالتالي الإمكانيات المعنوية والمادية السورية هي إمكانيات جزائرية. ذلك ما أكده الرئيس القوتلي لوفد جزائري زار سوريا في مارس 1957 : »إن سوريا مشتركة معكم في القتال، إن أردتم سلاحا أمددناكم بالسلاح، وإن أردتم مالا عندنا ما نستطيع بذله وإن أردتم رجالا فرجال سوريا مستعدون لخوض الوغى إلى جانبكم. أقول لكم هذا علنا وجهرا لكي تسمع فرنسا قولنا. ولكن تعلم أننا قوم جد لا هزل، وأنا اكلم قائد الجيش السوري هنا أمامكم ليفتح مخازن الذخيرة، حتى يأخذ منها المجاهدون الجزائريون ما يريدون ، لقد عقدنا العزم النهائي على أن نموت أو نحيى معا وستكون لنا الحياة الحرة الكريمة بإذن الله «. وبمناسبة يوم الجزائر )30 مارس 1958( التي دعت إليه منظمة تضامن الشعوب الأفرو-أسيوية لتنظيم تظاهرات وجمع التبرعات والتحسيس بالقضية الجزائرية عبر البلدان الإفريقية والآسيوية، أكد الرئيس القوتلي إلى ممثلي جبهة التحرير الوطني بدمشق بأن: »إن قضية الجزائر قضيتنا و حدودها حدودنا ونضالها نضالنا ومصيرها مصيرنا، وإني على يقين بأن شعب الجمهورية العربية المتحدة بقيادة جمال عبد الناصر سيكون على رأس كل حركة قومية تنازع أطماع المستعمرين«. على المستوى العسكري تضمن التأييد السوري إرسال أسلحة ومعدات عسكرية بالإضافة إلى تدريب فرق من أعضاء جيش التحرير بما فيها التدريب على الطيران العسكري. وكان الطلبة الجزائريون هناك يعاملون كسوريون ويشاركون الاحتفالات والأعياد الوطنية الرسمية كجنود وضباط سوريون مرتدين الزي العسكري السوري ويشاركون حتى في الاستفتاءات الوحدوية مثل الاستفتاء على الوحدة بين سوريا ومصر. * أستاذ في العلوم السياسية والعلاقات الدولية، جامعة الجزائر